من أعظم قصص العرب في الجاهلية ..
قصة العشق و الشجاعة .. قصة الحب و الحرب .. قصة البراق بن روحان و ليلى العفيفة :
البراق بن روحان من قبائل ربيعة الدهماء من نسل عدنان و ابنة عمه ليلى العفيفة ..
البراق بن روحان كان من أشجع شجعان قبائل ربيعة الى درجة أن العرب تكتب في التاريخ أن إليه ينتهي مجد ربيعة ..
البراق بن روحان هو ابن عم وائل بن ربيعة ( كليب ) و الزير سالم وهو أكبر منهما عمراً وأقدم منهم في الفروسية وكان هو قدوتهم في الشجاعة .. ولأن البراق أكبر منهما عمراُ فلم يكن كليب و الزير يخرجان عن أمره ..
في ذلك الوقت كان هناك في الجزيرة العربية مفهوم السيادة المفروضة من القبائل اليمنية كهمدان ومبحج وكافة القبائل السبأية على القبائل العدنانية .. فكانت القبائل العدنانية تدفع الجزئية للقبائل اليمنية .. بمعنى أن العرب العاربة كانوا يفرضون سيطرتهم على العرب المستعربة أي العدنانيين ..
الى يوم جاء يوم و إجتمعت فيه القبائل العدنانية كمضر و إياد و نزار تحت راية ربيعة ابن الحارث والد الزير سالم و كليب .. وقررت القبائل العدنانية وضع حد لتجبر القبائل اليمنية عليها .. ودارت بينهم معركة السلان .. وفي معركة السلان هذه اشتهر فيها البراق ابن روحان بأنه الفارس الأول بين قبائل العرب .. وبعد معركة السلان اصبحت سيادة القبائل العربية لربيعة وفارسها الأول البراق ..
كان للبراق ابنة عم اسمها ليلى .. كانت ليلى تحب البراق و البراق يهيم فيها عشقاً ..
وفي يوم من الأيام جاء البراق الى عمه وقال له بأن ليلى لي لا تعطيها لغيري .. فقال له عمه وأين نجد مثلك زوجاً لها فأنت أحق الناس بها وهي لك ..
عم البراق كان رجل تاجر و اسمه اللكيز.. وكان صديق لملوك اليمن وكان يذهب اليهم بقوافله التجارية في كل عام ..
فحصل في يوم من الأيام أن ملك اليمن قال له : يا لكيز سمعنا ان لديك ابنة اسمها ليلى تامة الحسن و كاملة الجمال .. فقال له لكيز صدقت فلي ابنة اسمها ليلى وهي كما وصفت .. فقال له ملك اليمن فأنا أريدها زوجة لابني .. فنجعل من صداقتنا نسب بيني و بينك ..
لم يستطع لكيز رفض نسب الملك وخجل من أن يقول له بأنه أعطى كلمة لابن أخيه البراق .. وأمام الحاح الملك وافق لكيز بتزويج ابنته ليلى لابن ملك اليمن ..
رجع لكيز الى نجد وقابل ابن اخيه البراق وقال له ما جرى بينه و بين الملك .. حاول البراق أن يثني عمه عن قراره لكن عمه رفض وأصر على تزويجها لابن الملك .. فخرج البراق غاضبا وهو في الطريق قابل ابنة عمه ليلى .. فقال لها البراق هل أنت راضية عن قرار والدك ؟ فقالت له لست براضية لكنه قرار أبي وليس باليد حيلة ..
فقال البراق اسمعي يا ليلى .. في الليل خذي حوائجك وانتظريني عند البئر لآتي لآخذك و أهرب بك من القبيلة .. ولن يلحق بنا أحد من العرب فجميع العرب تخشاني و تخاف مني ..
رفضت ليلى وقالت له أن ما قاله أبي الذي هو عمك سيمشي علي و عليك يا براق .. واذا كنت تحبني حقاً فتمنى لي السعادة مع من كنت وأينما كنت .. فلن أهرب معك وأفضح أبي بين العرب ..
