المرء مخبوء تحت طي لسانـــه
أتى لإكمال دراسته في تلك الجامعة الكبيرة في العاصمة بعد ان تم قبوله فيها بذلك المعدل العالي الذي حصل عليه.
فالجامعات تنظر الى الطلاب من خلال ارقام معدلاتهم وهو أمر – ان لم يتخلله زيف- منصف جداً .
في الكافيتريا.. وبانتظار الإجراءات الادارية لإدارة الجامعة كان قد طلب بعض الطعام .
المحرج في الأمر ان الطعام الذي طلبه كان يحتاج الى استعمال الشوكة والسكين !
لم يتمكن من اتقان الأمر جيداً ، حتى لاحظ بعض الحاضرين ذلك عليه! بعضهم ضحك وبعضهم لم يكتف بذلك
كأستاذ مادة الفلسفة, ليتقدم نحوه بنية الاستهزاء, واتخاذه ضحية, لذلك البطل والذي سيلعب دوره هو..
فـ دار هذا الحوار بينهما :
الأستاذ: كن حذراً كي لا تجرح نفسك. الطالب: نحن الأثنان نحتاج الى ذلك التحذير يا أستاذ، فكلانا مقبلان على شيءِ نجهله. الاستاذ: بعض الأشياء (يزيح) مظهرها الخارجي غطاء الجهل عنها فتبدو على حقيقتها. الطالب: أتفق معك بعد استبدال مصطلح (المظهر الخارجي) بـكلمة (الحركة). الاستاذ: على فرض كون هذا المجهول أنساناً، كيف ستتمكن من إزاحة الجهل عنه لمجرد حركته؟! الطالب: اولاً يا أستاذ هذه القاعدة أنت الذي أتيت بها ومن غير المنصف بحقك أن تكون أنت من يسأل ! الاستاذمقاطعاً : أنا سألت فيما أجهل، ولم أسأل عن قاعدتي، كما أسميتها يا أفلاطون! الطالب: وكيف تجهل أنساناً تراه! أليس ذلك يخالف قاعدتك هنا ذات (المظهر الخارجي) يا أستاذ سقراط؟! الاستاذ: رغم صحة أشكالك ولكن هذا لا ينفي بقاء سؤالي قائما, وخاصة كونه الوحيد الذي يحتاج الى اثبات الان، بعد ان سقط نقيضهُ. الطالب: قصدك سؤالك عن كيفية إزاحة الجهل عن الشيء بالحركة؟ الاستاذ: نعم الطالب: بحركة لسانه () .. كان هذا ثانياً . الاستاذ: قصدك الكلام؟ رأي صائب، ولكن- ورجوعاً بالحوار- هذا لايمنع بأن يكون هناك نسبة للمظهر الخارجي بكشف الجهل!
كما تفعل أنت الان (لا تتقن الأكل بالشوكة والسكين)! وبما ان هذين الاخيرتين سليمتان ، فالعيب في يديك والتي هي جزء من مظهرك الخارجي كما تعلم .الطالب: لو كان في يدَّي عيباً كما تدعي يا أستاذ! لما أوصلتاني الى هذه الجامعة المرموقة، وباستحقاق مني. بل كما لاحظت وأخبرني العميد كذلك بأن معدلي الدراسي من أعلى المعدلات المتقدمة للجامعة، هل تظن يا استاذ أن تلك النتيجة جاءت من أيدٍ معيوبة ؟! الاستاذ (محاولاً إخراج نفسه من طوق الاحراج.. بالسخرية) : آسف بني ، لعل العلة بالشوكة او السكين ، فهما لم يحصلا على معدل كمعدلك العالي ! الطالب: المشكلة ليست في الشوكة و السكين يا أستاذي أنت يا أستاذ لا يمكنك أن ترى ذلك للأسف، والدليل (حركة لسانك) والتي اتت بكشف المجهول الذي في داخلك، أفضل بكثير مما كشفت نظرتيك ذات المظهر الخارجي إن كشفت شيء أصلاً!
الاستاذ: إذا.. أين المشكلة يا ذكي؟! الطالب: المشكلة فيمن يرى أن لكل شيء طرفين فقط!
فيقوم ببناء نظريته على هذا الأستنتاج ، فيعطي أحدهما الصحة والآخر الخطأ وكأنها نظرية الخير والشر! بل حتى في هذه النظرية عادة ما تأتي افعال مباحة تقع بينهما. والحق أنها تكون اقرب للخير ولا يمسها الشر ليتخذها ضمن حدوده .
الاستاذ : مثـــلاً ؟
الطالب : مثلا, عدم الاتيان بالفعل بالشكل الصحيح لا يمكن حصره بين الفاعل و الإرادة التي جاء بها الفعل! ماذا بشأن معرفته في هذا الأمر من عدمها؟!
لذا.. أنا هنا ناصح لك . لاتضع نفسك موضعاً حرجاً بسبب اعتمادك نظرية أقرب ما تكون للجهل منها لغيره .
أنصرف الأستاذ بوجه يعلوه الغضب ، والحقيقة انه أنصرف محرجاً ، فالحقيقة تأتي بقوة دائماً ، وأكثر ما يصون جمال الحقيقة ويعطيها ذلك البهاء والسطوع هو صاحب الحق.
نعم.. على صاحب الحق ان يكون قوياً و واثقاً من نفسه وان كان مجرد طالب في حضرة أستاذ، بل هو في هذا المورد يكون أكثر جمالاً وسطوعاً .
و لكن كيف عرف الطالب أن الذي أتى لمحاورته هو أستاذ ؟ هل كان ذلك من مظهره الخارجي؟ أم شيء آخر.. ؟
.
jawad980