قصة غرام الشاعر عنترة ابن شداد مع محبوبته عبلة واحدة من أشهر قصص الحب في التراث العربي.
وتعود شهرتها إلى عاملين، الأول هو شهرة الشاعر عنترة بن شداد ومعلقته الشعرية.
والتي يقول مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
والثاني هو الحكاية التراثية التي تناولت القصة وتناقلتها الأجيال جيلا وراء جيل. فمن هو عنترة؟ ومن هي محبوبته عبلة؟ وكيف نشأت قصة حبهما الشهيرة؟
عنترة ابن شداد العبسي، يعود نسبه إلى والده عمرو ابن شداد أحد سادة قبيلة عبس. أما أمه فهي زبيبة جارية حبشية سباها والده. وهو ما جعله يرفض الاعتراف به، اتباعا للتقاليد المتبعة وقتها بإقصاء أبناء الإماء. وكان له شقيقان من أمه هما جرير وشيبوب واعتبرا مثله من العبيد أيضا.
ويعني اسم عنترة الشجاعة والإقدام. ويبدو أن لكل إنسان نصيب من اسمه، وبالفعل تمتع عنترة بشجاعة نادرة وغير مسبوقة. كما لقب بأبي الفوارس أيضا بسبب شجاعته النادرة وبسالته في المعارك والحروب.
الوصول إلى الحرية:
ظل عنترة منتسبا إلى طبقة العبيد حتى جاءته الفرصة في إحدى الغارات على قبيلته، حيث أغارت عليهم قبيلة أخرى، وكادت قبيلة عبس أن تنهزم، فاستنجدوا به لكن عنترة قال لهم: "لا يحسن العبد الكر إلا الحلاب والصر" ويعني بذلك أنه طالما أن قبيلته تتعامل معه باعتباره عبد، فلا يجب أن ينتظروا منه القتال والهجوم، فالعبيد لا يحسنوا سوى رعي الغنم وحلبها.
وقد أدت جملته فعلها. فوعده أبوه أن يمنحه حريته، وبالفعل أبدى في هذه المعركة شجاعة نادرة انتزعت له الاعتراف بنسبه إلى أبيه. ونيله لحريته التي طالما صارع من أجل نيلها.
الحب المستحيل:
على الرغم من فوز عنترة ابن شداد في العديد من المعارك الحربية والقتالية، لكن معركته الأهم كانت معركة الحب، حبه لعبلة بنت مالك ابنة عمه، وهي المعركة الصعبة التي خاضها ببسالة وشجاعة.
وقع عنترة في حب ابنة عمه عبلة، والتي عرفت بجمالها وعقلها أيضا، لكن العائق بينهما كان عمه مالك، وشقيقها عمرو. فقد رفضه عمه بسبب لون بشرته ونسبه. ولكي يعمل على تعجيز عنترة طلب منه ألف ناقة من نوق الملك النعمان ابن المنذر ملك العراقالمعروفة بالعصافير مهراً لابنته.
أَتاني طَيفُ عَبلَةَ في المَنامِ فَقَبَّلَني ثَلاثًا في اللَثامِ
وَوَدَّعَني فَأَودَعَني لَهيبًا أُسَتِّرُهُ وَيَشعُلُ في عِظامي
وَلَولا أَنَّني أَخلو بِنَفسي وَأُطفِئُ بِالدُموعِ جَوى غَرامي
لَمُتُ أَسىً وَكَم أَشكو لِأَنّي أَغارُ عَلَيكِ يا بَدرَ التَمامِ
أَيا اِبنَةَ مالِكٍ كَيفَ التَسَلّي وَعَهدُ هَواكِ مِن عَهدِ الفِطامِ
وَكَيفَ أَرومُ مِنكِ القُربَ يَومًا وَحَولَ خِباكِ آسادُ الأَجامِ
وَحَقِّ هَواكِ لا داوَيتُ قَلبي بِغَيرِ الصَبرِ يا بِنتَ الكِرامِ
إِلى أَن أَرتَقي دَرَجَ المَعالي بِطَعنِ الرُمحِ أَو ضَربِ الحُسامِ
وبالفعل قرر عنترة أن يخرج للبحث عن النوق العصافير، وواجه في سبيلها العديد من المخاطر والأهوال. ووقع في الأسر ولاقى العديد من الأهوال حتى استطاع في النهاية أن يحقق هدفه ويجمع ألفاً من عصافير الملك النعمان مهراً لحبيبته عبلة.
المماطلة المستمرة:
لكن للأسف ماطله عمه وحاول التنصل من عهده.وظل رافضا لإتمام هذا الزواج، وقد وصل به الأمر ﻷن عرض ابنته عبلة زوجة لمن يأتيه برأس عنترة من فرسان القبيلة.
وقد اختلفت مصادر التراث حول مصير قصة الحب العظيمة هذه. فالبعض يقول أنهما تزوجا بالفعل، والبعض يقول أنها تزوجت من فارس آخر وظل عنترة راهبا متبتلا في محراب حبها. وكأن القدر يعاند الحبيبين ويقف بينهما وبين تحقيق هذا الحلم .
وقد امتدت حياة عنترة وعمره طويلا، حيث امتد به العمر حتى بلغ زهاء التسعين عاما. حين وافته المنية.