وسط تصاعد التوتر بيناليونان وتركيا، قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية إن بلاده قد توقف عمليات التنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط لبعض الوقت، انتظاراً لمحادثات مع اليونان.
وأضاف كالين في مقابلة مع قناة (سي إن إن ترك) التلفزيونية إن الرئيس رجب طيب إردوغان طلب تعليق العمليات كنهجٍ بناء تجاه المفاوضات.
وكانت اليونان قد وضعت قبل أيام قواتها البحرية في حالة تأهب بعد إعلان تركيا عن إرسالها سفينة لإجراء عمليات مسح زلزالي قرب جزيرة يونانية قبالة سواحل تركيا الجنوبية. وتحدثت تقارير عن أن سفناً حربية من كلا البلدين تستعد لتسيير دوريات في المنطقة. وقال الإتحاد الأوروبي إن الإخطار التركي "غير مفيد ويبعث برسالة خاطئة"، بينما قالت تركيا إن سفينة التنقيب تعمل داخل جرفها القاري.
كيف توترت العلاقات؟
رغم أن الأنباء كانت تشير إلى أن سفينة المسح أوروج ماتزال مرابطة في ميناء أنطاليا التركي يوم الأربعاء الماضي، إلا أن الإخطار التركي عبر القناة المعروفة باسم نافتكس (التلكس الملاحي) تسبب في إعلان الجيش اليوناني حالة التأهب، وأثار إدانات من جانب أثينا التي اعتبرته غير قانوني.
ويشمل الإخطار منطقة تقع بين قبرص وجزيرة كريت. وأفادت تقارير يونانية غير مؤكدة بأن سفناً حربية تركية ويونانية كانت في طريقها إلى منطقة قرب جزيرة كاستيلوريزو الواقعة على مسافة قريبة من الأراضي التركية.

وكانت العلاقات بين اليونان وتركيا تمر بحالة فتور قبل الأزمة الراهنة. فقد اختلف البلدان بشأن قضية عبور المهاجرين الحدود إلى داخل اليونان، وفي وقت سابق من هذا الشهر انزعجت أثينا بشدة من قرار أنقرة تحويل متحف أيا صوفيا في اسطنبول - الذي كان كاتدرائية مسيحية أرثوذكسية لقرون - إلى مسجد.

وقالت اليونان إن تحرك البحرية التركية يمثل انتهاكاً لحقوقها السيادية. وتحدث رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس إلى المستشارة الألمانية أنغلا ميركل، وأعلن عزمه مناقشة مسألة التصعيد هذه مع الزعماء السياسيين اليونانيين.
لماذا اشتعل الموقف؟
يتنافس البلدان عضوا الناتو تركيا واليونان على مصادر الطاقة في البحر المتوسط.
خلال السنوات الأخيرة، تم اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز قبالة سواحل قبرص، مما دعا الحكومة القبرصية واليونان وإسرائيل ومصر إلى التعاون من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من تلك المصادر.
وفي إطار الاتفاق، سيتم تحويل إمدادات الطاقة إلى أوروبا عبر خط أنابيب بطول 2000 كيلومتر في البحر المتوسط.
من ناحيتها، كثفت تركيا العام الماضي عمليات التنقيب غربي قبرص (وهي تنقسم لشطرين منذ عام 1974، ولا يحظى شطرها الشمالي الخاضع لسيطرة تركيا سوى باعتراف أنقرة). وقد أحيت تركيا هذا الأسبوع الذكرى الـ46 لسيطرتها على شمال قبرص، ولطالما أكدت أنقرة على ضرورة تقاسم الموارد الطبيعية للجزيرة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وقعت أنقرة اتفاقاً مع ليبيا تقول تركيا إنه يؤسس لمنطقة اقتصادية خالصة تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا حتى شمال شرق ليبيا. وتقول مصر إن الاتفاق غير قانوني، فيما اعتبرته اليونان منافياً للمنطق إذ لم يأخذ في الاعتبار وقوع جزيرة كريت اليونانية في المنطقة.
وفي نهاية مايو/أيار، قالت تركيا إنها تعتزم البدء في التنقيب خلال الأشهر التالية في مناطق عدة أخرى إلى الغرب، مما أثار انزعاج اليونان وقبرص عضوتي الاتحاد الأوروبي.
وكان قد تم منح عدة تراخيص لشركة تيركيش بيتروليوم التركية للنفط للتنقيب في شرق المتوسط، بما في ذلك قبالة سواحل جزيرتي رودوس وكريت اليونانيتين.
وقال فؤاد أقطاي نائب الرئيس التركي "على الجميع أن يتقبل أن تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية لا يمكن إقصاؤهما عن معادلة الطاقة في المنطقة".
ماهي المسائل القانونية؟
تقع العديد من الجزر اليونانية في بحر إيجة وشرق المتوسط على مرمى البصر من الساحل التركي، وبالتالي فإن قضايا المياه الإقليمية معقدة، كما أن البلدين كانا على شفا حرب في الماضي.
وإذا ما تم السماح لليونان بمد حدود مياهها الإقليمية من 6 أميال إلى 12 ميلاً وهو الحد الأقصى المسموح به دوليا، فإن تركيا ستقول إن خطوط ملاحتها البحرية ستضرر بشدة.
وبخلاف المياه الإقليمية، توجد المناطق الاقتصادية الخالصة، كتلك المتفق عليها بين تركيا وليبيا، وكذلك الاتفاقات الموقعة بين قبرص ولبنان ومصر وإسرائيل. ويمكن لهذه المناطق أن تمتد لمسافة 200 ميل بحري.
إذن ما هو وضع جزيرة كاستيلوريزو الواقعة على بعد كيلومترين من الساحل التركي؟
تقول اليونان إن الإخطار التركي بتنفيذ عمليات مسح يشمل مساحة كبيرة من الجرف القاري لكاستيلوريزو، بينما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الشهر الماضي إن "الجزر البعيدة عن البر والقريبة من تركيا ليس لها جرف قاري". وقال نائب الرئيس التركي الشهر الماضي إن أنقرة ستمزق الخرائط التي "رُسمت لسجننا داخل البر"، مشدداً على أن أنقرة تتصرف بموجب قانون الأمم المتحدة للبحار.
ما ردود الفعل؟
دعم الحلفاء الأوروبيون موقف اليونان. وحث وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أنقرة خلال زيارة لأثينا على التوقف عن "الاستفزازات في شرق المتوسط". كما عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار المنطقة يوم الخميس عن دعمه الكامل لقبرص واليونان.
وأدان ماكرون "انتهاك تركيا لسيادة الدولتين"، وقال إنه لابد من "معاقبة" كل من يهدد الفضاء البحري لأحد أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وكانت العلاقات الفرنسية التركية قد شهدت توتراً خلال الأشهر الأخيرة، خاصة بشأن الملف الليبي.

كما قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء إن الخطوة التركية الجديدة "غير مجدية وتبعث برسالة خاطئة". وأضافت أن الاتحاد الأوروبي أكد مراراً على ضرورة التعامل مع حدود المناطق الاقتصادية الخالصة والجرف القاري عبر المفاوضات والنوايا الجيدة.