النتائج 1 إلى 5 من 5
الموضوع:

يوحنا الفم الذهبي

الزوار من محركات البحث: 3 المشاهدات : 845 الردود: 4
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    ★l̃̾σ̃̾я̃̾d̃̾★
    تاريخ التسجيل: September-2012
    الدولة: Iraq - Wasit - AL Kut
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 16,719 المواضيع: 1,713
    صوتيات: 53 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 11280
    مزاجي: كـ{مَــوؤـج الــبَحَـر}
    المهنة: Biological
    أكلتي المفضلة: Pizza
    موبايلي: I phone
    آخر نشاط: 26/April/2021
    مقالات المدونة: 28

    يوحنا الفم الذهبي




    التعريف بيوحنا الفم الذهبي


    ولد يوحنا الفم الذهبى فى انطاكية سنة 345 و349 لكن يذكر الدكتور أسد رستم أنه ولد في سنة 345
    كان والده سكوندوس قائد القوات الرومانية في سورية. ووالدته القديسة أنثوسة.
    توفي والده في السنة الرابعة لزواجه وكان لديه ابنة وابن. فرفضت والدته أن تتزوج بعد ترملها. وتفرغت لتربية ولديها، تربية مسيحية خالصة. فكانت تربيتهم تنضح بعفة وطهارة وإخلاص القديسة اثنوسة
    فقال عنها الفيلسوف ليبانيوس “ما أعظم النساء عند المسيحيين”.

    دراسه يوحنا وتعليمة


    درس يوحنا اللغة والبيان في مدرسة الفيلسوف ليبانيوس أشهر فلاسفة عصره ورئيس مدرسة أنطاكية
    أجاد يوحنا اللغة اليونانية التي ساعدته كثيراً في مواعظه وشروحاته. ولمس ليبانيوس مواهبه، فقال لتلاميذه مادحاً إياه: “لقد كان في ودي أن أختار يوحنا لإدارة مدرستي من بعدي ولكن المسيحيين سلبوه منا” إذ أن يوحنا أصبح قارئاً في الكنيسة في سنة 367. ودرس الفلسفة على يد انذورغاثيوس في أنطاكية أيضاً. وكان أكثر أصحابه المقربين باسيليوس الذي أصبح أسقف رفنية قريباً من مصياف.

    حياة يوحنا (الفم الذهبي)


    اشتغل يوحنا بالمحاماة وبهر الناس بفصاحته وبلاغته لكنة اعتزل فيما بعد مهنة المحاماة.
    وكان ملاتيوس الجليل أسقف أنطاكية يرقب تقدم يوحنا في العلم والفضيلة. فلما تيقن من زهده أحله في دار الأسقفية ثلاث سنوات ثم منحه سر المعمودية ورقّأه إلى درجة القارئ. وكان بعض المسيحيون في ذلك الوقت يهابون سرّ المعمودية خوفاً من عواقب الوقوع في الخطيئة بعدها. فآثروا تأجيل ممارسة هذا السر حتى سن متأخرة. أما سبب تأجيل معمودية يوحنا فهو أمر غير معلوم إذ لا يوجد في المراجع ما يقدم لنا الجواب. وقد تكون أحداث أنطاكية هي التي تسببت في هذا التأخر.
    وأراد يوحنا أن يخرج للصحراء للتعبد والصلاة والتأمل. إلا أن أمه طلبت منه أن يؤجل هذا حتى ترقد بالرب إذ لم يكن لها معيل غيره. فرضخ لطلبها، ويقول القديس في هذا الصدد: “ما كدنا -هو وباسيليوس- نبدأ بتنفيذ ما رمنا حتى تدخلت أمي، المحبوبة جداً، ضد المشروع. لقد أمسكت بيدي وقادتني إلى غرفتها الخاصة. وأجلستني، وجسلت قربي، على الفراش ذاته حيث شاهدتُ النور لأول مرة. وهنا فاضت دموعها وكانت زفراتها تقطع نياط قلبي وعباراتها العذبة الحنونة تمعن في التقطيع… ومما قالته لي: انتظر فراقي لهذا العالم، ربما يكون قريباً. لقد بلغت سناً لا يُنتظر معه إلا الموت. وعندما تعيدني إلى التراب، وتجمعني إلى أبيك، اذهب حيث تشاء؛ سافر إلى البعيد البعيد، إرم بنفسك في لجة اختيارك فعندئذ ليس من يمنعك. ولكن طالما أمك تتنفس وتتألم لا تتركها ولا تغضب الرب إلهك إذ تلقيني بلا مبرّر وبلا فائدة في لجج من الآلام أنا التي لم أصنع لك شراً. وتابعت: يا بني إذا استطعت أن تنسب لي أني أزيد همومك الحياتية فأنت حرّ من شرائع الطبيعة. دُسها برجليك ولا تأخذ بعين الاعتبار شيئاً واهرب مني كعدوة تنصب لك الكمين… إذا كنتُ صنعتُ بك شراً!!”. وكان هذا الحادث بمثابة نقطة الثقل في حياته. من الأكيد الحصول على الطهارة المسيحية يفرض الهرب من العالم. هذه النجوة هي الطريق الأقصر نحو القداسة. ولكنه الذي يدوس برجليه كائناً إنسانياً -إذ يهرب من العالم- فإنه يسدّ على نفسه طريق القداسة إلى الأبد. ولكنه جعل من غرفته في المنزل قلاّية. وعاش حياة الراهب والابن في الوقت نفسه. فتقشف وكرس وقته للصلاة.
    ثم أنشأ بالاشتراك مع باسيليوس صديقه أخوية نسكية ضمت بعض رفاقهما في التلمذة أمثال ثيودوروس أسقف موبسوسته فيما بعد ومكسيموس أسقف سلفكية أسورية. وخضعت فيما يظهر إلى ديودوروس و كرتيريوس الراهبين الرئيسين في أنطاكية آنئذ.


