لاشك ان قانون الاحوال الشخصيه هو من اخطر القوانين فى البلد كونه ينظم حياة الاسره وهى النواة الاساسيه التى يبنى عليها المجتمع فأصلاحها يعنى اصلاحا للمجتمع وخرابها يعنى خرابا له، ولعل السلطات المتعاقبه على العراق حاولت ان تسيطر على حياة المواطن العراقى من خلاله وذلك بوضع نصوص او اجراء تعديلات تقيد من تصرفات الفرد وخاصة الشباب منهم او زيادة الالتزامات التى يفرضها عليه، وان بقاء سلاح التعديل وبالشكل الذى ذكرناه بيد اصحاب الغايات يعنى بقاء السلطه تتحكم فى تصرفات الافراد مما يعنى ان القانون لم يحقق الغايه المرجوه منه ، ولاشك ان القانون رقم 188 لسنة 1959 قد شرع بعد ان كانت المحاكم فى العراق تنقسم الى المحاكم الجعفريه والمحاكم السنيه وقد رأت السلطه فى حينها ضرورة توحيد الاحكام التى يخضع لها العراقيون فى قانون واحد فصدر هذا القانون واستمرت مسيرة هذا القانون لغاية هذه اللحظه .ولابد من التنويه الى ان هناك الكثير من التعديلات التى طرات عليه منذ ذلك التأريخ وهى التعديلات التى تشكل الان محور الخلاف كونها كما يرى البعض ( وهم غالبية الاحزاب الاسلاميه) انها منافيه للشريعه وليس لها اساس فيها فى حين يرى البعض الاخر ( وهم الغالبيه العظمى من النساء والاحزاب العلمانيه) ان هذه التعديلات جاءت نتيجة جهاد وكفاح المرأه لسنوات طويله وقد حصلت على هذه الحقوق نتيجة ضغوط دفعت فيها النساء الغالى والنفيس ولذلك لايمكن ضياعها بهذه السهوله .
ولعل من المفيد ان نقول ان هذا القانون يحقق ما نسبته 90% من الحقوق للمراه وقد جاء ذلك بفضل تلك التعديلات التى جرت فى ظل حكم النظام السابق والتى كانت ترمى الى السيطره على شباب العراق من خلال اثقال كاهلهم بالالتزامات اضافه الى الالتزامات المعروفه والتى تتمثل فى الخدمه العسكريه الغير محددة المده واجبارهم على الانخراط فى ميليشيات الدوله ، وقد تمثلت تلك التعديلات فى كما يلى :-
1- التعويض عن الطلاق التعسفى / وهو من الحقوق التى فرضت للزوجه التى يطلقها زوجها طلاقا غيابيا خارج المحكمه دون ارادتها فيحكم لها بمبلغ يعادل نفقتها لمدة سنتين دفعة واحده ، وهذا القانون ( كما يرى الاسلاميون) انه يتعارض مع الشريعه الاسلاميه التى اعطت الحق للزوج ان يطلق الزوجه كونه صاحب العصمه وبالتالى لايمكن ان نعاقب الزوج لاستخدامه حقا شرعيا ، علما ان هذا القانون قد جاء بناءا على مقترح من رئيسة اتحاد النساء فى ظل النظام السابق ( منال يونس) التى رأت ان هناك ضررا يقع للزوجه اذا ما طلقها زوجها طلاقا تعسفيا كما ترى وبالتالى لايمكن ان نتركها دون شىء يجبر ذلك الضرر.
2- معادلة المهر الموجل للزوجه مقوما بالذهب / وهم من القوانين التى صدرت نتيجة وجود مهورقليله للكثير من الزوجات وبالتالى فأن فيجب ( فى حالة طلاق الزوج لزوجته طلاقا خارج المحكمه) ان يتم معادلة هذا المهر بالذهب اعتمادا على تأريخ الزواج والطلاق ، وان حجج البعض ان العقد شريعة المتعاقدين وبالتالى لايمكن اعطاء الزوجه اكثر مما تم الاتفاق عليه اما الاخرون فأنهم يرون ان هذا المهر لايصمد امام الظروف الاقتصاديه الصعبه وبالتالى يجب رفعه .
