ذكر أحد الباحثين – الشناقطة - أن الشناقطة،دون الفصحى وبقية اللهجات،هم الذين يُصغّرون "الفعل" : يقولون في يأكل،يشرب،يكذب،يقولون : يَوَيْكَلْ، يَشَيْرَبْ،يَكَيْذَبْ.
هل يوجد من يصغر الفعل،غير الشناقطة؟
بدلا من الحصول على جواب على السؤال،حصلنا على سؤال آخر :
نسمع،ونقرأ كثيرا إطلاق وصف"قلبي" للإعلان عن علو "المكانة"،أو تعبيرا عن"الحب" .. ولكن هل يوجد من يقول – غير الشناقطة - بدلا من "يا قلبي"،يا كليتيّ؟
يقول أحد"مغنيهم"أي شعراؤهم :
حاجلك ما جلك منينَ يا كْلايَ
آن قط القيتك يغير انتِ نسايَ
حاجلك ما جلك .. تبدو سجعا .. و"منينة" اسم امرأة .. ومعنى .. قابلتك من قبل ولكن نساية.
ويقول آخر :
إلين لعدت يا كْلايّ والجاك كامل مرايَ
وتعود لك فيه الغايَ ويعود فَنُّ من فنك
نْدور تحانَ عنك ونْدور نتبدل عنك
والله يغينك ورايَ والله يغنين عنك
المعنى،التقريبي .. إذا كنتِ تغيرت،ووقعت في غرام غيري .. فسوف أتغير أنا أيضا .. ثم دعا لهما بالبديل الأفضل!!
نعود إلى التصغير،وهذه أبيات من نصين .. أو نظمين،اعتمدا"التصغير"،وثمة اختلاف في نسبة النصين،وحاصله أن أحدهما لمحمد ولد أبنو ولد احمدين،والآخر للمصباح ولد حبيب الله – رحم الله والديّ ورحمهما – من النص الأول :
أثار غريمي وشجا عقيلي طليل للحبيب بالتليل
نظرت رسيمه فجري دميعي وسال على نحيري كالسييل
فظل صويحبي حيران يجري عبيرته بذياك الطليل
فطال نهيري وغلا نفيسي وطار سهيدي ودجا لييلي
وقفت به فلام عويذلي في وقوفي في عريصته جميلي
ومما شجاني فيه أني ذكرت دهيره زمن الوصيل
زمينا شد حادثه عضيدي وجمع من فريقته شميلي
عشقت غزيلا أحوى اليمي مكيحيل الجفين بلا كحيل
معيشيق النغيمة والمحيا مويميق الوصيلة والدليل
طعيم رويقه كطعيم أشهى دنين من خمير أو عسيل
ومن النص الثاني :
وقفت على التليل فبت ليلي حزينا من طليل بالتليل
طليل من عبيلة لا تلم يا عويذل إن حبست به جميلي
طليلات العقيلات اعتراني غريمها السويلب للعقيل
دميع مقيلتي يجري وحلت سويدائي طليلات الأهيل
ولم تبرح سويكنة قليبي غزيلة صويرمة الحبيل
موينحة عويشقها غديرا هوجيرة موينعة الوصيل
إلى أن يقول :
ظويلمة الضويرب والديه غوديرة الكويذب في القويل
عبيد بطينه وله أهيل بعيد كالثريا من سهيل
نذيل ذي صويحبة فضاعت وقد ضاعت وليدات النذيل
فخيرك يا فويسق لست تدري فخيرا من فريع أم أصيل
فخيرك يا مسيلمة لدينا فخير بالسريقة والجهيل
هميمك في لقيمات فتعطى لقيمات السويل والطفيل
وأنت من الدنيّا والأخيرى رويض بالشريب والأكيل
قاموس قرآني
من الشعر إلا ما أسميه "قاموس"قرآني،يستعمله أحفاد شنقيط الأول .. بما يشبه الأمثال،وإن كانت قضية شيوع تلك"الأمثال"لا تبدو واضحة بالنسبة لي على الأقل.
(وله ما سكن في الليل والنهار)
تُقال،مزاحا،للشخص الذي تراه حيث لا تتوقع ذلك.
(وأخرجت الأرض أثقالها)
تُقال ترحيبا بعزيز.
