« وأذِّنْ في النّاسِ بالحَجِّ يأتوكَ رِجالاً وعَلى كلّ ضامرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ» سورة الحج / الآيَة 27 وجزء من الآية 28:
الفائدةُ الأولى: الجَمْعُ بينَ فعلِ الأمرِ "أذِّنْ" وبينَ جَوابِه المَجزوم "يأتوكَ"، ربط بينَهُما رَبطاً مُباشراً بلا وَسائطَ لفظيّةٍ ، وجَعَلَ الاستجابةَ رَهينةً بالأذان، أذانٌ واحدٌ يعقبُه إتيانُ بعدَ إتْيانٍ واستجابةٌ بَعد استجابةٍ أبدَ الدَّهر، ومن كلِّ مكانٍ في هذا الكَوْن.
الفائدةُ الثانيةُ: أذَّن فعل لازمٌ يتعدّى بالباء وبفي وليس باللام ، تَقول: أُذِّنَ في الناسِ بصلاة الظّهر وليس لصلاةِ الظّهر. وقَد تُعدّى باللام بتأويل .
الفائدةُ الثالثةُ: أخطأ مَن ظنّ أنّ المقصودَ بالرّجالِ الذّكورَ وكأنّ الإناثَ مُستثْنَياتٌ من الحجّ. وإنَّما الرّجالُ: الراجلونَ المُشاةُ على الأقْدام عكس الرُّكْبان.
الفائدةُ الرابعةُ: لِمَ قال: على كلّ ضامر ولَم يَقل رُكْباناً ؟ لَو قالَ رُكباناً لكان المقصودُ حالَة الرُّكوبِ مهما يَكنِ المرْكوبُ، ولكنّه خصّصَ نوعَ المركوب وبيَّنه بأنّه الضّامِرُ قَلِيلُ لَحْمِ الْبَطْنِ. والضّمورُ من مَحاسنِ الرَّوَاحِلِ لِأَنَّهُ يُعِينُهَا عَلَى السَّيْرِ الطّويلِ وعلى الأسفارِ الجَليلَةِ كسَفَر الحجِّ. و"كلّ" يُفيدُ الكثرةَ واستغراقَ الجنسِ .
الفائدةُ الخامسَة: في الآيَتيْن كلماتٌ تُفيدُ العُمومَ والشمولَ والكُلّيّةَ، منها "النّاسُ"، والمرادُ مُطلَق الناسِ، ومنها "كلّ" ، وقَد استغْرَقَ لفظُ "كُلّ" كلَّ فجّ عَميقٍ وكلّ مَكان سَحيق. ومنها تَنكيرُ كلمة "مَنافع" لتشملَ المنافعَ الدينيةَ والدنيويةَ وهي طَلَبُ المغفرة والتجارة في أيّام الحَجّ؛ فتَنكيرُها لأن المَقصودَ نوعٌ من المنافع خُصَّ بهذه العبادة دونَ غيرها من العبادات.