الشيخ رضا طالباني (١٨٣١-١٩١٠)
ينتمي الشاعر النابغ الشيخ رضا طالباني الى نخبة الشعراء الكورد الفطاحل الذين تألقوا في سماء الشعر الكوردي، واغنوا تراث وادب امتهم بالكثير من ابداعاتهم الشعرية الخالدة التي ماتزال تتمتع رغم تقادم الزمن عليها، بالكثير من تأثيرها وجاذبيتها، ومع ان الشيخ رضا عرف غالبا في وسطنا الادبي وبين قرائه ومعجبيه الكثيرين، بانه شاعر الهجاء الاول في تاريخ الادب الكوردي (ولاشك في ذلك حتما)، اذ طغت شهرته في هذا المجال على شخصيته الادبية، فأن الواقع يؤكد ايضا، كونه شاعرا مقتدرا بليغا في جميع الاغراض الشعرية الأخرى التي طرقها واجاد فيها بامتياز، من مديح ورثاء وفخر ووصف وعتاب وتصوف وغزل، وعليه فان تقييم الشيخ رضا استناداً الى اشعاره الهجائية بمعزل عن قصائده الاخرى، يعد اجحافاً وتجنيا كبيرين بحقه وبحق منزلته الشعرية الرفيعة بين شعراء الكورد الكبار. ولم تقتصر عطاءات الشيخ رضا على ميدان الشعر الكوردي الذي برز فيه فارسا لامعا من فرسانه النخبة، بل تعدته الى الشعرين التركي والفارسي اللذين اجاد وتغنى فيهما ايضا، تاركاً من بعده قصائد كثيرة بهاتين اللغتين، تشغل بمجملها حيزا مهماً وكبيراً في ديوانه الموجود بين ايدينا. ورغم انه لم تصل الينا الا شذرات قليلة من شعره المنظوم باللغة العربية، الا ان تلك الشذرات رغم قلتها تدل بوضوح على مقدرته الكبيرة في نظم الشعر العربي كذلك.الشاعر الظريف الشيخ رضا طالباني، ظاهرة فريدة في الشعر الكوردي الذي صال وجال فيه باقتدار، لاسيما في ميدان الهجاء الذي لم يضاهه فيه احد، وشغل بواسطته الناس طويلا واصاب من خلاله شهرة عريضة للغاية، ولد الشاعر عام 1831 في قرية (قرخ) في جمجمال التابعة لمدينة كركوك، نال تعليمه الاولي على يدي والده الشيخ عبدالرحمن، ثم انتقل الى كركوك ليواصل مشواره الدراسي عند السيد محمد بلاغ والحاج سعيد حلمي زادة. ومن هناك انتقل الى كويسنجق مواصلا دراسته في جامعها الكبيرباشراف الملا اسعد جلي زاده، وبعد مدة انتقل الى السليمانية لينال قسطا آخر من العلوم في جامع الكبير المشهور بجامع كاك احمدي الشيخ، وظل الشيخ رضا حتى بلوغه الخامسة والعشرين منكبا على دراسته العربية والتركية والفارسية محققاً فيها جميعاً نبوغاً مشهوداً. وشغفه بالتنقل وتوقه الى الانطلاق والتحرر وحب الاطلاع، قاده في عام 1860 الى مدينة اسطنبول مروراً بحلب السورية فمكث هناك عامين، وعندما عاد الى الوطن علم في اربيل بنبأ وفاة والده الجليل، فهزه هذا النبأ من الصميم، بعد مكوثه عدة اشهر في كركوك انتقل الى كويسنجق، عاد بعد ستة اشهر الى كركوك وبقي فيها حتى عام 1866، ثم قرر السفر الى اسطنبول من جديد وجاب في طريقه ارضروم، وبعد استقراره في اسطنبول شغل الشيخ رضا نفسه كثيراً بعالم الشعر والادب وتوطدت علاقته مع المفكرين والاباء والشعراء الترك، وارتبط بصلات وثيقة مع الشخصيات المعروفة هناك، وذاع صيته كشاعر نابغ مرموق حظي باهتمام ورعاية الباب العالي و(كمال باشا) كبير وزراء الدولة العثمانية، الذي هيأ له فرصة الحج عن طريق مصر. وأقام حتى عام 1874 في اسطنبول، حيث عاد الى كركوك وشغل نفسه ببعض الاعمال الزراعية في ضواحيها، وفي عام 1898 غادر الشيخ رضا كركوك نهائيا واستقر في تكية اسرته الطالبانية ببغداد، حيث كانت سنوات عمره الاخيرة في بغداد ثرية في حياته المعطاء، توفرت له فرصة الاتصال بمجالس العلماء والادباء والمفكرين، وتوفي عام 1910 في بغداد ودفن جثمانه في المقبرة الكيلانية هناك.كان الشيخ رضا طالباني شاعراً بليغا، ساخرا، عنيفا وصريحا في قصائده الهجائية التي استخدم فيها ضد من هجاهم افراداً وجماعات، مفرداته الماجنة المكشوفة وتشبيهاته الساخرة المبتكرة واوصافه الكاريكاتيرية اللاذعة التي تجاوز فيها كل مألوف، فاصبح بحق رائداً لمدرسة قائمة بذاتها، اساسها الهجاء الحاد الساخر والوصف الانتقادي اللاذع والتهكم المر.