بهدوء مشدود بمعاناة الألم التي لازمت الفنان القدير لسنوات، صاحب أول رؤية موسيقية قادت لتأسيس فرقة اجراس الموسيقية والتي ضمت بين صفوفها امهر العازفين البحرينيين، الفنان المبدع الذي رحل عن دنيانا الأسبوع الماضي تاركًا لمحبيه الكثير من الأعمال الرائدة التي انطوت في حبه واتجاهها نحو وطن الحب البحرين.
رحل بعد عناء مع مرض الوكيميا، تاركًا حسرة في قلوب الكثيرين، ولأننا في القسم الثقافي يهمنا أن لا نغفل احدًا، اجرينا هذا الاستطلاع مع ثلة من الذين عاصروه واقتربوا من اعماله.
الموسيقار الدكتور عصام الجودر يقول أَحبَّ سلمان زيمان الفن منذ طفولته، وحلُم بأن يُمارس الموسيقى في أي شكلٍ أو صيغة، في البداية عندما توجه الى متجر بيع الآلات الموسيقية كانت الرغبة الأولى له هو اقتناء آلة الدرامز الإيقاعية، ولا غرابة في ذلك فهو ذو جذور بحرينية ومُحرقية على وجه التحديد، حيث للإيقاع في الأغاني الشعبية والجماهيرية القداسة، إلاّ أنَ صاحب المحل فاجأه بأن المبلغ لا يكفي لشراء آلة الدرامز، لكنه لم يرِد أن يرجع إلى منزله خالي الوفاض، فالانتظار بالنسبة إليه صبر مشوب بالحسرة وعزوف عن مغامرة ممارسة العزف. لذا وبدون تردّد قام بتبديل رأيه واشترى آلة الجيتار عوضًا عن الدرامز وتعلم عليها وأحبها ورافقته بحنان في مشواره الطويل. ولسلمان طريقته في العزف على آلة الجيتار، حيثُ أنها وكما هو معروف آلة ميلودية وهارمونية أيضًا، إلاّ أنه – أي سلمان – يحبذ العزف عليها ميلوديًا وليس هارمونيًا، بما يشبه طريقة ممارسة آلة العود.
موضحًا الجودر أن عملية إنتاج أعمال غنائية جديدة له لم تكن دائمًا ميسورة، كانت لعملية الدعم لسلمان سواء من قبل المؤسسات التجارية أو الرسمية أشبه بما يُمكن أن نطلق عليه المدّ والجزر. لذا وبسبب عشق سلمان للموسيقى وذكائه الفطري لم يرد أن يستسلم وينتظر الفرص غير المضمونة، بل شرع في تأسيس فرقة «أجراس» مع أخوته وموسيقيين آخرين يجمعهم حب الموسيقى والإخلاص والتفاني، خاصة أنّ بعضهم قد صقل موهبته بالدراسة الأكاديمية. فكان للفرقة بقيادة سلمان أن رسمت لها طريقًا مُختلِفًا ومُمَّيزًا على مستوى البحرين والساحة الخليجية، اهتمت فيه بانتقاء النصوص الفصحى منها والعامية وكذلك التوزيع الموسيقي، والعمل الجماعي مُتحَدين كُل العراقيل والصعاب التي واجهتهم.
مؤكدًا أن سلمان لن يغيب بل سيكون حاضرًا بأعماله وانتاجه وكذلك بمواصلة أبنائه وأخوته على درب الموسيقى والفن.
ذاكرة الوطن
اما الشاعرة فتحية العجلان التي ابحرت في قولها: كان سلمان ولازال ينتمي إلى فرقة أجراس التي كانت حلما يراودنا فأخذنا بأحلامنا الى المستحيل. كان يقف على مسرح الفن دون تكلف يغني ويعزف وكنا نردد أغانيه بشغف حتى دخل عواطفنا وشكلها بحب الوطن أحبنا وأحببناه فقد كان مبتسمًا دائمًا في كل ظروفه المعيشية والسياسية والصحية, أصيلا لا يتغير ولا يتقهقر احترم موقفه فاحترمه الجميع وكان ركيزة أساسية في الفن الوطني وذاكرة الوطن, لن تنتهي تلك الأغاني الخالدة, سيرددها الأجيال وسيبقى له حيز في دواخلنا دائمًا.
