تشهد الحدود اللبنانية الاسرائيلية استنفارا منذ الأسبوع الماضي إثر الإعلان عن مقتل قيادي بحزب الله في سوريا، فيما أعلن الإعلام الإسرائيلي، مساء الأحد، عن سقوط طائرة مسيّرة اسرائيلية في جنوب لبنان مشيرا إلى أنه لا خوف من تسرب معلوماتها.
هذا الاستنفار على الحدود الجنوبية والشمالية من قبل حزب الله والإسرائيليين، بدأ يطرح علامة استفهام حول ردّة الفعل التي ستكون عليها من قبل الطرفين، وعما اذا كان سيجرؤ الأخير على المغامرة في رد على مقتل القيادي لادخال لبنان في حرب جديدة لن يكون قادرا على تحمل تبعاتها.
يشكك محللون في اندلاع حرب بمفهوم واسع، معتبرين أن أي ردّ سيكون مدروسا ومترافقا مع ضمانات بعدم التصعيد، وهو ما بدا واضحا من خلال كل المواجهات التي توصف بالمحدودة بين الطرفين في المرحلة الاخيرة، وبقيت في حدود الرسائل الأمنية.

دخان يتصاعد بعد قصف إسرائيلي على بلدة حدودية في جنوب لبنان
حديث نائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم، مساء الأحد، لقناة "الميادين" الموالية لحزب الله أكد أن حزب الله لن يدخل نفسه ولبنان في هذه المغامرة، ليلقي الكرة في ملعب أمريكا وإسرائيل.
وقال قاسم: "التهديدات الاسرائيلية لن تستدرجناإلى موقف لا نريده والأجواء لا تشي بحصول حرب في ظل الإرباك الداخلي الإسرائيلي وتراجع دونالد ترامب في الداخل الأمريكي".
والاثنين الماضي، قُتل خمسة مقاتلين مدعومين من إيران في غارة صاروخية إسرائيلية جنوب العاصمة السورية دمشق، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، وأعلن حزب الله أن أحد مقاتليه من بين القتلى.
والأحد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل لن تسمح لإيران بالتموضع على الحدود الشمالية وبزعزعة أمننا وبتهديد مواطنينا ، مهددا بأن سوريا ولبنان يتحملان المسؤولية عن أي اعتداء على إسرائيل ينطلق من أراضيهما".
وكانت اسرائيل، أعلنت الخميس الماضي، تعزيز قواتها على الحدود الشمالية، بعد تهديدات من حزب الله للرد على اغتيالها أحد قادته في سوريا أخيرا بغارة استهدفت الأراضي السورية.
والجمعة، تم الإعلان عن تعزيز إضافي لهذه القوات عند الحدود، وقال الجيش الاسرائيلي إنه "رفع حالة تأهبه ضد أعمال مختلفة محتملة للعدو".
وقال البيان، دون أن يشير إلى حزب الله، إن "جيش الدفاع الاسرائيلي يحمّل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن جميع الاعمال التي تنطلق من لبنان".

تعزيزات إسرائيلية قرب الحدود اللبنانية
يجمع كل مل المحلل السياسي علي الأمين والنائب في القوات اللبنانية العميد المتقاعد، وهبي قاطيشا، على أن رد حزب الله على مقتل القيادي في سوريا سيكون محدودا ولن يصل إلى مرحلة المواجهة الكبرى.
ومع الاستنفار المستمر منذ الأسبوع الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء الأحد، عن سقوط طائرة مسيّرة في جنوب لبنان، مشيرا إلى أنه "لا خوف من تسرب معلوماتها."
ويقول قاطيشا لـ"العين الاخبارية": "الحرب والرسائل بين حزب الله واسرائيل لم تتوقف لكن المعطيات تشير إلى أنها ستبقى في حدود الرسائل نظرا لعلم حزب الله بالخسارة التي ستلحق به في الداخل اللبناني، إلا إذا ارتأت إيران غير ذلك، في بلد بات لا سلطة للدولة عليها وسيادتها في يد فريق واحد هو حزب الله الذي يقرر الحرب والسلم". في المقابل يرى قاطيشا أن عبارة "لو كنت أعلم" التي قالها أمين عام حزب الله بعد حرب يونيو (تموز) 2016 لا تزال ماثلة أمامهم، وبالتالي هو مدرك أن الحرب في حال اتخذ قرار بخضوها، ستنعكس سلبا عليه وعلى بيئته وعلى المجتمع اللبناني بأكمله الذي لن تقف إلى جانبه بل ولن تسامحه". من هنا يرى قاطيشا أن رد من قبل حزب الله سيكون محدودا، للحفاظ على ماء وجهه أمام بيئته، بعد مقتل أحد عناصره في سوريا، وأي قرار بالتصعيد سيكون بمثابة انتحار لن يقوى على تحمله، مرجحا أن حزب الله سيكتفي بما أعلنته إسرائيل عن إسقاط طائرة مسيرة الأحد.

