✿ قصة من عالم البرزخ ✿♡ رحلة البقاء 2 ♡
الجزء العاشر
… إحترق قلبي ألما وحسرة لما ضيعته من الثواب العظيم في الدنيا، ولما قصرت به من حسن العشرة مع الأهل والعيال، ولم تكتفي آمنة بهذا الحد من عتابها لي، إذ استأنفت كلامها مرة أخرى لتوقد شعلة الندم والحسرة أكثر في قلبي، فقالت:
ــ ياسعيد، إن كل واحد منا الآن يتمنى لو أفدي بدنياه وما فيها مقابل أن تزيد حسناته ولو واحدة، أو تطفئ نيران سيئاته ولو للحظات، وأنت ضيعت الكثير الكثير. أين كنت من وصية خاتم الأنبياء لعلي إذ قال له: (ياعلي، خدمة العيال كفارة للكبائر، وتطفئ غضب الرب، ومهور حور العين، وتزيد في الحسنات
والدرجات)(1).
اعترفت لها بتقصيري معها، إذ لا مجال هنا لنكران الحقيقة، أو التهرب منها، ولكني سألتها عما إذا كانت نادمة على خدمتها في بيتها طوال حياتها معي، فأجابت:
ــ أعلم ياسعيد أنني غير نادمة قط على ذلك، ولولا هذه الخدمات في البيت لما كان نوري بالدرجة التي تراها الآن، بل إني متأسفة على عدم المزيد منها، ونادمة على أني لم أتلقى بجد تلك الأحاديث التي كانت توعد بالثواب العظيم للمرأة التي تخدم زوجها، وأن هذه الخدمة تغلق عنها أبواب النيران، وتفتح لها أبواب الجنان(2)، أو تلك التي توعد بالغفران للمرأة التي تسقي زوجها شربة ماء، وأن هذا العمل خير لها من صيام نهارها وقيام ليلها(3).
توقفت عن الكلام، وجرت حسرة طويلة، ثم قالت:
ــ لا فائدة من التأسف والندم الآن، فقد انتهى التكليف، وهيهات من العودة للدنيا مرة أخرى.
تأثرت كثيرا من كلامها، وأحسست بالخجل العظيم أمام الملائكة الذين كانوا برفقتها، لذا حاولت إبراز جانب الإيجاب مني معها، إذ قلت لها:
ــ إنني الآن لم أنكر خدماتكِ لي في المنزل، ولكِ الحق في كل ما قلتيه، وكان الأجدر بي أن أجمع بين نفقاتي عليكم، وسعي من أجل تحصيل معاشكم، وبين حسن العشرة والخلق معكم، وكان الأجدر بي أن أشكرك بدلا من إظهار عدم الرضا عليكِ.
كان الجميع ينصت لكلامي ويترقب نتيجة الحوار بيننا، ولم أجد من يقاطعني، فاستأنفت الحديث بقولي:
ــ لقد رفع الله درجتي ونوري بين أهل المحشر بسبب إخلاصي له تعالى في كدي عليكم، ولولا ذلك لما كان نوري بالدرجة التي ترينها(4). وأسفي أن لم أكن حَسنَ الخلق معكِ كما أوصى نبينا به، وقد عُذبت عظيم العذاب في البرزخ لأجله، وخوفي الأن أعظم من آثاره في عالم القيامة الكبرى.
نويتُ الطلب منها أن تهبني ظلمي لها، ولكني قبل أن أعرض عليها ذلك قلت لها:
ــ إن من واجبات الزوجة في العشرة مع زوجها أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه ولو إلى أهلها، وأيما امرأة باتت وزوجها ساخط عليها في حق، لم تُقبل منها صلاة حتى يرضى عنها(5). فهل عملتِ بما فرضه الله عليكِ، أم كنت غافلة عنه؟
لم أعطها فرصة المقاطعة والدفاع عن نفسها، إذ أردفت كلامي مباشرة بالسؤال منها:
ــ اتذكرين يوم انتقل محل عملي إلى مدينة أخرى، وقد طلبت منكِ السفر معي إلى هناك، ولكنكِ امتنعتِ ولم توافقي رغم إصراري عليه، ورغم أن السفر لم يكن حرجا عليكِ، أليس هذا خلاف التوصيات الإسلام لكِ بحق زوجكِ؟
وذكرت لها موارد عديدة أخرى كانت مقصرة فيها، فلم أسمع جوابا منها، بل التزمت الصمت الذي كان يدل على اعترافها بها، حينها رأيت أن الوقت مناسب لعرض طلبي منها، فقلت لها:
ــ أطلب منكِ يا آمنة أن تهبي لي ظلمي لك، وأنا أهب لك تقصيرك معي(6)، عسی الله أن يعف عنا، ويتجاوز علينا، وهو أرحم الراحمين.
لم تمانع طلبي منها، بل استقبلته بلهفة وترحيب طمعا برحمة العزيز الغفار، ولعل عفوي عنها يخفف عنها شيئا من أهوال المحشر وما بعده. ثم حان الوداع، وأن الفراق، ليشق كل منا طريقة المجهول...
ومضيت مرة أخرى في صحراء المحشر، ولشدة حرارة الموقف أحسست بجفاف بدني ويبوسته، وضعف في جوارحي. أصبحت أقوم واقع، وأمشي وأتعثر، ولم تعد لي طاقة على الحركة والانتقال. ومما زاد الطين بله أنه أتاني مخلوق قبيح الشكل، أسود اللون، يتلفت يمينا ويسارا، وكانه يخاف من شيء ما، فأمسك بيدي، وقال لي بلهجة ساخرة:
ــ أبشرك بالنار يا سعيد، أبشرك بالنار، سوف تدخلها لا محالة في ذلك، وإني أرى مستقبلك أسوء وأخزى بكثير مما أنت فيه الآن!
صعقتني بكلامه، وقلت له:
ــ وماذا يجب علي فعله حتى أنجو مما تقوله؟
ضحك مستهزئا من قولي، ثم قال:
ــ لا سبيل لنجاتك، وكل ما عليك فعله ان تتحمل أحقابا في نار جهنم، قد تكون آلاف من السنين، إن لم تكن ملايين!
صرخت في وجهه، وحاولت إبعاده عني فيما تمكنت من ذلك حتى أتى عملي الصالح، حينها ولى هاربا بعيدا عني، لا أعاده الله لي.
قلت لعملي الصالح:
ــ من يكون ذلك الذي أرعبني، وقد ولى هاربا حين حضورك؟
أجابني بقوله:
ــ إنه خلاصة أعمالك السيئة، ولكن لا عليك به، فإنه ضعيف ولا يتمكن منك إلا في بعض المواضع، إنه يستثمر أوقات الدنيا التي كنت بعيدا فيها عن الأعمال الصالحة، فيأتي فيها الآن ليرعبك ويؤذيك. ولكن عليك الحذر منه عند عبورك الصراط،
إذ سيكون لك في المرصاد، ويستخدم كل ما لديه من قوة وسلطان کي يزلك عنه، ويوقعك في الهاوية.
ماذا سيحل بسعيد هل ستظهر له اعماله السيئة وهل هو من اهل النار.. هذا ما سنرويه لكم غدا..؟
فانتظرونا غدا مع الجزء الحادي عشر ان شاءالله تعالى