عشية عيد الفطر المبارك وفي إحدى أمسيات شهر أبريل عام (1990)، اعتقل تنظيم الإخوان بالسودان (60) ضابطا من العاملين والمتقاعدين من القوات المسلحة، ووجه لهم تهمة التآمر للقيام بانقلاب عسكري للإطاحة بنظام الإخوان البائد.
وفي محاكمة لم تستمر ساعة واحدة، صدر الحكم بإعدام (28) منهم رميا بالرصاص، ونفذ الحكم سريعا ودفنت الجثث.
أصيب ذوو الشهداء بحالة من الرعب والجنون، ووجدوا أنفسهم أمام قضية إﻧﺴﺎنية اﻟﻨﺰﻋﺔ ﺣﺘﻰ آﺧﺮ ﻗﻄﺮة ﻓﻲ ﻋﺮوقها. فها هي ابنة العقيد محمد عثمان حامد كرار حاكم الإقليم الشرقي قبل انقلاب الإخوان تحكي في أسى وحرقة تتجه أجواؤها إلى ما وراء الجلد والعظم، وبألم كامن ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻮن.
وبعد سنين عدة، أخيرا تمكنت أسر (28) ضابطا سودانيا، وبعد تسعة وعشرين عاما، من معرفة مكان دفنهم الذي تكتمت عليه السلطات الأمنية، لتبدأ معها فك شفرة لغز لم يستطع أحد الاقتراب من صندوقه الأسود.
وتنشط النيابة السودانية هذه الأيام في تحقيقات مكثفة مع رموز نظام الإخوان البائد حول إعدام 28 ضابطاً في شهر مضان بتهمة تدبير محاولة انقلابية عام 1990، في جريمة شغلت الرأي العام المحلي لـ30 عاماً.
ويرى خبراء أن الإجراءات العدلية التي تمضي حالياً ستقود عدداً من رموز تنظيم الإخوان الإرهابي إلى المشانق بعد أن أصبح تورطهم واضحاً في تصفية ضباط شرفاء بالجيش السوداني أثناء سعيهم لوقف إنقلاب الحركة الإسلامية السياسية وإعادة السلطة للحكومة الشرعية.
وقاد ضباط بالجيش السوداني تحركاً تحت مسمى حركة الخلاص الوطني في أبريل 1990 أي بعد عام واحد من استيلاء الإخوان بقيادة المعزول عمر البشير على السلطة في 30 يونيو/حزيران 1989 مقوضاً الحكومة الديمقراطية المنتخبة برئاسة الصادق المهدي.