الشروكيين، مفردها "شروكي" يستخدمها المتعصّبون وجهّال الناس كوسيلة للانتقاص من سكنة جنوب ووسط العراق واهالي الفرات الاوسط. ترى ماهو أصل الكلمة وهل تحمل فعلا في ثناياها وتأريخها مسبّة او انتقاص كما يريد ان يستخدمها البعض وكما توحي دلالاتها المجتمعية الحالية؟
ليس من شك ان الكثير من المفردات التي تتناثر في كل مجتمع انما لها حوادث واصول تأريخية تتعلق بفترة من فترات تطور ونمو ذلك المجتمع سواء انحدرت تلك المفردات من الحالات الايجابية او السلبية لتتشكل في نهاية الرحلة الانسانية مايسمى "لغة" البلد. العراق واحد من البلدان التي تعرضت للاحتلالات في فترات متباينة لدرجة يصعب الفصل فيها احيانا بين خروج احتلال ودخول اخر ومن اقوام مختلفون واعراق ليست على صفاء كالفرس والاتراك والانجليز. أيضا بحكم التنقل والسفر والتجارة ولغة الموانئ التي يتعرض القريبون منها تحديدا لنوع من دخول المفردات بحكم الاحتكاك اليومي مع وافديها. لذلك فالعربية كلغة ام للعراقيين ليس باستثناء عن تلك القاعدة والمنهجية وبالتالي فقد امتلأت اللهجة العراقية الدارجة بالكثير من المفردات بعضها فارسية والبعض الاخر تركية وحتى الهندية بينما تناثرت هنا وهناك مفردات انجليزية وحتى يونانية واخرى اختلف على مصدرها ولم يعرف اصلها من قبيل "الشروكيين" والتي في حقيقتها التاريخية ودلالتها الحضارية لا تنم عن مسبّة او انتقاص بل تعبر عن حالة من الحضور الحضاري والارث الذي يبعث حقيقة على الفخر والعز كما سيتبين ادناه.
من المفرادت الدخيلة على اللغة العربية في العراق على سبيل المثال وليس الحصر من الفارسية مثلا (بخت، بس، خبل، دسته، طشت، سروال، زولية، بنج). اما اشهر المفردات الفارسية في اطار الاكلات العراقية فهي (برياني، باجة، تاجينة)، واخيرا وليس اخرا (الشيرة)، وتعني رحيق السكر، و (الكليجة) الحلوى المعروفة والتي تعني القرص الصغير.
والمفردات الفارسية لم يتفرّد بها المجتمع العراقي بل وحتى الخليجي الذي هو الاخر ملئي بمفردات من قبيل (الدريشة والبشت والطربال) وسواها.
اما المفردات التركية، فاشهرها (استمارة، تتن، كندرة، قوطي)، واخيرا وليس اخرا "خاشوكه" والتي تعني الملعقة. الاكثر اثارة في المفردات التركية الدخيلة على اللغة العربية في العراق هي مفردة (سرسري) والتي تعتبر كلمة مسبّة وانتقاص في المجتمع العراقي بينما هي لاتتعدى في اللغة التركية كونها "عاطل عن العمل"!
أيضا اللغة الهندية كانت حاضرة في لغة العراقيين اليومية وذلك من قبيل: (بهار،بنكة، ديرم) وتعني الاخيرة صبغة الرمان الذي تستخدمه النسوة لصبغ الشفاه وذلك قبل ظهور الماركات العالمية كما نراها اليوم. اما اشهر مفردة هندية في العراق بعد البهار فهي "دروازة" وتعني البوابة ومنها جاءت تسمية (باب الدروازة) الشهير. وللانجليزية نصيب لايقل عما تقدم فمن مفرداته الدخيلة على اللغة العربية في اللهجة العراقية الدارجة (باج، باص، برلمان، تواليت باكيت ... الخ)
اما المفردات المتناثرة هنا وهناك ومن لغات عدة فاشهرها "زلطة" وهي مفردة إيطالية تعني جمع الخضروات في إناء او "سلط" بمعناها الانجليزي. أيضا كلمة "شرشف" وهي كلمة كردية الاصل وتعني غطاء النوم. كذلك كلمات فرنسية من قبيل (اورزدي) و (كليته). اما (قرطاس) ومنها جاءت قرطاسية فقد تبين ان اصلها يوناني “khartes” وتعني (الورق) حتى وان استخدمها شاعر العرب الخالد المتنبي بميميته المشهورة حيث يقول :
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسهم والرمح والقرطاس والقلم
ماتعارف عليه في اللغة العربية وعند العرب بشكل عام انهم يصفون اتباع القائد او سكنه المكان او اتباع مذهب ما وعقيدة ايا كانت باسماء اولئك او تلك فمثلا يقال "مكيين" نسبة الى مكة وكذا بقية البلدان والامصار، وأمويين نسبة الى "امية بن عبد شمس" وعباسيين نسبة الى "العباس بن عبد المطلب" وخليجيين نسبة الى "الخليج العربي" وهكذا.
