كآنت تجلس بجواري، فى سكون، ووداعة ، تضفى عليها مزيدا من الجمال والجاذبية، التى تخطف الانظار، فقد كانت غاية فى الأناقة، والرقي، والاحترام ، لم استطيع منع نفسى من متابعة حديثها، الذى ينم عن ادراك ووعى. بينما كنت اتابعها، دخل رجل أربعينى فقبل يدها وسألها هل انتهيت؟ فردت عليه ليس بعد، فهمس لها سأنتظرك حبيبتي بالسيارة، حقيقة كم ابهرني الموقف ولسان حالى يقول، كم انت محظوظة، وكانت هى لماحة بدرجة تكفى لتقرأ نطراتى وما تلمع به عينى من غبطة، وربما ظنت انه حسد، فالمواقف يستحق، فى زمن فقدنا فيه اللمسات الحانية ولمعة العيون، وعذوبة المشاعر، وروعة الاحتواء ،
ضحكت السيدة لى وقالت :- عمرى ٤٠ عاما، لدى ثلاثة اولاد، زوجى يكبرنى بخمس سنوات، ذلك الذى رأيته يقبل يدى، بل يكاد يطوينى بين احضانه ، كأنى أجمل قصائد حب، صيغت بدوان شعر، ذلك الذى علمنى الحب، عرفت كل شئ من خلاله، رأيت العالم من نافذة قلبه، الذى كنت أجد به براح الدنيا بأكملها ، اكتشفت انوثتى بين يديه، لم يكن فقط زوجى بل كان عالمى الذى عشقت كل تفاصيله. ذقنا معا بكارة كل شئ، قطفنا حلو الحياة عناقيدا بكرمة لا تجدب.
ثم ماذا؟ بعد زواج وحب دام ستة عشر عاما، تجاوزنا خلالهم كل مصاعب وعقبات ممكن ان تصادف بشر، ثم اكتشفت انه تزوج لمدة عام ونصف، (ظاهريا دون علمى) ، ولكن الحقيقة اننى قد عطلت كل حواسى وعقلى وكل ظنون قلبى، طيلة ما يزيد عن عام ونصف، رافضة ان استشعر للحظة انه قد يخون.
بررت كل الوان الذل، والعذاب، والقهر، والألم التى اذاقنى اياها طيلة اكثر من عام ونصف،( انا التى يعرف عنى الجميع فرط غيرتى) واتهمنى هو مؤخرا بأنى ( شكاكة) ، بررت قسوته وجحوده، وتغيره عليا ومعى، بكل انواع العلل، مرض، ضغوط، ديون، كل شئ كل شئ، عدا الخيانه،، “فمثله لا يمكن أن يخون” ومثلنا مستحيل ان يكون سوى (استثناء).
وصممت على الانفصال، وانفصلنا، لمدة عامين، لن احكى تفاصيل كل لحظة فيهما، كيفت عشتها دون نفسى، نفسي الحقيقة، طفولتى ، براءتى، أحاسيسي، انوثتى، ذاتى الحقيقة، التى لم تكن تظهر وتحيا سوى معه، فقط معه.
وبرغم ذلك، أصبحت فى منتهى القوة .، اعدت اكتشاف ذاتى، اكتشفت ان لى “ذات أخرى”، قوية، معطاءة، حنونه، محبة- لنفسها – بنفس درجة حبها له، ذات تحبنى، تحب نفسها، بنفس قوة عطاءها وحبها له، ذات جديدة، غير التى كانت تدور فى فلكه، قرابة عشرون عاما، هم نصف عمرها، بل هم عمرها كله.
عشت عامين من الانفصال، دون أن أشك للحظة واحدة انه خان، انه فضل أخرى علي، انه احب ثانية، ولو فى أحلامه، بل كنت على يقين، انه فعل ذلك لسبب ما، هناك شئ قوى ولنقول شئ قهرى دفعه لفعل ذلك،
كنت أشعر انه يتألم لفراقنا، ربما اكثر مما اتألم،
يقينى بالله و به لم يتأثر لحظة، برغم كل ثورتى عليه وحالة النفور والرفض والاشمئزاز التى انتابتنى، وظلت تنتابنى من وقت لأخر طيلة عامين، لكن يقينى ظل ثابت بأنه سيعود، سيعود أروع واحب واقرب مما كان ومما تمنيت، سيعود الحبيب العاشق،
فمثلنا كان وسيظل (استثناء).
(وقد كان)
استيقظت ذات يوم، علي رسالة بهاتفى المحمول، بها أروع قصيدة حب ممكن ان يصيغها عاشق، كانت منه.
ثم توالت الرسائل يوميا ما بين ورود تحمل عبارات العشق، واخرى تذكرنى بما كان وما زال بيننا من عشق لا يمكن أن يمحيه شئ مهما عظم، واخرى لذكرياتنا معا، ورسائل اعتذار، واخرى استجداء، وغيرها توسل واسترضاء، لم ييأس من عدم ردى، بل ظل يحاول ويحاول،.
إلى أن صارحنى، نعم صارحنى بما كنت انتظره (يقينى) الذى لم يتزعزع لحظة بأننا (استثناء). وان (مثله لا يخون) صارحنى بالسبب الذى فرق بيننا، سبب زواجه بأخرى (صارحنى برغم قسوة الاعتراف عليه كرجل، بسبب قد يمحى كبريائه).
لكن حرمانه مني كان أقسى عليه، من كل شئ، ومن كل قهر الرجال ، فقرر ان يسترد روحه الغائبة عنه طيلة عامين، قرر ان يجد نفسه التى فقدها بغيابى عنه، قرر ان يعلن للجميع اننا بحق (استثناء).. وان (مثله لا يخون)
وكان ما رأيته الان، هذا هو الزوج والحبيب الذى قبل يدى وتقبل عينه كل تفاصيلى كلما رآنى غير عابئا بما حولنا، وبمن حولنا.
(وقد يجمع الله الشتيتين بعدما.. يظنان كل الظن ان لا تلاقيا..)