✿ قصة من عالم البرزخ ✿♡ رحلة البقاء 2 ♡
الجزء 16
ما أن أكملتُ مناجاتي حتى أطرق وجودي کله جواب الملك القدوس:
(إني أكرمتُ أوليائي بأن أعطيتهم مقام الشفاعة لخلقي(1)، فالتمس شفاعتهم، وأنا أشفع الشافعين).
قمتُ من مقامي بسم الله الرحمن الرحيم متوكلا على الحي القيوم، ملتمسا النجاة بحبي واتباعي للنبي واله، فخطوتُ خطوة بعد خطوة نحو الصراط، وأخبرتُ عملي الصالح بأن أعمالي وملكاتي أوصلتني إلى هذا المقام والدرجة، وإني سأمضي أملا بالشفاعة من محمد وآله، ولا أظن أنهم يبخلون بشفاعتهم لي، لأني ما برحت أمشي على هداهم في الدنيا، وأخطو خطاهم، وما خلا قلبي من حبهم.
تقدمتُ لأضع القدم الأولى فوق الصراط، فسمعتُ نداءا من عملي الصالح ينادي باسمي، ويقول:
— سعيد، احذر أعمالك السيئة أن تزلك عن الصراط، فتقع في هاوية العذاب.
التفتُ إليه، وأجبته:
— إن شاء الله.
عزمتُ على المُضي، فسمعته ينادي مرة
أخرى:
— سعيد، لا تخدعك المظاهر، وانظر إلى حقائق الأمور، ولا تغرنك الدنيا بمغرياتها وزينتها.
استغربتُ من كلامه، فعن أي دنيا يتحدث، وقد ولت وأدبرت؟! لا أعلم! على كل حال، وضعتُ القدم الأولى ولساني يردد: (یامحمد ياعلي ياعلي يامحمد، إكفياني فإنكما كافيان، وانصراني فإنكما ناصران).
أصبحت لي جرأة على التقدم والعبور، فوضعتُ القدم الثانية، وأنا أتلو الآية الكريمة: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وضعت القدم الثالثة، وقدمتُ الرابعة أملا في المضي أكثر، إذ رأيتُ نفسي لا تزال بخير، ولم أزل عن الصراط حتى الان، ولكن...!
ولكن فوجئتُ بظهور القبيح الأسود أمامي.
آه إنه خلاصة أعمالي السيئة ظهر مرة أخرى ليوقعني في الهاوية. يا إلهي، إنه يقف في مسيري، ولا مجال للفرار منه، تقدم نحوي، ووقفتُ أنا في مكاني كالخشبة اليابسة، أنظر إلى الصراط فأراه كالشعر في دقته، وكالسيف في حدته، وأنظر لما تحته، فأرى جهنم سوداء مظلمة ملتهبة، تنادي هل من مزيد. وصل بالقرب مني، فسألته:
— ماذا تريد مني في هذا الموقف؟
— أريد أن أوقعك في النار لتحترق فيها.
— لماذا؟
— اسأل نفسك قبل أن تسألني الآن.
— وكيف؟
— أما كنتَ تعلم أن عمل السيئات يدخلك النار، ألم يقل لك ربك: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِـّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). إذن فلا تلومني ولم نفسك، وإنما معاملتي لك هي طبق القانون التكويني الذي وضعه الله لخلقه، وقد أرسل لكم في الأرض من ببلغكم به، ويحذركم منه.
أبرز أنيابه الصفراء مقهقها بصوت عالٍ، فخرجت منه رائحة كريهة نتنة نتفرتُ منه، وقلتُ سبحان الله هذا من صنع نفسي!
أخرج سوطه، وراح يضربني به حتى تحركت قدمي وزلت عن موضعها، وأصبحتُ على وشك الوقوع، فناديتُ بأعلى صوتي يازهراء...
بصعوبة بالغة أرجعتُ قدمي إلى موضعها بعد أن لفحتني جهنم ببعض نيرانها. وقفتُ حائرا بين العودة إلى ما كانتُ عليه، وبين السير والتقدم للأمام. نظرت أمامي، وإذا بامرأة حسناء جميلة واقفة على الصراط! تمعنتُ فيها جيدا فرأيتها قد لبست أنواع من الحلي، ولونت وجهها بألوان متباينة!