نوستالجيا
ويرى الموسيقي علاء غوّاص أن البحرينيين لا يبكون رحيل الفنان سلمان زيمان الذي عشقوه فحسب، وإنما يبكون فصلا كبيرًا من حياتهم الذي انكسر برحيله. ويتألمون لثمانيناتهم وتسعينياتهم التي تلوّنت وانطبعت في أذهانهم وقلوبهم بأغنياته الدافئة. إنني أراهم أيضًا يرثون جيلاً بأكمله وكأنما رحيله يلمّح بأولى محطّات قطار الموت المحتوم لجيل كامل من الفنانين البحرينيين الذين مهّدوا الطريق لي ولكل فناني جيلي.
مضيفًا: تمكّن الرائع سلمان زيمان من نشر موسيقاه في ثقافتنا المحلية بنجاح دون التخلي عن مبادئه الفنية والوطنية وأسس لنهج راق ورفيع في الفن قلّ نظيره. وسيبقى في الوجدان وسيطلّ علينا منفردًا من السماء دائمًا كأكثر فناني البحرين تعددًا في مهاراته وحرفهِ الموسيقية، إنه المغنّي، والمؤلف، والملحّن، والعازف، والقائد لفرقة موسيقية، والمؤسس لشركة تسويق الآلات الموسيقية وصيانتها، والمعلّم المخضرم للتربية الموسيقية. لكم فقط أن تتخيلوا ما كان سيحدث لو درس الموسيقى بدلاً من الهندسة التكنولوجية...
لقد رسمَ بو سلام «على ذراع البلد» نموذجًا لن يتكرر للفنان الموسيقي المتكامل وسيظل هو «قويا».
الداعم دائمًا
واستذكر المؤلف الموسيقي أحمد الغانم قائلاً «وأنا أبدأ أولى خطواتي كعازف فلوت كان هو حاضرًا لجعلي كعازف فلوت أساسي في فرقة أجراس ولازلت أذكر كيف بادر في إحدى المرات لتسهيل مشاركتي في حفل الفرقة في مهرجان القرين بدولة الكويت، حيث كان وقتها هو بداية العام الدراسي لي بالقاهرة فعمل مع المنظمين لتوفير تذكرة سفر لي للمشاركة في هذه الفعالية، هذا الموقف شكل دفعة معنوية كبيرة لي فقد اشعرني بأهمية دوري في هذه الفرقة.
موضحًا الغانم: منذ فترة دراستي وحتى قبل عام مضى ومن خلال الأنشطة والفعاليات الموسيقية التي أشارك بها أو انظمها كان متابعًا وحاضرًا على الدوام وبنفس يختلف عن الآخرين، حيث كان يحرص على أن يبقى بعد انتهاء الحفل أو الأمسية ليقف معي ويشد على ازري ويشيد بأهمية نشاطي وهذا كان بالنسبة إلي كما هو بالنسبة إلى كل مشتغل بالفنون الأدائية هو قمة التتويج وتذوق نشوة النجاح، ولم يكن يقف عند هذه اللحظة كان في اليوم التالي يبعث لي بصور من الحفل ويعقبها برسالة ليؤكد بكلمات دقيقة نجاح رسالتي وضرورة مواصلة المسيرة.
وتابع لم يقتصر تشجعيه لي في هذا الجانب ولكنه يشمل أي نشاط موسيقي آخر اقوم به سواءً كان مقالاً أو لقاءً أو أداء لعمل موسيقي أو تأليفي.. كان تفاعله شيئا بديهيا والذي يأتي من خلال تحليل دقيق لما تلقاه وما لفت انتباهه في ذلك العمل وهو أمر يؤكد حرصه الشديد على الاستماع الدقيق ومن ثم إبداء الرأي والذي يعقبه بالثناء على ثبات العزيمة وضرورة مواصلة العطاء وهذه الرسالة التي تبناها الراحل سلمان زيمان لم تكن حكرًا على أحد فطالما شهدت له حضوره مع مبادرات الشباب الفنية والانخراط معهم في بعض الفعاليات. هي رسالة كان يحملها بين جنبيه وعمل بلا هوادة لنشرها في كل الاتجاهات ومن دون شك ويعلم الجميع بذلك أنه أداها على أكمل وجه.