3- قانون الوصيه الواجبه / ويقصد بهذا القانون ( فى حالة وفاة الولد قبل والديه فأن يعتبر بحكم الحى حين وفاة الوالدين وتنتقل التركه الى اولاده ) وهذا القانون محل خلاف بين الطرفين اذا ان البعض يرى ان الشريعه الاسلاميه لاتعطى اولاد المتوفى قبل وفاة والديه اى نصيب فى حين ان هذا القانون يعطيهم حصة والدهم ومؤيدوا هذا القانون يرون ان العداله تقتضى اعطاءهم هذا الحق !!
4- الزواج خارج المحكمه / يرى البعض ان وضع عقوبه للزوج الذى يعقد زواجه خارج المحكمه سيؤدى الى عدم تسجيل العقد فى المحكمه ، فى حين يرى البعض ان وضع هذه العقوبه سيؤدى الى اجبار الازواج على اجراء العقد وتسجيله فى المحكمه المختصه .
5- تعدد الزوجات / يرى االبعض ان الشريعه الاسلاميه قد اباحت التعدد بشكل ايسر من القانون الذى اشترط موافقة الزوجه الاولى فى حين ان الشريعه الاسلاميه تشترط التعدد بالعداله فى الانفاق .
6- وهناك مسائل خلافيه حول الكثير من القضايا منها ما يتعلق بسن الزواج والحضانه وقضايا التفريق واسبابه والاثاث الزوجيه وغيرها وهى من الامور التى تشكل محور الخلاف بين الداعين الى الغاء هذا القانون والداعين الى ابقاءه .
ولعل الخلاف الاكبر والذى سبب الزوبعه فى هذا الوقت هو ماجاء فى الدستور العراقى الحالى وبالتحديد نص الماده 41 منه والتى نصت على ان ( العراقيون احرار بالتزام احوالهم الشخصيه حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختيارهم وينظم ذلك بقانون ) وهذا النص يعنى فى حالة تطبيقه العوده الى القانون رقم 137 والذى صدر فى فترة مجلس الحكم والذى دعا الى العوده الى احكام الشريعه الاسلاميه فيما يتعلق بقانون الاحوال الشخصيه ، وحيث ان الدستور العراقى الحالى قد نص على امكانية تعديله لذا فأن الحملات الان تدعو الى الغاء نص الماده 41 من الدستور او على اقل تقدير تعديلها بالشكل الذى يحقق مصالح الاطراف المختلفه .
وختاما علينا ان نقول ان القاء نظره واقعيه على هذا القانون نرى ان مسألة تعديله هى مسأله ضروريه وهذا التعديل يجب ان ينطلق من مصلحة الاسره العراقيه والفرد العراقى وبالشكل الذى لايتعارض مع ثوابت المجتمع العراقى وكذلك وحدة الوطن و تماسك نسيج المجتمع العراقى لان الغايه المرجوه من القوانين هى تحقيق المصالح العليا للبلد بعيدا عن تحكم اطراف معينه سواء كانت هذه الاطراف جهات دينيه او سياسيه لان القانون يجب ان يبقى بعيدا ومترفعا عن تلك الصراعت وهذا مصداق لمبدأ الفصل بين السلطات .
ان للمراة حقوق كثيرة في الشرع والقانون وهي حقوق كثيرة فعندما تنشاء خلافات بين الرجل والمراءة المتزوجين ويصبح الموضوع محال الى الطلاق فتتمتع المراءة بحقوق كثيرة منها الاثاث الزوجية فيكون من حقها وكذلك الذهب والمؤخر وتستحق النفقة هذا اما في حالة النشوز فيختلف الامر فعندما تكون المراة عدم الاطاعة للزوج فتصبح في هذه الحالة ناشزا فيسقط حقوقها من النفقة والذهب والمؤخر الا الاثاث فتبقى من حقها وهذه الامور ايظا تختلف من حيث التفاهم بين الزوجين وتنازل بعضهما البعظ للاخر فنلاحظ في المحاكم القاضي لا يبت في امور الطلاق الا بعد مضي اشهر لعل الله يجعل الصلح بين الزوجين
حقوق المرأة العراقية بين مفارقة الشريعة والتطبيق
لعل المفارقة بصدد حقوق المرأة العراقية لا تكمن في تطبيق الشريعة الاسلامية كما يجسدها قانون الاحوال الشخصية، ولكنها تكمن في الواقع في النظرة الذكورية التي تقرأ الشريعة الاسلامية قراءة ضيقة متعصبة منغلقة فردية وتسعى الى ترسيخها بوصفها هي النظرة الصحيحة، وهو ما ينطبق على قراءة قانون الاحوال الشخصية النافذ والجهود من اجل الغائه.