(إنا تطيرنا) و (الصافات)
تُقال للقفز من أمر إلى أمر آخر بعيد عنه،فـ"إنا تطيرنا" هي الآية "18" من سورة "يس"،و"الصافات" هي الآية الأولى من السورة التي تليها .. كأن القارئ قفز من الآية"18" إلى آخر السورة البالغة عدد آياتها "83".
فلان من(تسعة رهط)
هذه واضحة .. يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
أصل (مضيا ولا يرجعون)
تُقال .. لتمني عدم رؤية الشخص مرة أخرى.
(ما على المحصنات من العذاب)
تُقال .. لشدة العقوبة.
(ومن كان غنيا فليستعفف)
تُقال .. للحث على"العفاف"!!
(قد جعلها ربي حقا)
تُقال لتمني حصول أمر ما.
إلى :"ولا الضالين"
تُقال للتعبير عن بلوغ الأمر غايته أو منتهاه.
دون مجمع للغة ..
غني عن القول أنه لا يوجد "مجمع للغة" لدى الشناقطة .. ومع ذلك فقد لفت نظري .. استعمالهم لعبارة"وَقَّتَة" أي"فعّالة" من الوقت .. يقولونها للساعة .. كما يقولون للنظارة .. بصارة.. ولكن هذه أخت تلك.
عبارات ..
من العبارات التي يستعملها الشناقطة، وقد لفتت نظري،قولهم :
قَرْطَعْ بصيغة فعل الأمر. فنحن هناك نقول "قرطع" أي اشرب .. قليلا
ونحن هنا نقول "قرطوع" .. لمعنى قريب من ذلك.
ومنه قول الشاعر :
"بليز قف مي"من ثناياك قرطوع .. "بيكوز"تشفتى علية داخلية
قلتُ حدثني آية الله "قوقل" .. قال ..
(معنى قرطع في تاج العروس : القِرْطعُ كزبْرج ودرهم أهمله الجوهري وقال ابن دريد : هو قمل الإبل كالقردع زاد في اللسان : وهُن حُمرٌ) انتهى.
الكلمة الثانية،هي"قاف" .. وإن اختلف استعماله هنا .. عن استعماله هناك.
نحن هنا نستعمله بمعنى"الشعر" ومنه قول الشاعر عبد الله بن شويرب :
بديت قافي بذكر الله منجي الرسول سبحانه اللي بسطها عرضها وطولها
أما هناك فنحن نستعمل الـ"قاف"بمعنى آخر .. وهو وحدة تشبه "الدوبيت" .. أو أربعة أشطار،الشطر الأول،والثالث،على روي واحد،وكذلك الثاني والرابع على رويٍ واحد.
مثل قول الشاعر :
شفت اللي ما لي لعد بيه .. طرفُ لرياح تْلاقفُ
ماشي بالشور وذيك فيه .. حاكم بيْديه احراقفُ
المعنى .. رأيت من غاب عني طويلا .. طرف ثوبه – أو ملحفتها،أو ملفحتها – تتقاذفها الرياح .. يسير ببطئ .. وتلك عادته .. يضع يديه على حرقفته .. والحرقفة : أحد عظام الحزام الحوضي .. إلخ.
حكمة .. حديثة
جاء في بعض كتب التراث أن امرأة سئلت أي ولدك – وفي اللغة الولد تشمل الذكر والأنثى – أحب أليك؟
فقالت : مريضهم حتى يشفى،وصغيرهم حتى يكبر،وغائبهم حتى يعود .. ورأيت في بعض مواقع"النت" إضافة .. وجميعهم حتى أموت.
وسئلت أخرى .. فقالت .. فلان .. بل فلان .. ثم ذكرت أنهم مثل "العقد"لا فرق بين جواهره ..
وقالت .. خالتي السيدة السلطانة بنت محمد سيد الأمين – رحم الله والديّ ورحمها - جدة ولدي أشرف .. أن الأولاد كلهم سواء في الصغر .. فإذا كبروا .. صنع كل واحد منهم "مكانته"بنفسه.
لاشك أن الولد البار .. والولد غير البار .. ليست لهما نفس المكانة في نفس الوالدين .. وإن أحبا الاثنين .. ودعيا لغير البار ... أو أشفقا عليه.