د. عبد الله حميد العتابي
خفايا مهمة موشي دايان في بغداد
تنكر بصفة مساعد سائق حافلة
سعت الحركة الصهيونية الى تهجير اكبر عدد ممكن من يهود العراق الى فلسطين، لاسيما ا ن اول احصاء رسمي لنفوس العراق عام 1947 قد بلغ فيه عدد اليهود العراقيين حوالي (118) الف نسمة. وقد تمتع اليهود العراقيون وبسبب ثقافتهم ومعرفتهم للغات الاجنبية بالمناصب المهمة في المؤسسات الحكومية ودوائر الدولة العليا. وكان لهم - ولاسيما في وزارة المالية- وزير في كل الوزارات العراقية التي تشكلت خلال المدة 1920-1925. ومهما يكن من امر جرت محاولات حثيثة لتهجير اليهود العراقيين الى فلسطين،
وصل موشي دايان الى بغداد وكان حينذاك عضواً عاملاً في تنظيمات الهاجاناه العسكرية التي كانت تعمل في فلسطين، وكان قد فقد احدى عينيه خلال الاشتباكات المسلحة مع القوات الفرنسية الموالية لحكومة فيشي في سوريا. وجاء الى بغداد بمثابة مساعد سائق في أحد باصات النقل التابعة لشركة سوليل بونيه.وكان الموساد قد كلفه بنقل ثلاث حقائب مملوءة بالاسلحة لغرض ايصالها الى وكلاء الصهيونية في بغداد. في البداية لم توافق القوات البريطانية على السماح لذلك الباص وغيره من وسائط النقل القادمة من فلسطين بالدخول الى مدينة بغداد بسبب الاوضاع العامة التي لم تزل غير مستقرة نتيجة دعايات الحرب وانتصارات الالمان وصداها في العاصمة العراقية. عليه صدرت الاوامر لسائقي تلك الباصات بالتوقف في معسكر يبعد عن المدينة نحو ثلاثين كيلو متراً. وهناك في ذلك المعسكر تمكن دايان من اخفاء تلك الحقائب في مكان ما في المعسكر وخرج متسللاً باتجاه بغداد. ومن ثم وصل الى الطريق العام والتقى بعدد كبير من الرعاة والمزارعين المتنقلين مع دوابهم ومحاصيلهم لاجل بيعها في اسواق المدينة وفي منتصف الطريق توقف الجميع عند نقطة محددة للتفتيش وتلك النقطة ليست ببعيدة عن جسر الخر. وهنا عمل دايان على تحوير ملابسه بسرعة فائقة حينما طوى بنطلونه عدة طيات الى الاعلى ومزق جانباً من قميصه وغطى اجزاء من وجهه بالطين والتراب وازال غطاء عينه وبتلك الطريقة دخل الى بغداد واول عمل قام به الذهاب الى فندق قصر دجلة للاتصال بوكيل الصهيونية لاخباره بموضوع الحقائب والاسلحة التي تركها في المعسكر. رفضت ادارة الفندق السماح لموشي دايان بملاقاة وكيل الصهيونية الذي يدعى انزو- بسبب مظهره الخارجي وملابسه القذرة ولكن بعد مناقشة صغيرة صحبتها رشوة مناسبة دعي انزو للنزول الى استعلامات الفندق لملاقاة ضيفه.
لقد اصطحب انزو دايان الى غرفته وبعد ان رتب له الحمام اعاره بعض ملابسه التي كانت قصيرة قليلاً بالنسبة الى دايان. وتم الاتفاق ان يرجع دايان الى المعسكر ويتسلل اليه ليلاً وينتظر هناك. وفي وقت تم الاتفاق عليه وصل الى المعسكر احد باصات الشركة يقوده سائق من اعضاء الحركة متنكراً بزي جندي بريطاني لتهريب حقائب الاسلحة وبسرعة فائقة اخذت الحقائب من دايان واختفى الباص متجهاً الى بغداد قبل ان يلاحظ حراس المعسكر اية حركة غير طبيعية اما دايان فقد ترك ليتدبر امر عودته الى فلسطين.
عاد الباص الى بغداد والى المكان المتفق عليه وسط اجراءات من اليقظة والحذر اما الحقائب فقد اخفيت اول الامر في بيت احد اليهود وكان موضوع اخفاء الاسلحة والاعتدة قد آثار نقاشاً بين قادة التنظيم الصهيوني في بغداد اذ حبذ انزو توزيع الاسلحة على اعضاء منظمة الدفاع اليهودية واخفائها في بيوتهم وبهذا يقل خطر مصادرتها. اما باقي التنظيم الصهيوني فكان رأيهم ان تجمع تلك الاسلحة والاعتدة في مكان واحد لتسهيل مهمة الحصول عليها عند الحاجة ويبدو ان الاتفاق قد وقع على الرأي الاخير الا ان المكان لم يصرح به وفي الاغلب انه احدى كنائس اليهود. واياً كان المكان، المهم في الموضوع ان الاسلحة التي هربها موشي دايان استخدمت فيما بعد ضد يهود بغداد لغرض ارهابهم ودفعهم نحو الهجرة بعد ان يئست الحركة الصهيونية من رد فعل اليهود السلبي تجاه موضوع الهجرة.
قرأته اليوم صباحا 15/1/2013