    الفم الذهبي الراهب


    وفي سنة 373 غضب والنس جاش على الأرثوذكسيين فأكره النساك على الخدمة العسكرية والمدنية. واعتبر بعض المسيحيين أن تقشفات النساك ضرب من الجنون. فضحك الوثنيون على الطرفين. فأخذت الكآبة في نفس يوحنا كل مأخذ. فعلم أحد أصدقاءه بهذا. فحض يوحنا أن يقيم كلامه حصناً يدرأ نار الاضطهاد فتردد يوحنا ثم أنشأ ثلاثة كتب في إطراء السيرة النسكية. لا تزال من أفضل ما صُنف في موضوعها.
    ومن ثم ذهب إلى وادي العاصي وأوى إلى مغارة في الفترة ما بين (374-381). وعاد إلى أنطاكية بعد ست سنوات. مريض، فجسمه لم يقوى على التقشف. ورجليه أصبحتا ضعيفتين. يُخيل للناظر إليه أن لا لحم له ولا دم يجري في عروقه. ولم يدرِ وقتها أن الله افتقده لما رأى ثمره نضج وقد حان الوقت ليرفع صوته ويسطع نوره في أفق الكنيسة.
    الشماس والكاهن والواعظ:
    (381-398) كان القديس ملاتيوس قد عاد إلى أنطاكية في صيف 378. فلما أطل يوحنا على دارس الأسقفية ابتهج الجليل في القديسين ملاتيوس وجاء به ورسمه شماساً رغم معارضته. فأوكلت إليه مهمة مساعدة المحتاجين، فوزع الصدقات وزار المرضى والحزانى….
    ودعي ملاتيوس لحضور المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية وترأس أعمله. واستطحب معه الكاهن فلابيانوس يمينه. ووكل السهر على شؤون الكنيسة إلى يوحنا. ثم توفي ملاتيوس أثناء انعقاد المجمع، فبكاه يوحنا. ثم أجمع الآباء الأنطاكيين على فلابيانوس خليفة للرسولين. فتوثقت المحبة بينه وبين يوحنا. وشرع يفكر في ترقية يوحنا إلى الكهنوت. ثم وضع يده عليه في كنيسة القديس بولس سنة 386. واحتشد يومها أهل أنطاكية مسيحيين ووثنيين. فملك يوحنا قيادتها بقداسته وفصاحته. فسعى لإصلاح المجتمع. وحرك الأغنياء أن يمدوا يد المعونة للكنيسة والتي بدورها راحت تبني المشافي والمآوي.
    الذهبي الفم وعيد الميلاد:
    يؤرخ لنا القديس يوحنا الذهبي الفم أن كنيستنا الأنطاكية بدأت بالاحتفال بعيد الميلاد في أيامه. أخذة بذلك عن كنيسة رومة. فلمّا سيم قساً سنة 386 رأى من واجبه اقناع المؤمنين بأهمية هذا العيد المجيد. فوعظ في المؤمنين في العشرين من كانون الأول وتكلم عن عظمة عيد الميلاد لعظمة سر التجسد وقال: “لو لم يتجسد الرب يسوع المسيح لما كان صلب ولا أرسل الروح القدس. وما كنا نقيم عيد الغطاس ولا الفصح ولا العنصرة. فمن عيد الميلاد تولدت جميع الأعياد السيدية وتدفقت منه كما تدفق الأنهار من ينبوع واحد….”. وعاد قديسنا إلى الوعظ في يوم عيد الميلاد فقال قولاً بليغاً وسجل لنا الأخبار المفيدة لتاريخ هذا العيد. فألمع إلى أننا لم نبدأ الاحتفال به قبل سنة 376 وأننا أخذناه من الغرب وقال: “ولئن كان ظهور هذا اليوم الشريف ومعرفتنا إياه من مدة لا تنيف على عشر سنوات… وقد كان معروفاً منذ البدء بين الشعوب القاطنين في الغرب ودخل بيننا حديثاً…”

