قصة اصحاب الحديقة
أحس الرجل الصالح أن نعم الله عليه كثيرة وعظيمة، ها هى الشمس في الأفق البعيدة ترسل أشعتها الدافئة إلى الأشجار فتمدها بالقوة والنشاط، والسحب الداكنة المشحونة بالمياه العذبة ترسل قطرات المطر بآمر من الله عز وجل لتسقى أرض الحديقة فتمتلئ الأفرع والأغصان بلون الحياة المبهج الجميل .
لا يسع الشيخ الصالح من فرط ایمانه الا السجود الله عزوجل شكرا وتعظيما على هذه النعم الكثيرة، الوفيرة.. والطيور الملونة تقف فوق الأغصان تنظر إليه وتشدو مسرورة، وأبناء الشيخ الثلاثة يجمعون الثمار بينما الشيخ يقوم بوضع احسنها واضجها في المكتل الكبير يقول : ” هذه خاصة بضيوف الله ولسانه لا يزال يتحرك بالحمد والثناء لله الرازق الوهاب .
ابواب الحديقة مفتوحة علي مصراعيها والفقراء يهلون ويدخلون البستان ووجوههم تبتسم في سعادة، الشيخ الصالح يستقبلهم بحفاوة يجلسهم في ظل الاشجار ينتظرون والاطيار تشنف آذانهم بأناشيدة المبهجة، تسبح بقدرة الخالق جل شأنه .
الناس الفقراء ينظرون الي الشيخ الصالح والي ثماره الناضحة التي يسيل لها اللعاب ويدعون الله من قلوبهم ان يزيده من الخير ويبارك له في بستانه، اشار الشيخ الي الفقراء والمساكين بعد أن فرغ الابناء من جمع الثمار وقال لهم في حنو : هل هو ذا نصيبكم من الثمار، قالوا له : انت رجل صالح كريم، قال لهم : انا لم افعل لكم شيئاً هذا حقكم علينا، قالوا له : زادك الله من فضله وبارك لك في بستانك .
تبادل الأبناء نظرات الغيظ والغضب سألهم الاب ؟ لماذا تتضايقون يا أبنائى، إن الله تعالى يرزقنا وقد فرض علينا حقا لهؤلاء المساكين، لابد أن يصل إليهم حتى يرضى قال أحدهم: – لگنلك يا أبي تعطيهم أفضل الثمار وأجودها. قال الشيخ : – هذا حق الله علينا فلا بد يا ولدي أن يكون أفضل ما في البستان.. لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. :قالی الثانی – أخذوا الكثير ولم يتركوا لنا إلا القليل قال الشيخ الصالح: – لأنهم كثيرون بن أما نحن فقليلون، ورغم ذلك فعندنا كثیر و الحمد لله .
كان الشيخ الصالح على فراش الموت، يجود بأنفاسه الأخيرة، وقد جمع أولاده الثلاثة من حوله، وراح يوصيهم بالفقراء خیرا۔ قال لهم: ترکت لکم ثروة عظیمة، لو حافظتم علیها لاغنتکم طوال حياتكم، وأولادكم من بعدكم . وكانت سببا لكم فى نعيم الدنيا والاخرة يا أولادي، لا تنسوا سادتنا الفقراء والمساكين، فإن لهم في لبستان حقا مفروضاً تبادل الأبناء الثلاثة النظرات، وقالوا: نعم نعم .
مر العام وتهيأ البستان لطرح الثمار، نظر الابناء الي جمال البستان وروعته وقال احدهم : ان الثمار كثيرة جداً هذه المرة، قال الثاني : يا الهي صارت ناضجة ولذيذة، قال الثالث : علينا ان نستعد لدعوة الفقراء كما أوصي والدنا، قالا له بصوت هامس : صه انت مجنون، نحن الذين تعبنا كثيراً حتي نضجت الثمار واستوت من عرق جهدنا وكدنا، هل نمنحها هكذا ببساطة لهؤلاء الكسالي العاطلين، قال اوسطهم : يا اخواتي، ان الفقراء لهم حق، اذكروا نعمة الله علينا هو صاحب الفضل والمنة، قالا له : اصمت انت لا تزال غضاً طرياً لا تعرف شيئاً بعد .
أجمعوا أمرهم علی الذهاب الی الحديقة ليلاً، حتی يراهم الفقراء وهم يجمعون الثمار، قالوا : علينا أن نتسلل فى بطء حتى لا يشعر بنا أحد قبل أن يطلع علينا الصباح نكون قد انتهينا من أعمالنا، فيأتى المساكين فلا يجدوا أحداً. صمت أخاهم الأوسط، فهو من داخله كان يرفض هذه الأفعال الماكرة، لأن فيها كفرا لشكر الله على نعمه.
التف الجميع بالظلام كان القمر مختفيا خلف كتل الظلام الداكنة، والنجوم في السماء لم تكن تلمع كعادتها كل ليلة. مشى الثلاثة على أطراف أصابعهم، محاولين ألا يراهم أحد ، ها هو السكون يخيم على الشوارع والبيوت مختلطا بظلمة اللیل وفجأة لم يجدوا الحديقة، اخذوا يبحثون وهم يرددون : اين الحديقة ؟ هل اختفت ؟! مشوا كثيرا، وأحسوا أن المكان ليس هو، لكنهم تأملوا جيداً. فجأة، أصابتهم صدمة قاسية. كانت الحديقة خاوية على عروشها، كأن حريقا شب فيها سقط التلاتة على الأرض يبكون، نادمين قالوا : إنا لضالون، بل نحن محرمون فقال اوسطهم : ألم اقل لكم لولا تسبحون الله وتتذكرون نعمه العظيم عليكم .