العراق بلد الحضارات ومنبع الديانات الخالدة على مر العصور ويعرف بأرض الرافدين او ميسوبوتاميا حيث استوطنه السومريون والاكديون والاشوريون وهؤلاء ايضا تسمّوا باسماء عظمائهم "سومر" و "اكد" و "اشور". والمعروف ان جل هذه الحضارات قد استوطنت جانب الفرات والشمال الشرقي من العراق. لذلك فقد اوعز البعض ان كلمة "شروكيين" انما تعني الشرق او سكنة الشرق ولابأس في ذلك ولكن هل انتهى الامر عند هذا الحد؟!
تذكر بعض المصادر التأريخية ان "شروگين" تعني (الرجل الصادق) وبعضها الاخر يؤكد انها تعني (الملك الاسد) بينما تتفق كل هذه المصادر على ان "شروگين" او "دور شروگين" كانت عاصمة لمملكة اشور في زمن الامبراطور سرجون الثاني. ايضا وفقا لتلك المصادر فان مؤسس السلالة الاكادية هو سرجون الاول او الكبير وذلك وفقا للكتاب المقدس والذي يعني اسمه بالاكادية "شروگين" الذي شملت امبراطوريته العظيمة عيلام الى البحر المتوسط وبلاد مابين النهرين وحتى الاناضول التركية، حيث استمر حكمه زهاء الخمسة عقود بدءا من 2334 حتى 2279 ق.م. الجدير بالذكر هنا ان عاصمة "الشروگيين" كانت تسمى "اكد" والتي كانت واقعة على الضفة اليسرى لنهر الفرات او "الهلال الخصيب". ولسرجون هذا قصة غريبة بعض الشئ حكتها الاساطير السومرية تشبه قصة النبي موسى "ع"، سنتطرق اليها في مقال منفصل لدينا حول الاساطير البابلية والسومرية.
لذا ووفقا لهذه المصادر والاستنتاجات والدلالات التأريخية فأن مفردة "شروگيين" انما تطلق على سكنة المدينة "دور شروكين Dur-Sharrukin-" والتي هي الاخرى تسمّت تبعا لقائدها المغوار "شروكين" او سرجون الكبير. لذلك فهي كلمة تنم عن تأريخ ملئ بالحضارة والارث المتوارث الذي لازال قائما على ارض الرافدين ويزهو بشموخ على ربوع سومر ولا دلالة من قريب او بعيد تفيد بالانتقاص. لذا يبدو انه نعت عز وشموخ لمن يقال له "شروگي" ويتوجّب ان ينتصب فخرا ويقف بزهو القائد العظيم "شروكين" وصاحب الصرح الابدي الذي حكم الارض في يوم من الايام واوصل لنا حضارة بنيت على اسسها حضارات تلت. خصوصا لو علمنا ان حضارة سومر والسومريين كانوا يعيشون مجتمعا متحضرا وليس بدويا متنقلا فابدعوا في الرياضيات وعلوم الفلك وأسسوا اول نظام مصرفي تعرفه البشرية في وقت عُرفت فيه اور بمسماها الشهير "جنة عدن"، ليأتي بعدها الملك الخالد حمورابي ويوحّد بلاد سومر ويبرز ملكا عظيما ومشرّعا اول لقوانين تنظّم حياة البشر. ارث كهذا وحضارة كتلك مدعاة للفخر والزهو فاقرأ تأريخك وتحصّن وكن عظيما فانت من نسل (شروكين) الكبير صاحب أرض بلاد الرافدين.
رياض الحسيني