ما بالُ عَينِكَ قَد أَزرى بِها السَهَدُ
كَأَنَّما جالَ في أَجفانِها الرَمَدُ
أَمِن فِراقِ حَبيبٍ كُنتَ تَألَفُهُ
قَد حالَ مِن دونِهِ الأَعداءُ وَالبُعُدُ
أَم ذاكَ مِن شَغبِ قَومٍ لا جَداءَ بِهِم
إِذ الحُروبُ تَلَظَّت نارُها تَقِدُ
ما يَنتَهونَ عَنِ الغَيِّ الَّذي رَكِبوا
وَما لَهُم مِن لُؤَيٍّ وَيحَهُم عَضُدُ
وَقَد نَشَدناهُمُ بِاللَهِ قاطِبَةً
فَما تَرُدُّهُمُ الأَرحامُ وَالنُشُدُ
حَتّى إِذا ما أَبَوا إِلاّ مُحارَبَةً
وَاِستَحصَدَت بَينَنا الأَضغانُ وَالحُقُدُ
سِرنا إِلَيهِم بِجَيشٍ في جَوانِبِهِ
قَوانِسُ البيضِ وَالمَحبوكَةُ السُرَدُ
وَالجُردُ تَرفُلُ بِالأَبطالِ شازِبَةً
كَأَنَّها حَدأٌ في سَيرِها تُؤَدُ
جَيشٌ يَقودُهُم صَخرٌ وَيَرأَسُهُم
كَأَنَّهُ لَيثُ غابٍ هاصِرٌ حَرِدُ
فَأَبرَزَ الحَينُ قَوماً مِن مَنازِلِهِم
فَكانَ مِنّا وَمِنهُم مُلتَقىً أُحُدُ
فَغودِرَت مِنهُم قَتلى مُجَندَلَةً
كَالمَعزِ أَصرَدَهُ بِالصَردَحِ البَرَدُ
قَتلى كِرامٌ بَنو النَجّارِ وَسطَهُمُ
وَمُصعَبٌ مِن قَنانا حَولَهُ قَصَدُ
وَحَمزَةُ القَرمُ مَصروعٌ تَطيفُ بِهِ
ثَكلى وَقَد حُزَّ مِنهُ الأَنفُ وَالكَبِدُ
كَأَنَّهُ حينَ يَكبو في جَديلَتِهِ
تَحتَ العَجاجِ وَفيهِ ثَعلَبٌ جَسَدُ
حَوارُ نابٍ وَقَد وَلّى صِحابَتُهُ
كَما تَوَلّى النَعامُ الهارِبُ الشَرِدُ
مُجَلِّحينَ وَلا يُلوونَ قَد مُلِئوا
رُعباً فَنَجَّتهُمُ العَوصاءُ وَالكَوَدُ
تَبكي عَليهِم نِساءٌ لا بُعولَ لَها
مِن كُلِّ سالِبَةٍ أَثوابُها قِدَدُ
وَقَد تَرَكناهُمُ لِلطَيرِ مَلحَمَةً
وَلِلضِباعِ إِلى أَجسادِهِم تَفِدُ