اذن لا ينبغي اهمال قضية حقوق المرأة عموما وقانون الاحوال الشخصية خصوصا، بل لا بد من بدء النظر الى حقوق المرأة واحوالها الشخصية بصورة جدية، بمعنى لا يجوز تناولها باستخفاف او على نحو يهدف الى استرضاء الاخرين من هذا المذهب او تلك الطائفة ونبرر قلة اهتمامنا بقضايا المرأة بسبب افتقارنا للديمقراطية.
ولعل الاكتفاء بالنقد والحوار والنقاش والرفض او الوقوف موقف الحياد او المشاهدة لن يحقق للمرأة العراقية ما تريد من حقوق قانونية واجتماعية وفكرية وثقافية وانسانية، ومن تعديلات لقانون الاحوال الشخصية يضمن حقوق المرأة وليس بالغاء القانون. اذ لابد من الاعتبار الى رأي المرأة لدى الغاء او اصدار او تعديل اي قانون يمس المرأة في عراقنا المعاصر، وتغيير النظام الابوي او النزعة الذكورية الذي يلحق الضرر على وفق نهجه الاستبدادي في نظرته للمرأة الذي يحاول البعض اقحامه على الشريعة الاسلامية بحجة فهمها.
ولترسيخ ما تصبو اليه المرأة العراقية من حقوق لابد من تغيير اشكال الوعي بربط التشريعات والنصوص القانونية للمرأة بالتحول الاجتماعي والحقوقي والقانوني والثقافي والسياسي والاقتصادي للمجتمع ربطأ جدليا قابلا للتطبيق في الواقع.
وهنا لابد من الاقرار من جانب على ان الثقافة والتعليم الديني يعدان اساسين في تشكيل والفرد والعقل في مجتمعنا ومن هنا يبدو تاثير التيار الديني المتشدد واضحا في عصرنا فهيمن على التفكير والتعليم والثقافة والسلوك ويحاول ان يطال المرأة العراقية ايضا عبر اطلاق مسائل الحجاب بمعنى (احتجاب المرأة) دون النظر لما للاسلام من مواقف ومبادئ تنتصر للعقل وللحقوق وللاختيار وترفض التسلط والاتباع والانقياد.
فهكذا خطاب زيف وعي المرأة العراقية وغيب ما انجزته عبر تأريخها العراقي والغى دورها ومشاركتها في مسيرة مجتمعها العراقي.