أما القبيح فلم يغادرني، بل راح يحثني على النظر إليها، والتمتع بجمالها، وكدتُ أفعل ذلك، لولا تذكري كلام عملي الصالح حين غادرته، إذ قال لي: (لا تخدعك المظاهر، وأنظر إلى حقائق الأمور...)، فيا ترى ما هي حقيقة هذه المرأة، وما هو باطنها وغايتها؟
أتكون كالأفعى ظاهرها ناعم أملس، وباطنها سم قاتل؟ لا أعلم.
رفعتُ رأسي فوقع نظري عليها مرة أخرى، وإذا بها تبتسم وتشير بأناملها نحوي، وتدعوني للإقبال عليها. وبينما كنتُ حائرا في أمرها، وإذا بي أسمع صوت القبيح يعلو، ويقول:
— لا تضيع هذه الفرصة، تقدم نحوها وتمسك بها، وسوف تأخذك بأمان إلى الضفة الأخرى، سوف تسعد معها سعادة عظيمة، فما بالك مترددا في أمرها؟
سألته مستغربا من كلامه:
— كنتَ دائما تتوعدني بالعذاب والنار، فلماذا هذه المرة تدعوني للسعادة والنعيم ؟!
اجاب سريعاً:
– إن أعمالك الصالحة وملكاتك الحسنة لم تترك لي مجالا لذلك، فيئستُ منك، لذا أردتُ ارشادك في نهاية مسيرتك إلى ما يسعدك، لعلك تذكرني بخير فيما بعد.
تقدمتُ نحوها خطوة بعد خطوة وأنا في حيرة عظيمة من أمري، مترددا بين الخوف منها، وبين الأمل بالنجاة بواسطتها، والسعادة معها. دنوتُ أكثر وأكثر حتى أصبحتُ قريبا منها، فرأيتها نثرت شعرها، وأظهرت زينتها، وأشارت لي بالتقرب منها.
دنوتُ ثم دنوتُ، حتى وقفتُ أمامها، فوضعت يديها الناعمتين على وجهي، ومسحت عليه، فأحسستُ بلذة في ذلك وقد خالطه الحذر والخوف منها، وخصوصا بعد أن ارتفع صوت القبيح مقهقها فرحا، فقلتُ في نفسي: عجبا أن يفرح هذا القبيح لسعادتي! لابد لباطن هذا الأمر أمر آخر.
قررتُ تركها وعدم الذهاب معها إن طلبت مني ذلك، لذا قلتُ لها:
– افتحي الطريق أمامي کي أسلكه وحدي، فإني لستُ بحاجة إليكِ.
قالت، وهي ضاحكة ساخرة مني:
— هيهات لك ذلك، كيف أتركك وقد وقعتَ في مخالبي؟!
قلت لها:
— من أنتِ؟
قالت:
— أنا الدنيا.
— وماذا تفعلين هنا؟ لقد انتهى دوركِ بعد أن غررتي بزينك الكاذبة ما لا يحصى من خلق الله(2).
ضحكت مرة أخرى، وقالت:
— وخدعكَ أنت أيضا، أليس كذلك؟
— لا أظن ذلك، وليس لديكِ دليل عليه.
— أعظم دليل على ما اقول هو إقبالك نحوي الآن، وهذا الإقبال إنما هو تجسم لتعلقك بي في عالم الدنيا، ولو كان غير ذلك لما تمكنتُ من خداعك وجذبك وأنت على الصراط.
— وماذا تريدين فعله معي؟
— ان كل من يتعلق بي، ويخلد إلى الأرض، ويعمل لأجلي، ظنا منه أني دار مقر لا ممر، سوف يسقط في الهاوية، وتكون النار مستقرا له في الآخرة، ومقدار العذاب فيها إنما يتبع درجة تعلقه بي.
قالت ذلك، ودفعت بي جانبا، فزلت قدمي عن موضعها، وتحركت الأخرى، وخرجتُ عن الصراط لأسقط في هاوية النار ..
ماذا سيحل بسعيد بعد سقوطه في النار هل سينجو منه.. هذا ما سنرويه لكم غدا..؟
فانتظرونا غدا مع الجزء 17 ان شاءالله تعالى