ومن ذلك اليوم سميت بليلى العفيفة لأنها رفضت الهرب مع ابن عمها ..
غضب البراق و كره قبيلته و اعتزل العرب كلها .. فخرج الى الجبال وهام على وجهه .. وعتب على قبيلته التي لم تثني عمه عن قراره .. وحز في نفسه أن القبيلة تحتاجه فقط في الحرب وعندما يحتاج قبيلته في أمر التدخل لدى عمه لم يسانده أحد ..
وهو في عزلته بدأت معارك بين قبيلته ربيعة وبين قبائل طي و قضاعه .. وكان يقود قبيلة ربيعة في المعارك وائل ( كليب ) و اخوه الزير سالم .. فكانت الغلبة في المعارك لقبائل طي و قضاعة و استنزفوا قبيلة ربيعة .. فكانوا اكثر منهم عدداً .. والبراق لم يتحرك فيه ساكن رغم انه كان يسمع أن قبيلته و ابناء عمه يقتلون و يموتون يومياً .. لكنه كان غاضب من قبيلته ولم يتدخل ولم يتحرك لنجدة أهله .. فتعبت قبيلة ربيعة وزاد فيها عدد القتلى ولم تستطع القبيلة أن تتحمل أكثر .. فقرروا الإرسال في طلب البراق لنجدتتهم ..
ذهب كليب و الزير سالم الى البراق وقالوا له لم نعد نتحمل أكثر فانجدنا يا براق قبل أن نهلك .. فطردهم البراق و رفض العودة معهم ..
وهنا ارتكبت قبائل طي و قضاعه غلطة عمرها .. فكتبوا الى البراق رسالة يشكروه فيها لعدم تدخله في الحرب ووعدوه بأن يرسلوا له الهديا ثمناً لموقفه المحايد ..
لكن البراق فهم الرسالة بطريقه أخرى .. أي أنهم يشكروه لأنه تخلى عن اهله و سيدفعون له مالاً ثمناً لعدم تدخله ..
ركب البراق فرسه الشبوب وعاد الى قبيلته ليقود الحرب بنفسه .. وهو يردد أبيات الشعر التي يقول فيها :
إذا لم أقد خيلي الى كلِ ضيغمٍ .. و أأكل من لحمِ العداةِ و أشبعُ
فلا قدت من أقصى البلادِ طلائعاً .. ولا عشتُ محموداً و العيش موسعُ
فاصطف الجيشان و صاح فرسان ربيعة وهم يرددون :
براق سيدنا و قائد خيلنا .. وهو المطاع في المذيق الجحفلِ
بدأت المعركة وبحث البراق عن زعيم قبيلة طي واسمه النصير الذي كتب له الرسالة و قال له أتقدم لي الهدايا لكي أتخلى عن أبناء عمي ؟ سأقطع رأسك وأقدمه هدية لأبناء عمي .. وبالفعل قدم البراق رأس النصير زعيم أعدائهم هدية لكليب ..
كسرت طي بعد مقتل قائدهم النصير وفرت قضاعة و غنمت ربيعة منهم غنائم كثيرة ..
ورجع البراق مع قبيلته و عينوه زعيما لهم .. لكن ليلى التي احبها كانت قد ارسلوها لملك اليمن ..
لكن ليلى وهي في الطريق الى اليمن تم خطفها .. خطفوها فرسان من قبيلة إياد من عدنان .. وأهدوها جارية لأحد أبناء الأكاسره ملوك فارس ..
فأحبها ابن كسرى لشدة جمالها .. حاول معها الفارسي فرفضته .. فأغراها بالزواج و رفضت .. فعذبها عذابا شديدا و استمرت في رفضه ..
