هذا تَعريفٌ للكَلام أورَدَه علي بنُ حمزةَ الحيدَرَة اليَمَنيُّ المتوفَّى سنةَ تسع وتسعينَ وخمسمائةٍ للهجرَة، في كتابه "كَشْف المُشْكِل في النّحْو"، فيه جِدّةٌ، ومُراعاةٌ لواقعِ الكَلامِ وحالِ المتكلِّمِ، يُخالفُ فيه صاحبُه ما جَرى عليْه النّحويّونَ من تَعريفاتٍ جامدةٍ متأثِّرةٍ بالحُدود المنطقيّة،لاحظْ كيفَ راعى المَظهرَ النُّطقيَّ في الكَلامِ وراعى الإفادَةَ [الكلامُ: الَمسموعُ المُفيدُ]، وكيفَ ميّزَه عَمّا يَدخل في التعريف وليسَ من الكَلام في شيء، ولاحظْ الأمثلَةَ الدَّقيقَةَ التي يَضربَها لزيادَة البَيانِ والإيضاح. فهو يُقدّم تَعريفاته وكأنّه يَتكلّم بأصول الأشياء وقَواعدِها الكُبْرى، ويستنبطُ جَوانبَ التَّعريفِ من مَلامِحِ المُعرَّفِ.
قالَ عليّ بنُ سُليمانَ الحَيْدَرَة اليَمَنيُّ [ت.599هـ]، في تَعريف الكَلام:
«أمّا ما الكلامُ، فهو المَسموعُ المُفيدُ، نَحو قولكَ: قامَ زيدٌ ، وقُمْ يا زَيدُ، ولا تَقعُدْ يا عَمرُو، ولَيْتَك تَقومُ، وما اسْمُكَ يا فَتى، وإنّما شَرَطْنا أن يَكونَ مَسموعاً مفيداً احترازاً من مَسموعٍ غيرِ مُفيدٍ، كأصواتِ البَهائمِ وزَجرِ الطّيرِوصَدى الجبالِ، ونحو ذلك، ومن مُفيدٍ غَيرِ مَسموعٍ كالإشاراتِ والوَساوسِ والخَطَراتِ؛ لأنّ ذلك وشبهَه لا يُسمّى كَلاماً. واعلمْ أن كلَّ كَلامٍ كَلِمٌ وكلّ كلِمٍ كَلامٌ، قال الله تعالى: « يُحرِّفونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِه »، وقالَ: « إليْه يَصعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ »...
وسُمّي كَلاماً لالْتئاطِه بالقَلْوبِ؛ فكأنّه يُكْلِمُها بمَعْناه، قال الله تَبارَك وتَعالى: «وكَلَّمَ الله موسى تَكْليماً»، قالَ بعضُ المفسِّرينَ: جَرَحَ قَلبَه بالحِكْمَةِ تَجْريحاً، وغَير هذا التَّفسيرِ أحَبُّ غليْنا ولكنّا احْتَجَجْنا به لأنّ اللغةَ تَسَعُهُ