✿ قصة من عالم البرزخ ✿♡ رحلة البقاء 2 ♡
الجزء 19




ظهر خازن النار وسط هذه الغبرة وهو يشير نحوي، ويقول:
— أتأكل لحم أخيك في الدنيا وتطلب الفناء الآن، أتسمع الغيبة على المؤمنين ولا ترد عليها(1).
ناديته بما لدي من طاقة وقوة ضعيفة:
— متى كان ذلك؟ إني تركتُ الغيبة وفررتُ منها كفراري منكم الآن.
لم اسمع جوابا، وبقيتُ على هذه الحالة،
وفي كل مرة يُعاد لي جلد جديد، وتعود العقارب والحيات ثم الكلاب، وكأن كل واحد منها قد عرف دوره، فيؤديه بأحسن ما يكون!
وبعد هذه المدة الطويلة جاءني الجواب من خازن النار، وقد أعطى الأمر للجميع بالانصراف:
— في يوم كذا أغتيب في حضرتك فلان فلم تنصره، ولم تنطق بكلمة واحدة تدافع بها عنه مع قدرتك على ذلك(2)، وفي يوم كذا مر فلان أمامك فغيرتَ ملامح وجهك، وأشرتَ إليه بيدك اشارة فهم الحاضرون منها استحقارك له(3).
— لم يكن لي سبيل الإنكار ما ذكره، ولكني اعترضتُ عليه من جهة أخرى، وهي طول مدة الجزاء بمقابل خطأ كهذا، فقلتُ له:
— ثلاث سنين من العذاب لأجل هذا الذنب الصغير؟
غضب الملك، وقال:
— أما علمتَ في الدنيا أن الغيبة أشد من الزنا(4)؟
نکستُ رأسي، وأجبته:
— نعم قد علمتُ ذلك، ولكن هل جزاءه ثلاث سنين من العذاب، وبهذا الشكل منه؟ أمن العدل ذلك؟ أم هل هناك تناسب بين العمل والجزاء الذي تعذبون به عباد الله؟
رفع الملك كل أنواع العذاب عني، وأزال الامي فتمكنتُ من الجلوس والتحدث معه، حينها قال لي:
— إن عذابك عندي قد انتهى.
كنتُ أنتظر كلاما أخر منه تعليقا وجوابا على ما اعترضتُ عليه، ولكنه لم ينطق بشيء، فبادرته هذه المرة بالشكوى منه:
— إني أشكوك إلى الله الواحد القهار الذي لا يظلم عباده مثقال ذرة، ولا يجازي أحدا بأكثر من ذنبه.
توجه نحوي، وقال:
— أي أمر تعني؟
— إني لم أعص الله إلا لحظات، ولم أجلس في مجالس الغيبة إلا ساعات، فلماذا هذا العذاب ثلاث سنين؟ لماذا لا يكون ساعات أيضا؟
اطرق الملك قليلا، ثم أجاب:
— أما رأيتَ في الدنيا إنساناً قذف بنفسه من جبل، فتكسرت أعضائه، وأصبح عاجزا عن المشي والحركة طوال حياته في دنياه ؟ لماذا لم تقل إن الخطأ كان لحظات فقط، فلماذا حُرم من الحركة عمرا بكامله؟ وهل أن أحدا عاقبه بهذا الجزاء في العجز عن الحركة، أم أنه كان جزاء وأثر طبيعي لعمله هذا؟
لم أجبه بأي كلام لأني رأيتُ كلامه لا شائبة فيه، لذا استأنف حديثه، وقال:
— ان كل ما لاقيته من عذاب في جهنم وستلاقيه، إنما هو أثر أعمالك السيئة، وأنت صنعته لنفسك، وليس لك الحق في الاعتراض عليه، مثلما ليس لك حق الاعتراض عندما تُدخل قضيبا في عينك، ثم تعترض لماذا العمی في العين كان سنين، مع أن الإدخال كان في لحظة واحدة.
لم يبق لي أي مجال في محاججته، لذا سلك فكري طريقا آخر، وذهب خيالي إلى مسألة الشفاعة والتوسل بها، ولكن الملك بادرني سريعا بقوله:
— حتى الشفاعة التي تتأملها من أهل المقامات العالية، أنما هي اثر لارتباطك بهم، وسلوكك طريقهم، كما إنها لا تتحقق لك إلا إذا كنتَ قد هيأتَ شروطها في عالم الدنيا، ورفعتَ موانعها.
لم تمض فترة طويلة حتى أتاني مجموعة من زبانية جهنم، فأصابني خوف عظيم منهم، وارتعش كل بدني حين رأيتهم. امسكوا بي وسحبوني بقسوة، فقلتُ لهم: إلى أين هذه المرة؟ فقال أحدهم:
— ان في جهنم واديا تعوذ منه النار كل يوم أربعمائة مرة، أعد للمرائين من القراء، ويسمى وادي جب الحزن(5).
— ولكني لم أكن من قراء المنابر على الناس.
قال ملك آخر:
— کنتَ تقرأ على زملائك النصائح والمواعظ حتى يقال عنك أنك إنسان تحب الخير لهم، ولا تبغي إلا رضوان الله فيهم، وكنت تنصح رياء بما لم تفعله، وتوصي بما لم تسعَ لأدائه قبل الوصية به. كنتَ تظن أن عملك هذا لله، ولكن لو تمعنتَ فيه قليلا لوجدته للناس قبل أن يكون لله.
في تلك الأثناء مر بنا مجموعة كبيرة من الملائكة ومنهم الاف مؤلفة من الناس المسودة وجوههم، المحترقة أبدانهم، يصرخون ويستغيثون، وقد شُدت في أعناقهم سلاسل غليظة من نار. التفتَ لي احد الملائكة، وقال:
— أشكر الله أن لم تكن معهم. هؤلاء المتكبرون على الناس وعلى الله، والمكذبون لرسوله، وهم المخلدون في النار، وإنما يُساقون الآن إلى وادي سقر، وهل تعلم ما سقر(6)؟
كيف لي بالعلم به، وأنا لم أدخله، وعلمي به في الدنيا لا يغني من حقيقته شيئا، لذا أجبته:
— كلا، لا أعلم.
قال:
— إنه وادي يفوق جميع وديان جهنم في حرارته، إذ إنه برغم كونه دار عذاب للمتكبرين، شكا ذات مرة إلى الله شدة الحرارة فيه، فأذن الله له أن يتنفس قليلا، فتنفس وإذا به يُحرق جهنم ونيرانها(7)!
قلتُ سبحان الله! أي نار هذه التي تحرق نيران غيرها! سألتُ الملك عن كيفية عذابهم فيه، فقال:
سيجعلونهم في توابيت مغلقة من حديد تلتهب النار فيها، وفي كل تابوت منها مسامير من حديد نار محمرة تُغرز في بدن من يُعذب داخلها مع سبعين ألف نوع آخر من العذاب، ثم تُجعل تلك التوابيت في توابيت أخرى مقفلة، ثم يُقذفون في أسفل الجحيم، ليبقوا فيها أبد الأبدین.



ما نوع العذاب الذي سيعذبه لسعيد وكم مدته وهل سينجو منه ام هناك عذاب اخر.. هذا ما سنرويه لكم غدا..؟
فانتظرونا غدا مع الجزء 20 ان شاءالله تعالى