في ذلك الوقت لم تكن قبيلة ربيعة تدري أن ليلى مخطوفه .. كانو يعتقدون انها في اليمن .. وملك اليمن كان يعتقد انها لا في قبيلة أهلها .. فكل طرف كان يعتقد انها عند الآخر .. لكنها في الحقيقة كانت في بلاد فارس ..
فحدث ذات يوم انها صادفت راعي على أطراف القصر الذي كانت أسيرة فيه في أرض الفرس .. فسألته هل أنت عربي ؟ فأجابها نعم انا عربي .. فقالت له هل تعرف البراق ابن روحان ؟ قال لها ومن لا يعرف اشهر فارس من فرسان العرب ! .. فقالت له سأقول لك قصيدة و انقلها للبراق .. فأنشدت ليلى على مسامع الراعي قصيدة تستنجد بها بنخوة البراق و كليب و الزير سالم و جساس وكافة فرسان العرب .. فنقل عنها الراعي القصيدة التي تقول ليلى فيها :
ألا ليت للبراق عيناً فترى .. ما أُلاقي من بلاء وعنى
يا وائلاً يا سالماً يا إخوتي .. يا جساساً أسعدوني بالبكى
عذبت أُختكم يا ويلكم .. بعذابٍ في الصبحِ و المسا
عذبوني غللوني أهانوني .. ضربوا العفة مني بالعصا
هيهات الأعجميُ أن يقربني .. ومعي بعض حشاشةُ الحيا
أصبحت ليلى تغل أكفها .. مثل تغليل الملوك العظما
و تقيد و تكبل جوراً .. و تطالب بقبيحات الخنا
يا إيادٌ خسرت صفقتكم .. ورمى المنظر من برد العما
الى نهاية القصيدة التي استحثت فيها نخوة قبيلتها و شرف أبناء أعمامها الفرسان و بالذات حبيبها البراق
فعندما وصل الراعي الى قبيلة ربيعة وألقى عليهم القصيدة لم ينتظر الفرسان انتهاء القصيدة حتى ركبوا خيولهم وركضوا مسرعين الى بلاد فارس ..
ولحقت بهم قبائل مضر من تميم و هوازن و غطفان و عبس ..
وقال وائل بن ربيعة ( كليب ) في نخوة قبائل مضر قصيدته الشهيرة التي مطلعها :
وإن تتركوا وائلاً للحرب يا مضرٌ .. فسوف يلقاكم الذي كان لاقيها
فأبلغوا بني الفرسَ عني حين تبلغوهم ..وحيّوا كهلان إن الجندَ عافيها
فقاد البراق فرسان القبائل العربية حتى دخل الى أرض فارس .. فبدأت المعارك الطاحنه بينه و بين أبناء الأكاسره بين كر و فر .. وفي يوم من الأيام أثناء إحدى المعارك زاد الفرس الطين بله .. فقتلوا أخوه غرسان .. وكان البراق يحب اخيه غرسان حباً عظيما .. فأصبح ثأره عند الفرس ثأرين ..
فجمع البراق فرسانه وكر على جنود الأعداء كره واحده وهو ينشد قائلا :
صبراً الى ما ينظرون مقدمي
اني أنا البراق فوق الأدهمِ
لأرجعن اليوم ذات المبسمِ
بنت لُكيز الوائلي الأرقمِ
طحن البراق جيش الفرس و كسر جنودهم و اقتحم اسوارهم و حرر ليلى منهم بالقوة ..
هزم الفرس وعاد منتصراً محرراً حبيبته ليلى .. وعندما عادوا للقبيلة زوجوه ليلى العفيفه
ليلى التي رفضت ان تهرب معه حفاظاً على شرف أبيها .. فذهب الى بلاد فارس وجلبها عروسة له على جماجم الفرس ..
ومن هذه الحادثه سمت العرب ليلى بليلى العفيفة ..
انها قصة من قصص تاريخ العرب .. قصة الحب و الحرب .. قصة البراق وليلى
..