وأشارت الفنانة هند محمد ديتو إلى أن الراحل كان محبوبًا ولم يقتصر ذلك على العائلة فقط بل على كل من عرفه وكانت تظن ببراءة الطفولة بأنهم يحبونه لأنه خالها! كما تحبه وكبرت ورأت هذا الحب يكبر مِمَن حولها له وعرفت حينها انه إنسان عظيم ونطاق حب الناس له غير محدود فصوته ارتبط بقصص حبهم وبقضاياهم وأفراحهم وأحزانهم لأنه صوت الإنسان! الإنسان سلمان زيمان. فرسالته الفنية كانت ذات أهداف سامية ومتعددة كانت تارةً لرسم الابتسامة ونشر البهجة وتارةً تتجه نحو قضايا الحب والسلام.
وقالت: «نشأت على حب الموسيقى من كل البلدان والأزمان ودائما ما كنت أبحث عن المختلف. وهذا ما ولد بي حب سلمان زيمان وفرقة أجراس لأنها تختلف عن كل ما سمعته فكنت أشعر بالشغف الذي وراء كل أغنية! وكل أغنية كانت لها رؤية فنية وكلماتها تحمل مشاعر تصل لقلب المستمع فكنت أصغي لهم بقلبي وليس أذني فقط وكنت دائما في التجمعات العائلية حين تعلو أصواتهم بالغناء اضم صوتي لصوتهم لكي ادهش خالي سلمان بأنني قد حفظت هذه الأغاني عن ظهر قلب».
وكان حين يُسأل عن سبب غياب فرقة أجراس عن الساحة كان يجيب بأن أجراس موجودة وباقية، واليوم أقول ان سلمان زيمان موجود وباق حتى بعد رحيله بما قدم من فن.
وحين تمكن المرض منه والتعب بدا واضحًا عليه دون أن نعرف أسبابه، كان يخفيه عنا بإتقان وتحلى بالأمل وتسلح بالصبر ليرى البسمة والحب على وجوهنا ولكي يسمع صوتنا بحب دون قلق، فكتمانه مرضه وتمسكه بالأمل يعلمنا درسًا مدى الحياة بأن مهما اشتدت الظروف دائمًا هناك بصيص أمل ولا يمكن أن يموت. ولا أنسى كلامه بعد وفاة جدي رحمه الله, قبل ثلاثة أشهر, عندما سألته عن صحته قال لي: «بصير زين بنتي عشان احضنج وعشان يمعتنا ولمة الحبايب».
أضافت: رافقني صوته خلال طريقي في السنة الأولى لي في الجامعة, كنت في كل يوم أستمع إلى جميع أعمال فرقة أجراس فاندهشت وتولعت بأغنية «صوتج» التي من ألحانه وغنائه فكنت أعيدها مرارًا وتكرارًا إلى حد أن ارتبطت هذه الأغنية بي لدى والدتي فكانت حين تستمع إليها لوحدها تتصل بي لأنها تعرف مدى حبي وتعلقي بهذه الأغنية فتدربت عليها بهدف التمكن منها لكن كنت خجولة من أدائها أمامه أما الآن أصبحت أشعر بكل كلمة في هذه الأغنية (صوتج والعطش أخوان.. صوتج والمطر جيران.. صوتج يحضن الدنيا) اليوم صوته يحتضن الدنيا ونتعطش إليه وبها أيضًا (صدى صوتج أثر ذكرى وفيا يعاند النسيان) في اليوم الذي وافاه فيه الأجل عشت لحظات من الصدمة ومرارة الألم لكن لم استطع النوم دون أن اسمع صوته كنت أريد أن أستشعر قربه يغني بجانبي وبسعادة كعادته وسأعاند النسيان بتذكره.
وتابعت: في آخر حفل لي في ديسمبر الماضي كان حضوره مميزًا ولا زلت اتذكر صوته وصيحاته من بين الجمهور وهو يشجعني وفي اليوم التالي للحفل اجتمعنا فقال أن هذا اليوم مخصص للاحتفاء بنجاحي فكانت سعادتي لا توصف بأنني استطعت أن امرر صوتي النابع من قلبي لرقة قلبه وحنانه فقد أخبرني بأنه كان يعيد المقتطفات التي التقطها من الحفل طوال الليل ويبكي.
وأخيرًا ختمت هند في حب سلمان: كان دائمًا ما يقول لي أنتِ ابنة أجراس لذا سأحمل في قلبي وعلى عاتقي مسؤولية ذلك مدى العمر.