ويبدو من جدلية الدين والمجتمع الدور في تشكيل الوعي للمرأة العراقية على وجه الخصوص وللانسان العراقي على وجه العموم. في مقابل توثيق العلم المعاصر لكون المرأة مساوية للرجل عقلا، ومع ذلك يرفض التيار المحافظ المتشدد تغيير فكرهم بما يتفق وهذه الحقيقة فسعى لتكبيل المرأة العراقية بقيود واغلال اضافية هذا من جانب؛ ومن جانب اخر فان الرجوع الى الدليل الشرعي والفقه الاسلامي الذي يؤسس عليه قانون الاحوال الشخصية يستند الى بعدين: ديني وثقافي تغلغلت من خلاله بعض الافتراضات الاجتماعية والسياسية السائدة وفق النظرة الاستبدادية الابوية كافضل ما يقال عنها اليوم وهذا النمط لم يقر المرأة فحسب بل الحق الضرر ايضا بكل ما اعتمد من الفقه الابوي على المرأة بوصفها غير قادرة على التحكم في مصيرها وتفنيدها تفنيدا فقهيا صحيحا وعلى الرغم من كون النظام الابوي قد ابعد المرأة عن ميدان الفقه الاسلامي الحقيقي لكي لا تدرك مديات التشويه الذي احدثه الفقه الابوي ضمن اطار التقاليد والمعتقدات المتوارثة ليس على المرأة حسب ولكن على المجتمع ايضا مما الغى صوت المرأة في هذا المجال، وغدا قانون الاحوال الشخصية قانونا شرعيا في ظاهره ولكنه يتسق مع النظام الابوي الذي ينطبق على مجتمعنا العراقي وثقافته وتقاليده ونظرته الى المرأة دون الاعتماد على بعض المبادئ الاساسية كمبدأ تجنب الحاق الضرر ( لا ضرر ولا ضرار) ومبدأ الصالح العام ومبدأ العلة والظرفية التي تعكس وجهة النظر الرجالية البحتة ووجهة نظر السلطة السياسية حتى مع تعارض التكيف القانوني مع النص القرآني والدليل الشرعي مما يدل بشكل لا لبس فيه على مبدأ التحيز عبر اقرار تفسيرات الفكر الابوي على الفقه الاسلامي وهذا الاتجاه المؤسف موجود بتصاعد ويظهر بأجلى صوره في قانون الاحوال الشخصية الذي يقتضي تعديله لا الغاؤه فيجب الا يتصرف الرجل بمنطق الوصاية على المرأة والا تتصرف المرأة بمنطق الحاجة الى وصاية الرجل.
التشريعات النافذة حقوق للمرأة العراقية..
لعل دستور العراق النافذ اقر حقوق المرأة وحرياتها وفق المنظور الاجتماعي والسياسي وفق حقوق المواطنةوفق ما يتضح من المراجعة لمواده وفقراته وبنوده وربما بما فيها الحماية القانونية للمرأة. من جانب؛ ومن جانب اخر فكل ما يصدر من تشريعات وقرارات تتعلق بالمرأة فهي تصدر وفقا لاحكام الدستور وتستمد قوتها وشرعيتها منه.
وعليه فان الاقرار بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل بقاعدة دستورية يعني بالضرورة حظر كل تصرف مخالف لهذه القاعدة.
وقد تعززت هذه القاعدة بأنضمام العراق الى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان كالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعلن في 25/1/1971 والساري المفعول في 23/1/1976 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المعلن في 25/1/1971 والساري المفعول في 23/3/1976 والتي شكلت اطر المشروع الاجتماعي للاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية وتفعيل دورها في الحياة الاجتماعية والمدنية والثقافية والسياسية والقانونية وتعزيز صكوك حقوق الانسان للمرأة خصوصا.
وبموجب ما تقدم وتأسيسا عليه صدرت تشريعات وقرارات عدة تعزز الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية وتعد تتويجا للحقوق الممنوحة للمرأة العراقية كقانون التعديل الثاني لقانون الاحوال الشخصية رقم (21) لسنة 1978 وقانون حق الزوجة المطلقة في السكن رقم (77) لسنة 1983 المعدل في القانون رقم (2) لسنة 1994 والقرار المرقم (127) في 1999 والقاضي باستيفاء المرأة لمهرها المؤجل في حالة الطلاق مقوما بالذهب وقانون رعاية القاصرين رقم (87) لسنة 1980.
وجدير بالذكر فان الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية كانت تتضمت ما يخص الحق التشريعي والقانوني اذ بلغت على سبيل المثال نسبة النساء في مواقع اتخاذ القرار في العراق 15.1% وتشغل المرأة في القضاء ونيابة الادعاء العام 7% وكتاب عدول 30% ومنفذي عدول 30% .وقياسا لما تقدم فان كل خرق لحقوق الانسان للمرأة العراقية يعد منافيا لمبدأ عدم التمييز ضدها على وفق ما جاء في الاتفاقية التي اعتمدت من الجمعية العامة بقرارها 34/ 180 في كانون الاول/ ديسمبر 1979 والنافذ في ايلول/ سبتمبر 1981 والذي اعلن العراق انضمامه الى هذه الاتفاقية في 13/8/1986 وبدأ بتطبيقها في 12/9/1986 لكونه ينال من انسانيتها وشخصيتها وكرامتها واخلاقياتها وحياتها.