    ثورة أنطاكية

    اعرف المزيد عن ثورة انطاكية ودور الفم الذهبي فيها هنا



    الفم الذهبي أسقف روما الجديدة


    (398-404) توفي نكتاريوس أسقف القسطنطينية في السابع عشر من أيلول من عام 396 فأصبح كرسي رومة الجديدة كرة شقاق بين الشعب ورجال الكهنوت. وكان ثيودوسيوس وقد توفي في مطلع السنة 395 مخلفاً أزمة الحكم ليدين ضعيفتين لابنيه اركاديوس في الشرق واونوريوس في الغرب. وتسلط على اركاديوس وزيره الأكبر روفينوس ثم قوي على هذا الخصي افتروبيوس فأسقطه وجلس مكانه. وهذا هو الذي عهد إليه منصبه أن يرفض توسلات أولي الأطماع وأن يفتح أذنه إلى وحي ضمير المؤمنين وصوت الشعب المسيحي الحقيقي. وكان افتروبيوس قد عرف الذهبي الفم في أثناء رحلاته إلى الشرق فأُعجب بفصاحته وقدر فضله فلم يجد أجدر منه بإعادة شعب العاصمة إلى الفضائل المسيحية. ولعله أحس بوحي أوتيه من فوق. فإنه عند المجاهرة باسم الذهبي الفم استصوب الجميع هذا الاختيار. وعرف الخصي تعلّق الأنطاكيين بمرشحه. فكتب إلى فيكتور استيروس والي الشرق أن يرسل يوحنا خفية دون إطلاع أحد من الأنطاكيين على ذلك. فبادر الوالي إلى التنفيذ ووجد أن أيسر الطرق هو الاحتيال بإخراج يوحنا إلى ظاهر البلد ليتمكن من تسفيره سراً. فدعا الوالي الكاهن يوحنا إلى زيارة كنيسة الشهداء حيث مدفون أجساد الشهداء في خارج أسوار المدينة. وكان هذا في أواخر تشرين الثاني. فعد يوحنا هذه الرحلة واجباً مقدساً ورضي بها. وذهب الذهبي الفم إلى المكان الذي اتفقا على أن يلتقيا فيه. وفي الموعد المحدد جاء استيروس راكباً في عربة كونتية مفروشة بالحرير، تجرّها جياد أصيلة. وقبل القديس دعوة استيروس للركوب وركب إلى جانبه. وما كادت العربة تتحرك حتى فتح الكونت “استيروس” فمه قائلاً: “بالحقيقة، ليست غايتي زيارة كنيسة الشهداء. أرجو القديس أن يغفر كذبتي”. واتجهت العربة إلى القسطنطينية.
    ورغب الأمبراطور ومن حوله أن يستقبلوا المرشح الأنطاكي بما استطاعوا من العظمة والأبهة والإجلال لأنه سيتبوأ أسمى المناصب في الكنيسة بعد أسقف رومة. فدعا الأمبراطور إلى مجمع محلي للانتخاب وجمع أكابر العاصمة واستدعى ثيوفيلوس أسقف الإسكندرية، ليضع يده عليه ويسلمه عكاز الرعاية. وتمت سيامته أسقفاً في 26 شباط من عام 398، وكما يقول السنكسار اليوناني في منتصف كانون الأول من سنة 379.
    وثيوفيلوس -”الفرعون المسيحي”، “الفرعون الإسكندري”- هذا يعتبر من أسوء الأساقفة التي عرفتهم الكنيسة. فكان فظاً مثل فرعون، محباً للذهب والأحجار الكريمة مثل فرعون، ويحتقر الإنسان مثل فرعون. ولم يرضَ هذا الفرعون عن مقررات المجمع المسكوني الثاني الذي جعل من أسقف القسطنطينية في الكرامة بعد أسقف رومة. وكان لا يحب الذهبي الفم، ويخشى مواهبه وقداسته فأحب أن يجعل ايسيدوروس الكاهن الإسكندري أسقفاً على رومة الجديدة. وكان هذا الكاهن راهباً فاضلاً ولكنه مطواع فأحبه ثيوفيلوس، لأنه رأى في انقياده آلة يديرها في يده كيف شاء. فجاهر بعدم الرضى فاضطر افتروبيوس أن يقول له: “أمامك أحد أمرين إما أن تنقاد لرأي الأساقفة والوجهاء وإما أن تدافع عن نفسك ضد المشتكين عليك”. فارتبك ثيوفيلوس واحتفل برسامة يوحنا الذهبي الفم.
