في وقت يشهد فيه الاقتصاد التركي واحدة من أسوأ أزماته على الإطلاق، مدفوعة بتراجع الليرة أمام النقد الأجنبي، يحاول الرئيس رجب طيب أردوغان اتباع سياسة "صناعة الإلهاء" لتحويل الأنظار محليا عن السوق المتراجعة والغلاء الفاحش.
في تصريحات صحفية له، قال كارل بيلدت، الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلجأ إلى مشاهد عامة مثل إعادة فتح آيا صوفيا كمسجد، لصرف الانتباه عن شعبيته المتضائلة وسوء إدارة الاقتصاد.
لكن بيلدت، وهو رئيس الوزراء السويدي السابق، قال في مقال نشرته بروجيكت سينديكيت، الثلاثاء، إنه على الرغم من جهود أردوغان في التغطية على أزماته، فإن تركيا تدخل مرحلة حادة من الاضطراب السياسي والمالي.
وقال بيلدت "في الوقت الحالي، من الواضح أن البلاد تتجه نحو انفجار سياسي ومالي.. هناك اقتصاد متعثر بالديون المتعثرة.. تركيا تعاني من أزمة اقتصادية متصاعدة، بسبب ارتفاع العجز المالي والخارجي، والتي يتم الحفاظ عليها بمبالغ ضخمة من الائتمان من البنوك المملوكة للدولة".
الدين العام والاحتياطات
وفي أحدث بياناته خلال وقت سابق من الأسبوع الجاري، قال البنك المركزي التركي، إن الديون الخارجية المستحقة الدفع خلال عام أو أقل، تبلغ 169.5 مليار دولار في نهاية مايو/ أيار الماضي.
شكلت الديون المستحقة على القطاع العام التركي، نحو 23.2% من الإجمالي، وديون البنك المركزي 11.4% والقطاع الخاص 65.4%.
يتزامن ارتفاع الدين العام مع زيادة حاجة أنقرة إلى السيولة النقدية بالعملة الأجنبية، في وقت تراجعت فيه وفرة الدولار في السوق المحلية، كانت نتيجته تراجع سعر صرف الليرة لمستويات متدنية، وصلت إلى 7.28 ليرة للدولار في مايو الماضي.
ونهاية الأسبوع الماضي، كشفت بيانات البنك المركزي التركي، أن البلاد سجلت تراجعا حادا في احتياطي النقد الأجنبي بنسبة 40% أو 32.8 مليار دولار، مقارنة مع أرقام الاحتياطي المسجلة بنهاية عام 2019.
ووفق البيانات، تراجعت احتياطات النقد الأجنبي التركي إلى 49.6 مليار دولار أمريكي، حتى نهاية تاريخ 10 يوليو/ تموز الجاري، نزولا من 82.4 مليار دولار مسجلة في نهاية ديسمبر/ كانون أول 2019.
انكماش الصناعة
وأصبح الانكماش حليفا للاقتصاد التركي في مايو/أيار الماضي، للشهر الثاني على التوالي، مدفوعا بضربتين تعرض لهما، الأولى مرتبطة بالتبعات الاقتصادية السلبية لتفشي فيروس كورونا، والثانية مرتبطة بهبوط العملة الحاد، وأثره على الإنتاج.
تشير أحدث بيانات هيئة الإحصاء التركية الصادرة، الإثنين الماضي، أن الإنتاج الصناعي التركي في مايو/ أيار الماضي، انكمش بنسبة 19.9% على أساس سنوي، مقارنة مع الفترة المقابلة من العام الماضي 2019.
والانكماش المسجل هو الثاني على التوالي، بعد تسجيل البلاد انكماشا سنويا في أبريل/ نيسان الماضي، بنسبة 31.3% مدفوعا بتعطل عجلة الإنتاج والاقتصادي مع غلق مرافق اقتصادية للوقاية من فيروس كورونا.
ومنذ العام الماضي 2019، بدأت عديد المصانع في تركيا تتقدم بطلبات إفلاس مدفوعة بانهيار العملة المحلية وتسببها في ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد والأيدي العاملة، وسط ظهور منافسة قوية مع سلع أجنبية لنظيرتها التركية.
ونتيجة انكماش الإنتاج الصناعي، فقد تأثر مؤشر الثقة بالاقتصاد التركي ودخل خانة التشاؤم، في وقت تشهد فيه البلاد تصاعدا في التوترات الاقتصادية والمالية، لتضاعف محن السوق المحلية من مستهلكين ومستثمرين محليين وأجانب.
تضخم وغلاء
ولم تلبث أسعار المستهلك في تركيا أن هبطت دون 10% خلال الربع الأخير من العام الماضي، وهي المرة الأولى منذ يوليو/ تموز 2017، لكن سرعان ما عاودت الصعود لتضيف مزيدا من الأعباء على الأتراك المرهقين من غلاء الأسعار وسط عجز حكومي واضح في تقديم أي علاج.
وبينما أشارت أحدث بيانات هيئة الإحصاء التركية بارتفاع نسبة التضخم في يونيو/ حزيران الماضي إلى 12.62%، فإن موقع "تركيا الآن" الناطق بالعربية، ذكر أن تركيا تحتل المرتبة الـ 14 عالميا من حيث أعلى نسب التضخم من بين أزيد من 205 دول.
وتعني النسبة، أن السوق التركية على الرغم من اعتبارها من البلدان ذات الدخل المتوسط، إلا أن غلاء أسعار السلع خاصة الأساسية منها، هو أمر غير طبيعي، ويجعل البلاد بيئة طاردة للاستثمار والإقامة بها، نتيجة ارتفاع تكلفة المعيشة على أراضيها.