هل النَّحْوُ.. بغيٌ!!
السائل (محمد السيد): سمعت أحد المشايخ يقول: ((النحو أوّله شغل وآخره بغيٌ)) ما رأيكم شيخنا في هذا القول؟
الفتوى155: هذه المقولة دعوى قديمة، نقلها أبو العباسِ القلقشنديُّ في كتابه الحافل ((صبحُ الأعشى)) وردّ عليها، فانظر إليها هناك وارجع البصر في ردّه، ومن أحسن ما قاله في ردّه قوله: ((هذا كلام لا معنى له؛ لأنّ أول الفقه شغل، وأول الحساب شغل، وكذلك أوائل العلوم)) ثم قال: ((وأما قوله: وآخره بغي، إن كان المراد به أن صاحب النحو إذا حَذِقَه صار فيه زهو واستحقر مَن يلحن، فهذا موجود في غيره من العلوم.. الخ)) ولقد صدق فيما قال: فكل العلوم أولها شغل، وفي كثير منها من يبغي عند تحصيلها والتصدّر فيها، وللقرَّاء نصيب من ذلك كبير، لاسيما المتقعرون منهم في التجويد ومخارج الحروف والمبالغون في ذلك، وقد يظن الواحد منهم أنه خير من ألف عالم بالحديث إذا كان لا يحسن المحدِّث ما يحسنه من التجويد، ويصدّه غروره عن معرفة الحديث، بل عن التفسير الذي هو معنى ما يحمله في صدره من كلام الله، ولو سئل عن معنى كلمة لأحالك إلى مدرِّس التفسير، لأنه ليس من شأنه ولا علمه.
وفي أهل الحديث من لا يرفع بأهل القرآن وعلومه رأسا، وفي شيوخ العقيدة من هم كذلك، وهكذا سائر العلوم، في كل علم منها طائفة متزمّلة بالزهو، أو الغرور، أو العُجْب، أو الصّلف، أو الكبر، فتخصيص النحاة بذلك لا معنى له، نعم قد يكون لذلك التخصيص معنى صحيح في الزّمان الأول يوم كان الّلحن عورة من العورات، يتضاحك الناس فيه من لحن الّلاحن، ويسقط من يلحن من عين السّامع، ويوم أن كان للعربية مقام وهيبة وجلالة، ومن ثم قالوا يومئذ: ((من أراد أن يجد في نفسه الكبر فليتعلم النحو)) وأما اليوم فلا كِبر ولا خُبْر، بل المتقن للغة أخرى، كالإنجليزية والفرنسية والأسبانية خير مقاما وأكبر في عين نفسه وفي أعين كثير من الناس من أكبر نحويّ، فمن أين يجد النحويّ المسكين في نفسه الكبر ونحوه كاسد، وليس له في الناس من حاسد؟! فاشتغل بالعلم أيها السائل، ولا تلتفت إلى مثل هذه المقولات الصادرة عن جهل أو حسد أو غفلة، وإيّاك والبغي فإنه جَمَلٌ من القطيعةِ، يرعى وادي النِّقم الشنيعة، وانظر إلى قول من قال:
جَمِّـلِ المنطِـقَ بالنَّحـو فمـن *** يُحرَمُ الإعرابَ بالنُّطـقِ اختبَـل
ومن قال:
كلُّ فتى شَبَّ بلا إعراب *** فذاك عندي مَثَل الغرابِ
وإن رأيته لخَودٍ عاشقاً *** فقل لها: دعي الغرابَ الناعقا
والسلام عليك وعلى كلّ من قرأ سؤالك والجواب.