شرف و فخر أن أراكِ هنا صديقتي ... الحق أن ليس ثمة رائحة لبساتين .. المنطقة محاطة بالحقول المفتوحة فقط .. حنطة شعير ذرة و خضروات .. و دجلة العظيمة في أبهى تجلياتها
في مثل هذا اليوم من كل عام كانت جدتي تبكي بمرارة .. جدتي التي لم أعرف بشراً بقلبها و روحها و حنااااانها .. بأعوامي التي لم تتجاوز الستة دنوت منها بحذر كي لا أربك حزنها العميق .. و سألتها : لماذا تبكين ؟! نظرت إلي و قالت و هي تكمل نشيجها : يمه ع الحسين .
عام بعد آخر و أنا أرى حزنها عليه يكبر .. نعم كان يكبر ... عرفت الحسين من قلب يعرفه .. و عرفت أن الكثيرين لا يعرفونه .. فقط من له قلب كقلب جدتي ... كبرتُ و ما زلت أتذكر تلك الحرقة حين أبكي عليه ... كانت جدتي تغادر تفاصيل تلك المدينة الصغيرة في مثل هذا اليوم و تلتحق بروحها خلف السبايا و تتساءل و هي تواصل بكاءها : شحال زينب هسه ؟!!! و كأن ابنة فاطمة سبيت الآن .. لم تكن ترى نفسها بينهن .. بل سائرة خلفهن .. ربما احتراماً لحق الحزن الأصيل .. و بأن حزنها لم يك سوى صدى يتردد عبر الزمن .. أما كان هذا فلسفة في الحب و الحزن؟ فلسفة يتلاشى أمامها كل ما تعلمته عن الحب و الحزن .
و مذ كنت طفلاً (عرفت) الحسين #
كنت اتبع سطورك فتهت
مابين التفاصيل الصغيرة
والصور المتكلمة بكل صدق وشفافية
وكم اتمنى ان تستمر واستمر مع
سطورك المطرزة بالكلمات الطيبة
قواك الله
وبالتوفيق يامبدع
في نصف الحافلة تلك .. كان ثمة مرقد في طور طفولته .. يراقب البسطاء و هم ينسجون له ثوب قداسته .. يخطون أسفل أنفه شارباً رقيقاً ليقسموا به .. كبر المرقد و أخذ يهز نصف المدينة في مهد التاريخ .. كبر البعض و تسللوا خارج دوار المهد .. كبروا لكنهم ظلوا يتظاهرون بالطفولة .. ربما ليفهمهم الأطفال.. ربما طمعاً في حلوى المرقد ليالي الجمع .. ربما لأن الأطفال لا يطالهم قصاص العقوق .. ربما .....
موظف جديد .. من مدينة مجاورة .. يدخل بهدوء إلى مشهد أحداث نصف المدينة هذه .. أنيق .. وسيم .. بهيبة واضحة ....................... ثم تدور عجلة الأيام فيدخلها مرة أخرى محمولاً و نصف جمجمته مهشمة .. و ما بين دخوليه قصة حياة .. حياة أبي الذي أحبني كما أحب ياسر .. الذي ربما سيكتب عن جمجمتي لاحقاً .