جرس مدرسة الرفاعي الابتدائيةمن المعالم التراثية التي لا تزال باقية من اثاث مدرسة الرفاعي الابتدائية منذ سنوات تأسيسها الأولى الى يومنا هذا هو جرس المدرسة او ما يسمى بـــ ( الشوكة الرنانه ) حسب ما مدون في سجلاتها وفي قوائم الاستلام والتسليم للمدراء المتعاقبين على ادارتها .
وجرس المدرسة هذا عبارة عن كتلة حديدية مصنوع من الفولاذ الصلب عالي النقاوة يشبه سكة القطار مقوس على شكل الحرف الانكليزي ( U ) مثقوب من وسط التقوس ليمرر به سلك معدني لتعليقه متدلياً في احد جوانب المدرسة وعندما يضرب على أحد طرفيه السائبتين أو يخبط في وسطه بشيش من حديد مدور مرفق به فيحدث رنيناً وصوتاً عالياً يكاد يصل الى اسماع نصف سكان مدينة الرفاعي القديمة ( الكرادي سابقاً ) عندما كانت صغيرة في ذلك الزمن .
يدق هذا الجرس دقته الاولى في الساعة الثامنة صباحاً هادراً مدوياً وكأنه صوت اكبر نواقيس حاضرة الفاتيكان عندما يضرب في اعياد الميلاد ورأس السنه ليعلن لضواحي العاصمة الايطالية روما بأن ليلة الميلاد قد حلت , أو كصوت ساعة بك بن الشهيره عندما تدق دقاتها الاكثر عدداً في الثانية عشر ليلاً لتخبر ضواحي العاصمة البريطانية لندن والساهرين في حدائقها ومتنزهاتها بأن ساعة انتصاف الليل قد حانت .
وحال سماع صوت هذا الجرس المدوي يسارع التلاميذ للاصطفاف في ساحة المدرسة على شكل صفوف منتظمة , ثم يتوجه مديرالمدرسة الى فناءها متجولاً في ساحتها حاملاً عصاه أشبه بضابط كبير في ساحة عرضات والتلاميذ في هدوء وسكيبة وكأن الطير على رؤوسهم احتراماً واجلالاً له ثم يقترب منهم ليلقي عليهم تحية الصباح وبعض النصائح والارشادات التربوية الابوية ثم يطلب من المعلم المراقب اكمال منهاج الاصطفاف اليومي كالتفتيش الصباحي ومحاسبة المتغيبين من التلاميذ والمقصرين في واجباتهم ثم قراءة بعض القصائد والاناشيد الوطنية والحماسية وبعد الانتهاء من ذلك ينصرف التلاميذ الى صفوفهم وتخلى الساحة ويبدأ الدرس الاول .
اعتاد معظم الأهالي الذين كانوا يسكنون في الجزء الشمالي من مدينة الرفاعي حيث توجد المدرسة على صوت هذا لجرس ورنينه الصاخب وهو يدق عدة مرات في اليوم الواحد لكل درس او فرصة واصبحوا يألفونه وصوته لايزعجهم لأنه مؤشر على دخول اولادهم التلاميذ الى صفوف الدراسة أوخروجهم منها وهم يتعلمون فيها القراءة والكتابة والحساب وحفظ ايات من القرأن الكريم ويحلم الاباء ويمنون انفسهم بمستقبل زاهر وواعد لابناءهم التلاميذ حتى صار صوت هذا الجرس يبعث في نفوسهم النشوة والفرح واصبحوا يحبونه ويتلقونه برضا وكأنه بوح ناس أو شدو قيثار يشنف اسماعهم , وفي اليوم الذي لايدق فيه هذا الجرس عرفوا ان ذلك اليوم جمعة او عطلة .
وحظوظ هذا الجرس كحظوظ كثير من الناس فتارة نراه شامخاً مزهواً يعتلي أحد أركان المدرسة وكأنه فارس شجاع يمتطي صهوة جواده وذلك عندما تكون الكهرباء مقطوعة أو غير موجودة , وتارة أخرى نراه مهاناً ذليلاً مرمياً على الارض يدوسه التلاميذ الصغار بأقدامهم اثناء لعبهم العشوائي في ساحة المدرسة وذلك عندما تكون الكهرباء موجودة ومتوفرة حيث الاجراس الكهربائية الكبيرة منها والصغيرة مثبتة على جدران المدرسة , ولا حاجة لهم بهذا الجرس الثقيل الهرم , وعندما تعود الكهرباء للانقطاع مرة أخرى يعودون اليه ينادونه ( يا ابن الاطايبِ ) .
ولصوت هذا الجرس وقع كبير على قلوب الكثير من تلاميذ المدرسة القدامى الذين كبروا واصبحوا رجالا او شاخوا عند سماع رنينه وصوته الهادر فيثير في نفوسهم حنين وشجن وشوق طفولي الى مدرستهم القديمة عندما كانوا صغارا مع اقران لهم يتعلمون قي صفوفها ويلعبون ويمرحون قي ساحتها والى معلميهم السابقين الاوائل الذين احبوهم وتعلقوا بهم واصبحوا كالاباء لهم , فتطير ارواحهم محلقة فوق الساحة وفي اروقة المدرسة وداخل الصفوف وفوق الرحلات مستذكرين ايام ولحضات جميلة ماضية تمنوها أن لا تذهب .
( راغب رزيج العقابي _قضاء الرفاعي _ذي قار )