الباحثُ اللساني الأمريكي تشارلز فيلمور Charles J. Fillmore أستاذ اللسانيات بجامعة كاليفورنياا ببركلي [1929-2014] كان له حضور قوي في مركز البحث في علم النفس السلوكي، بأبحاثه التركيبية والدلالية المعجمية، وهو مؤسس اللسانيات الذّهنيّة ومطوِّرُ نظريّة نَحو الحالات (Case Grammar, 1968) وعلم دلالة الأطر (Frame Semantics, 1976) وكان يُلحُّ في أبحاثه على الأهمّيّة الكُبرى لعلم الدّلالَة وقيمَتِه في حَرَكَة الظّواهر التّركيبيّة والصَّرفيّة، وقَد اشتغَل بمعيّةِ كلٍّ من بول كاي وجورج لايكوف في إطارنظرية نَحو البناء (Construction Grammar). وأنشأ سنَة 2005 مشروعَ نظرية الأطر الشبكية FrameNet وهو وصفٌ لمعجَم اللغة الإنجليزية،يَنظرُ إلى كلمات اللغة الإنجليزية ويَصفُها من خلال الأطر التي تستدعي هذه الكلمات، وتُجمَع البياناتُ انطاقاً من المدونة الإنجليزية الوطنية British National Corpus، وهذه البياناتُ مَشروحةٌ ومُبيَّنةٌ على شكل عَلاقات دلالية وتركيبية، ومُخزَّنَة في قاعدَة بياناتٍ مُنظَّمَة بطريقَة المَداخل المُعجميّة وطريقَة الأطر، في آن واحدٍ.
ثم ماذا عَن نَحْو الحالاتِ الإعرابية Case Grammar ونَقْل بعض مَفاهيمه إلى دراسَة اللغة العربيّة مثل تحليل البنية الدلالية للجملة وتقسيم أجزائها إلى مُنفِّذ ومُستَفيد وآلة ومصدر وهدف وغيرها من الحالات الدلالية؟
نظرية نحو الحالات الإعرابية التي تَرَكَها فيلمور سنة 1968م وما بَعدها، تُعدّ من الأنحاء الوظيفية، ولكن أهم النظريات التي عالَجَت الحالات الإعرابية إلى جانب نظرية نحو الحالات، يُمكن أن نذكُرَ نظرية النحو الوظيفي التي بَنَت دراستَها على أساس مفهوم الوظيفَة، ويدخل في اللسانيات الوظيفية المبادئ التالية : أولاً: اللغة بنية تركيبية صرفية دلالية أنتجتها وظيفة محددة هي وظيفة التواصُل، ثانيًا: تأتي البنية التركيبية الصرفية نتيجةَ تفاعُل ثَلاثَة أنواع من الخصائص الدلالية والخصائص التداولية والخصائص التركيبية الإعرابية. ثالثًا: العلاقات بين مُؤلِّفاتِ الجملة أنماط ثلاثة: علاقات دلالية هي المنفذ والمتقبل والمستقبل والأداة والزمان والمكان، وعلاقات تركيبية هي علاقة الفاعل وعلاقة المفعول، وعلاقات تداولية: هي علاقة المبتدأ والمحور والذَّيْل والبُؤرة...
وهذه العلاقات هي بمَعْنى آخَر وَظائفُ، طوَّرَها الباحث اللساني الهولنديّ سيمون ديك سنة 1987م وما بعدَها، ونَقَلَ كثيرًا من فَوائدها التطبيقية إلى العربية الباحثُ اللساني أحمد المتوكل في سلسلة طويلة من كتبه في اللسانيات الوظيفية والتداولية.
ولذلك فالحالات الإعرابية التي بحث فيها فيلمور كانَت موضعَ نظرٍ وتطويرٍ من قِبَل نظريات كثيرة بَعدية... ويُمكن أن نتحدثَ عن المحاولَة اللغوية العربية الرائدَة التي أتى بها الدكتور تمام حسان رحمه الله، في كتابه "اللغة العربية مَعناها ومبناها"، مستثمرًا الدراساتِ اللغويةَ الحَديثَةَ السياقيةَ والاجتماعيةَ والبنيويةَ، ومُستفيدًا أيضًا من النحو العربي والبلاغة والبيان والصرف والمعجم، ومنتهيًا إلى فكرة نَسَقية تركيبية كلية سماها تضافُر القَرائن، ومبرهنًا على أن القرائنَ التي هي الإعرابُ والرتبة والمقام وظائفُ لغوية، تعمَل على بيان المَعْنى.