كثيرٌ من المتكلِّمينَ يزعُمونَ أنّ هاءَ التأنيث ينبغي أن تُلْحَقَ بكلّ صفةٍ لموصوفةٍ مؤنّثةٍ ، سواء أكانَ ذلك على قياس أم على غيرِ قياس، وأنّك إن لَم تفعَلْ فذلك موقفٌ سلبيٌّ تَقفُه من المرأة، والمثالُ على ذلك كلمةُ "عضو" وهو اسمٌ جامدٌ قد يُؤوَّلُ بمُشتقٍّ فَيوصَفُ به؛ ولكنّ الخطأ أنّ النّاسَ تُلحقُ بهذا الاسم الذي يدلُّ على المذكّر والمؤنّث، هاءَ تأنيثٍ في آخِرِه، ظناً منهم أنّهم نَقَلوا الاسمَ إلى الدّلالَة على صفةِ مؤنَّثٍ أو الإخبارِ عن مؤنَّثٍ، وذلِكَ نحو قولِهم: فلانة عُضوةٌ بجمعيّة كذا، وهذا خطأ صريح، لا يشفعُ له أن يَكون المرءُ نصيرَ قضيةِ المرأة أو خصماً لها، ولا يَدفَعُ عنه أن يكونَ عضواً في جمعيّات الدفاعِ عن حقوق المرأة أو محرّراً في هيئة تحريرِ مدوّنَة المرأة. فالصّوابُ أن نقولَ: فلانةُ عُضوٌ في البرلمان وعضوٌ كاملُ العضويّة في هيئة كذا... وذلك أنّ كلمةَ عضو اسمٌ مذكّرٌ في الأصل يُوصَفُ به المذكّر والمؤنّث على السّواء، وقد أخرِجَ عن أصله في الدّلالَة؛ لأنّ أصل اللفظ أن يُدلَّ به على اليد أو الرجلِ أو أيّ عضو من أعضاء الجسم، فاستُعيرَ لما ليسَ من جسم الإنسان وإن كان يُشبهه في التّماسُك، فلا نقولُ -قياساً على الأصل- اليدُ [وهي مؤنثَة] اليدُ عضوةٌ من أعضاء الجسم والرِّجلُ عضوةٌ والعينُ عضوةُ... فكَما قُلْنا العَينُ عضوٌ في الجسم، نَقولُ فُلانة عُضوٌ في منظَّمة حُقوق الإنسان...
والذي عرَضْتُه في مُشارَكَتي أعلاه، به نَطَقَت المَعاجمُ العربيّةُ وعليه وردَت الشّواهدُ، من ذلك قولُ اللغويّينَ: العُضْوُ والعِضْوُ الواحدُ من أَعضاءِ الشاةِ وغيرها وقيل هو كلُّ عَظْمٍ وافِرٍ بلَحْمه وجمْعُهما أَعضاءٌ وعَضَّى الذَّبيحة قطَّعها أَعْضاءً .
هل تَلحقُ الهاءُ آخرَ كلمة العُضو ؟ لا تلحَقُ إلاّ بدلاً من محذوفٍ : العِضَة وهي القِطْعَة والفِرْقة وفي التنزيل: [جَعَلُوا القُرآنَ عِضِينَ] واحدَتها عِضَةٌ، ونُقصانها الواوُ أَو الهاء، والعِضَةُ من الأسماء الناقِصة وأَصلُها عِضْوَة فنُقِصَت الواوُ كما قالوا عِزَة وزِنَة وعِظَة وثُبَة، وأَصْلُها عِزْوَةُ وثُبَة وأَصلُها ثُبْوَة من ثَبَّيتُ الشيء إِذا جمَعْتَه. وفي حديث ابن عباس في تفسير [جَعَلوا القرآنَ عِضِينَ] أَي جَزَّؤُوه أَجْزاءً أي أَي جَعَلُوه عِضَةً عِضَةً فتفَرَّقوا فيه، أَي آمَنوا ببَعْضِه وكفَروا ببَعضه وكلُّ قِطعة عِضَةٌ.
واقولُ بعدَ ذلكَ لمَن أنكَرَ تخطيئَنا إلحاقَ هاء التأنيث وقالَ "عُضوَة" بَدلاً من "عُضو" للمذكّر والمؤنّث على السّواءِ واتَّهَمَنا بتحجيرِ واسعٍ: لِمَ لَمْ يَقْبلوا عُضوَة وعِضوَة، وجَعَلوها أصلاً صرفياً مرفوضَ الإظهار ولا يُستحضَرُ إلاّ عندَ التّقديرِ ليعلَمَ أهلُ اللغة والنحو والصرف أنّ الهاء لا تُثبَتُ إلاّ إذا حُذِفَت الواو، وإظهارُ الواوِ لا يصحُّ إلاّ بحذف الهاء. هذا هو القياسُ الصّرفيّ، فإذا قُلنا بعكسِ ذلكَ وجوَّزْنا عضوَة فقدْ جوّزْنا النّطقَ بمُستثقَلٍ، والعربُ تميلُ إلى التخفيف، هذا هو التّحجيرُ بعيْنِه يا أستاذ، وهو استثقالُ الجمعِ بين المحذوف والعوض.
أمّا إذا اعترضَ مُعنرضٌ فقَال: لقَد وَرَدَ في كلام العرب الجمع بين المعتلّ الآخر بالواو وبين هاء التأنيث، فقالوا: إسْوة وشلو وشلْوَة وعُدوَة، فالجوابُ عنه أنّ الأسوةَ والعدوة والشلوةَ، وما قد يُحتمَلُ من إسقاطِ الهاء منه، إنّما سُمعَ سَماعاً ولم يُختَرَعْ اختراعاً كما اختُرِعَت اليومَ كلمةُ عُضوة من غيرِ ما حاجةٍ، والرأيُ ينبغي أن يستندَ إلى السّماعِ ثمّ إلى القياسِ إن لم يُعارض السّماعَ. فالذي أجازَ شلوَة وعُدوة وأُسوة وإسْوَة، لم ينطِقْ بعُضوة ولا عِضوة للاستغناءِ عنها بعُضو، فلمَ الإلحاح على تجويز ما لَم يردْ في كلام العَرَب، مع العلم أنّ الفرقَ بينَ عُضو للمذكّر والمؤنّث، وعُضو للمذكّر دونَ المؤنّث -مع إضافَة هاء التأنيث المَزْعومَة- لا داعيَ إليه لأمن اللّبسِ من جهَة، وللاستغناءِ عنه من جهةٍ ثانيةٍ أي لأنّ العربَ استغْنَت بعضو عن عضوة.