تعزيزات عسكرية إسرائيلية
وجهة النظر نفسها يعبر عنها المحلل السياسي، علي الأمين، رابطا في الوقت عينه بين تداعيات أي قرار بالحرب سلبا على حزب الله شعبيا وسياسيا في الوقت الذي بدأ يعمل منذ سنوات على الامساك بمفاصل الدولة.
ويوضح في حديثه لـ"العين الاخبارية" أنه: "لا شك أنه ومنذ سقط أحد عناصر حزب الله في سوريا نلاحظ أن هناك استنفارا إسرائيليا على الحدود وجهوزية منه للرد على أي رد من حزب الله، إضافة إلى حركة الطيران التي تتزايد في الأجواء اللبنانية بشكل غير اعتيادي." ويضيف: "في المقابل حزب الله يحاول إرسال رسائل متناقضة منها ما نقلته قناة تلفزيونية موالية له أن إسرائيل أبلغت الأمم المتحدة أنها لم تكن تقصد إسقاط قتيل لحزب الله في سوريا، كما قول النائب في حزب الله الوليد سكرية إن الوضع اللبناني لا يسمح بفتج جبهة الحرب، فيما يصر حزب الله ومسؤولوه على القول إنه سيرد ضمن حدود قواعد الاشتباك، إضافة إلى ما قاله بوضوح نعيم قاسم مساء الأحد."
من هنا وأمام هذه الوقائع يعتبر الأمين أن الوضع تطور منذ العام 2019 عندما رد حزب الله على سقوط قتيلين له في سوريا وإسقاط طائرة مسيرة لإسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث بقيت المواجهة مقتصرة على رسائل أمنية متبادلة بين الطرفين بعيدا عن أي تصعيد، وذلك مع تسجيل تطورات إقليمية وضغوطات مستمرة على إيران وأذرعها في سوريا ولبنان.
وفيما أعلنت إسرائيل أن طائرة مسيرة لها أسقطت مساء الأحد في لبنان، يقول الأمين: "يبقى السؤال هل ستستدرج إسرائيل حزب الله إلى حرب؟ إذ أنه إذا لم يرد ستقوم إسرائيل بتنفيذ ضربة أخرى في سوريا وإذا ردّ هل سيضمن عدم حصول حرب؟.
ويضيف الأمين موضحا: "حزب الله لا يرد إلا إذا حصل على ضمانات من تحت الطاولة بعدم الإنجرار إلى حرب، إنطلاقا من أنه يتبع استراتيجية محددة منذ العام 2016 عبر ترسيخ نفوذه في سوريا ولبنان ويعمل منذ العام 2006 على إمساكه بمفاصل الدولة اللبنانية، وبالتالي فإن أي رد كبير من شأنه أن يضرب مشروعه للإمساك بالدولة وسيكون خاسرا سياسيا واجتماعيا مهما كانت نتائجها العسكرية".
ويتحدث الأمين عن ما يشبه العقد غير المكتوب بين حزب الله وبيئته مفاده، وعد من حزب الله بعدم الدخول مجددا في حرب والعمل على تعزيز دور الشيعة في الداخل اللبناني، أي أن أي حرب جديدة ستضرب هذا الامر بعرض الحائط".
مع العلم أنه بالعودة إلى مسار الاحداث التي وقعت منذ العام الماضي والتي توضع جميعها في خانة الرسائل، كان أبرزها سقوط طائرتي استطلاع إسرائيليتين في شهر أغسطس/آب 2019 في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث خرج بعدها أمين عام حزب الله حسن نصرالله متوعدا باستهداف الطائرات المسيرة التي تطلقها إسرائيل في الأجواء اللبنانية وهو ما لم يحصل، فيما اقتصر الرد على تدمير آلية عسكرية إسرائيلية في منطقة أفيفيم قرب حدود لبنان الجنوبية.
الأمر نفسه حصل بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في الأسبوع الأول من العام الحالي، حيث توعد أيضا نصرالله بالانتقام فكان الرد الإيراني في العراق حيث استهدفت طهران بصواريخ بالستية فجر الثامن من يناير/كانون الثاني قاعدة عين الأسد الأمريكية، وأدت إلى إصابة مئات العناصر بإصابات من دون وقوع قتلى، بحسب ما أعلنت حينها وزارة الدفاع الأمريكية.
وفي أبريل/نيسان الماضي استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية سيارة تابعة لحزب الله عند الجانب السوري من الحدود مع لبنان من دون أن تسفر الضربة عن سقوط قتلى.
وبعد يومين على العملية، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تضرر 3 نقاط في الجدار الحدودي مع لبنان أو ما يُعرف بـ"الخط الأزرق"، محملا الحكومة اللبنانية المسؤولية، في خطوة وضعت في خانة الرد على استهداف سيارة حزب الله.
ويقاتل حزب الله في سوريا بشكل علني منذ العام 2013 وكثّفت اسرائيل في الأعوام الأخيرة وتيرة قصفها في سوريا، مستهدفة بشكل أساسي مواقع للجيش السوري وأهدافاً إيرانية وأخرى لحزب الله.
وتُكرّر إسرائيل أنها ستواصل تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وإرسال أسلحة متطورة إلى حزب الله.
وشنّت إسرائيل مئات الغارات على سوريا منذ بدء الحرب الاهلية هناك عام 2011 مستهدفة مواقع للجيش السوري وقوات تابعة لايران ولحزب الله اللبناني.
ولبنان وإسرائيل لا يزالان تقنيا في حالة حرب، فيما كانت آخر حرب عسكرية شاملة بينهما في يوليو عام 2006 اندلعت إثر إقدام الحزب على خطف جنديين إسرائيليين فردت إسرائيل بهجوم مدمر. وانتهت الحرب بصدور القرار 1701 الذي أرسى وقفا للأعمال القتالية بين لبنان وإسرائيل وعزز من انتشار قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان.