قصة الرجوع الى الحق
في قديم الزمان، كان هناك رجل صالح کريم.. وهبه الله بستانا كبيرا مليئا بالثمار الطيبة الشهية، وكان معتادا حين يجمع ثماره أن يجمع كل فقراء بلدته، ويعطيهم منها.. استمر ذلك الرجل على ذلك سنوات طويلة، ورزقه الله بثلاثة أولاد ذكور، وحفظ ماله ونماه، وحين أحس بأن أجله قد اقترب من الانتهاء، جمع أولاده الثلاثة وأوصاهم أن يستمروا في إخراج حق الفقراء من الثمار حين الحصاد، كما كان يفعل.. أخيرا؛ مات ذلك الرجل الصالح، وحزن الجميع على موته ثم مرت الأيام، ونضجت ثمار البستان، كما كانت تنضج في حياته؛ جميلة شهية؛ واجتمع الأبناء الثلاثة ليقرروا ماذا يفعلون.. قال بعضهم لبعض: إن أبانا كان يخرج ثمارا كثيرة من بستاننا، وكان الفقراء يأكلون بعضها، ويبيعون الباقي في السوق بأثمان مرتفعة، ونحن الآن ثلاثة؛ نحتاج لكل ما يخرج من بستاننا لنبني حياتنا، والأفضل ألا نعطي من الفقراء شيئا من هذه الثمار الغالية؛ التي لا يوجد مثيل لها في السوق.
ومع أنهم اتفقوا جميعا على ذلك الرأي إلا أنه كانت هناك مشكلة تجعل التنفيذ صعبا، ففقراء البلدة اعتادوا أن يأتوا كل عام عند الحصاد ليأخذوا نصيبهم، وأبوهم قد أوصاهم قبل موته بأن يحافظوا على عادته، وكان هناك رجال من أقربائهم ومن جيرانهم معهم؛ سمعوا تلك الوصية وأذاعوها بين أهل القرية كلهم، فماذا يفعلون؟
استمر النقاش بين هؤلاء الإخوة وزادت حرارته وحدته، وأخيرا اتفقوا على أن يخفوا ميعاد الحصاد عن جميع أهل القرية، ولو كانوا من أهلهم الذين يعيشون معهم في دار واحدة، واتفقوا . كذلك. على أن يقوموا بالحصاد بأنفسهم؛ دون الاستعانة بعمال من القرية أو من القرى المجاورة، رغم المشقة والتعب الشديد الذي لابد أن يتحملوه في تنفيذ هذا الشرط .. وبعد أيام قليلة، كان الإخوة في البستان، وقرروا أن يكون ميعاد الحصاد في الغد.. كانوا قد أعدوا عدة الحصاد، ووضعوها في خفاء في البستان وفي أماكن أخرى لهم، وناموا مبكرين، واستيقظوا ولايزال في الليل بقية.. ذهبوا في سرية تامة إلى بستانهم ومعهم أدوات الحصاد، ودخلوا فيه، وعلى ضوء القمر والنجوم في السماء الصافية؛ رأوا أن كل الأشجار عارية من الثمار تماما؛ كأنما أتى أحد قبلهم فحصدها.. كانت صدمة شديدة لهم كلهم.. ظلوا مدهوشين فترة لا يدرون ماذا يفعلون.. فجأة ضحك كبيرهم بصوت عال وقال: لا يمكن أن يكون هذا البستان بستاننا أبدا، ولابد أننا أخطأنا ودخلنا بستانا آخر.
استراحوا كلهم لهذا الكلام، وخرجوا من البستان وداروا حوله.. كان الفجر قد طلع وانتشر النور، وبعد أن رأوا كل العلامات، تأكدوا أن البستان هو بستانهم في النهاية دخلوا بستانهم والحزن يلفهم كلهم وعلموا أن الله قد بعث على البستان صاعقة فأحرقت الثمار كلها؛ جزاء نيتهم في حرمان الفقراء من حقهم، وجزاء عزمهم على عدم تنفيذ وصية أبيهم.. أخذ كل واحد منهم يلوم أخاه ويتهمه بأنه هو صاحب تلك الفكرة، وأنه هو الذي دبر ليكون حصاد الثمار سريا فلا يأتي الفقراء كما اعتادوا.. طال الخصام بين الإخوة وعلت أصواتهم، وكادوا يتشاجرون فيما بينهم.. بعد فترة طويلة هد أوا، وعلموا أن الله قد فعل هذا رحمة بهم، من أجل أبيهم الصالح، الذي كان دائما يدعو الله لهم؛ ليعلموا أن الله هو الرزاق، وأن ما يخرجه الإنسان من صدقات، فإن الله يعوضه له في الدنيا، ويأخذ ثوابه مضاعفا يوم القيامة، وتأكدوا من أن الله كان يحفظ البستان من الآفات والأمراض بسبب تلك الصدقات التي كان يخرجها أبوهم.. ندموا ندما شديدا على ما كانوا اتفقوا عليه، وعزموا على أن يبدأوا من جديد، وأن يفعلوا كما كان يفعل أبوهم.