من سُنَن العَرَب في كَلامها اشْتقاقُ الأفعالِ من الأسْماءِ الجامدَةِ؛ ويَغلبُ أنْ تَكونَ هذه الأسماءُ دالةً على الصَّيْرورَة والتَّحوُّلِ والانتساب، ويَغلبُ أنْ تَكونَ الأسماءُ الجامدةُ دالةً على أسماء القَبائلِ أو القُرى والحَواضرِ، فَمن ذلكَ قولُهُم: تَقَيَّس وتَنَزَّر وتتَمَّم، وهذه الصيغُ لا تَخْلو أيضاً من الدّلالَةِ عَلى المُطاوَعَةِ، فإنَّما تَجري هذه الأفعالُ عَلى نحو كَسَّرته فتَكسَّرَ، كأنَّ القائلَ قالَ: تُمِّم فتَتَمَّمَ وقُيِّسَ فتَقَيَّس ونَزَّرهم فتَنَزَّروا ومعنى قُيِّس: أي نُسِب إلى قَيْس بنِ عَيْلاَن بنِ مُضَر، وتُمِّمَ: نُسب إلى تَميم بنِ مُرٍّ، ونُزِّر: نُسب إلى نِزار، وتَقَيَّس: انْتَسَب إلى قَيْس، وتَتَمَّم: انتسب إلى تَميم، وتنَزَّر: انتسب إلى نزار، وتَمَضَّرَ نُسبَ إلى مُضَرَ؛ قالَ ذو الرُّمَّة:
إذا ما تَمَضَّرْنا فما الناسُ غَيْرُنا *** ونُضْعِف إضعافاً ولا نتَمَضَّر.
وقَدْ يُقاسُ عَلى مَنهج العَرب في الاشتقاق من أسماء الحَواضر والقُرى والقَبائلِ، فتُبْنى أفعالٌ دالّة على الانتسابِ أو الصَّيْرورَة تتوسّعُ بها اللغةُ وتتنامى مُفْرَداتُها، على ألاّ تَخْرُجَ هذه الأفعالُ المَقيسَةُ، عَن النَّماذجِ الاشتقاقيّةِ المَسْموعَة.