قَدْ يَستعْملُ بعضُ الباحثينَ كلمةً ما، يُريدُ بِها مَعْنىً، ولكنّها تَحْملُ نقيضَ ذلِك المَعْنى أو تدلّ على مَعْنى مُستهْجَنٍ تمجّه الطّباعُ، نحو كلمة "الزَّخْم" و "الزّخَم"، فقد يُطلقُها بعضُهُم ويُريدُ بِها الحَشْد أو الجَماعَةَ الكبيرَة أو الكَثافَة العظيمَة، أو قد يُريدُ بِها مَعْنى آخَر لَه ورودٌ في لغةِ العربِ ومَعاجمِ العُلَماءِ، وهو قوّة الدّفْع، ثمّ يخرُج بِها عن مَعْنى قوّة الدّفْعِ إلى مَعْنى النّشاط والحَرَكَة زاعماً أنّه مالَ باللّفظِ إلى الدّلالةِ المَجازيّةِ، وقد حصلَ جدالٌ ولَجاجَةٌ من أحدِهِم في بعض المنتدياتِ، لأنّه أبى أن يُسلِّمَ للعَرَبِ الأوضاعَ اللغويّةَ التي ارتضَوْها وارْتَضاها مَن بعدَهم، وزعمَ أنّه لا مانعَ يمنَع من مُخالَفَتِهم في ذلِك، وعلّتُه هذه حقٌّ يُرادُ بِه باطلٌ في زَمانِنا هذا، فالتّعليلُ بتطويرِ اللغةِ أو إدماجِها في سياقِ التنميةِ أمرٌ لا ينتطحُ فيه عنزانِ، ولكنّ الزّعمَ بالتّطويرِ قد يُدخلونَ تحتَه ما لا حصرَ لَه من وجوه الإخْطاءِ والخروجِ عن مَعْهودِ العربيّة في التّعبيرِ، مُتّبعينَ في ذلِك ما تَداوَله الصّحفيّونَ والإعلاميّونَ والكَتَبَةُ المُداوِمونَ في الصّحُفِ السّيّارَة. والنّتيجَة الانتقالُ من لغةِ الفصاحَةِ إلى لغةِ الصّحافَةِ.
والذي في العربيّةِ ومَصادرِ اللّغةِ أنّ مَعْنى الزَّخَمِ الرّائحةُ الشّديدَةُ، وهو المَعْنى الأغلَب على اللفظِ، وهو الذي شاعَ عند العرب الفُصحاءِ، وما زالَ إلى يومِنا، ومنه الزَّخَمَةُ وهي الرائحةُ الكريهةُ، واللَّحمُ الزَّخِمُ الدَّسِمُ: الخَبيثُ الرائحة، وخَصَّ بَعضُهم به لحومَ السباع؛ قالَ: لا تكون الزَّخَمَةُ إلاّ في لُحوم السِّباع، والزَّهَمَةُ في لحوم الطير كلها، وهي أقلُّ من الزَّخَمَة. والفعلُ زَخِمَ وأزْخَمَ، والمصدرُ زَخَمٌ، والزُّخْمَةُ نتنٌ العِرْض، وهي الرائحة الكريهة، وطعام له زَخَمَةٌ. يُقال: أَتانا بطَعام فيه زَخَمَةٌ أي رائحة كريهة.
أمّا المَعْنى الثاني،وهو الدّفعُ بشدّة، فهو معنى فَرعيٌّ جزئيّ قليلٌ، والخاءُ في مَصدره ساكنةٌ [زَخْم]، وهذا المَعْنى هو نفسُه لا حُضورَ له إلا في حُدودٍ ضيقة، بل لا يستقيمُ أن يورِدَه الشّاعِرُ في شعْرِه. ومن المَعْلومِ أنّ العَقْد الذي بين الشّاعر والقارِئ هو اللّغة، فإذاالتزمَ بضوابِطها النحويّة والتركيبية والبلاغية سهُل التبليغ والتّواصل، وإن هو فسخَ العَقْدَ انقَطَع حبلُ التّواصُل. فهذا تَنبيهٌ عَلى ضَرورة الالتزامِ بدلالات الألفاظِ التي لَها بالوَضع.