    وأرسل يوحنا رسائل سلامية إلى رؤساء الكنائس. وفي أول يوم بعد دخوله القصر الأسقفي أحدث تغيرات. غيّر بعض الأشياء التي من شأنها إغضاب الرب. إذ أن سلفه كان محافظاً للمدينة ومن ثم وبعد أن تقاعد، أصبح أسقفاً فاحتفظ بالقصر وجعله القصر الأسقفي. فكان مليئاً بالذهب ومظاهر الترف. فأمر يوحنا ببيع جميع الأواني الفضية والذهبية وتوزيعها على الفقراء. ثم باع السجاد وشيّد بثمنه مستشفى للفقراء. وباع المقاعد الحريرية والمغاطس الرخامية والشماعدين وأقام بأثمانها مأوى للغرباء. باع المرايا واللوحات والأعمدة وترك الجدران عارية. وأخيراً باع السرير: الحرير والمخمل النادر. وأتى بسرير من ألواح الخشب. وبعد ذلك صرف جميع الخدام على اختلاف وظائفهم بعد أن دفع لهم ما يحق لهم من المال. وأرسل جميع أدوات المطبخ إلى المأوي والفقراء.
    لم يشهد سكان القصر الأسقفي مثيلاً لما يجري أمامهم. وتكلموا باحترام مع سيد القصر قائلين: إن أسقف القسطنطينية ثاني أسقف في العالم، وعليه واجبات رسمية. عليه أن يقيم مآدب، وأدوات المطبخ لازمة. عليه أن يدعو الأمبراطور والأمبراطورة والأعيان. هكذا البروتوكول!
    وأبدى القديس أسفه قائلاً: إن الأسقف طبيب روحي وأب. وليس صاحب مطعم يدعو الناس ليملأوا بطونهم. ولكي يعطي لكلامه وزناً عملياً أصدر أمره ببيع غرفة الطعام بكاملها. وأعلن أنه لن يدعو أحداً إلى الطعام وأنه سيأخذ طعامه وحيداً كما كان يفعل طيلة حياته. وأنه غير محتاج إلى طاهٍ وأدوات. سيهيئ، بنفسه وبمساعدة أحد الرهبان، الخضار التي يتناولها مرةً واحدة في اليوم.
    إلا أن إنسان واحد لم يقتنع ولم يصدق أن القديس يعيش حياة قاسية. وهو الأسقف أكاسيوس. كان صديقاً للقديس، وأسقفاً في الملحقات “خوراسقف”. قدم لأشغال خاصة في القسطنطينية. وعرف الذهبي الفم بقدومه فدعاه للحلول ضيفاً عليه. وسر الأسقف أكاسيوس بهذه الدعوة، فكان بالنسبة له دخول القصر الأسقفي موازٍ للدخول للقصر الأمبراطوري. وقاده الراهب إلى الغرفة المخصصة له. كانت شبيهة بغرفة الذهبي الفم تماماً. فيها سرير من الخشب وعليه غطاء، والجدران عارية. وفتح أكاسيوس فاه عجباً، وظن أن صديقه الذهبي الفم يسخر منه. وللحال ترك أكاسيوس القصر الأسقفي غاضباً. ومن تلك اللحظة أصبح عدواً لدوداً للذهبي الفم. وعبثاً حاولوا أن يفسروا له أن أسقف القسطنطينية ينام في غرفة مماثلة. لم يصدق أكاسيوس أن صديقه الذهبي الفم سخر منه وهو لن ينسى له هذه الاهانة طالما فيه عرق ينبض. وسيحاول الانتقام لكرامته.
    وعني القديس بإصلاح الاكليروس. فسلق بعضهم بلسانه سلقاً. وأوجب عليهم الزهد في الملبس والمأكل والقيام بالواجب المقدس. وكان لكلامه وقع شديد في قلوب السامعين فانقاد اكليروس القسطنطينية لصوته وعاد عدد كبير منهم إلى ما اعتاد عليه آباء الكنيسة الأولون من التواضع والفقر والقناعة والقداسة. وكان الارشدياكون سرابيون أشد من الذهبي الفم غيرة على الإصلاح فأمسى إفراطه في التنقيب والتأنيب عثرة في سبيل القديس. فحقد بعض رجال الاكليروس على الأسقف والأرشدياكون واضطر الأسقف بعد أن يئش من إصلاحهم أن يقطعهم من جسم الكنيسة. وتفقد القديس بنفسه جميع الأديرة فأثنى على المحافظين على فرائض الدعوة وأكره الذين نفخ فيهم ريح العالم على الرجوع إلى الأديرة والتقيّد بقوانينها وتقاليدها. وحرم على الكهنة قبول العذارى المصونات في بيوتهم. وأنشأ للعذارى مآوي انقطعن فيها للصلاة والفضائل ولنسح ثياب الفقراء وتزيين الكنائس وجعل عليها أمّاً واحدة لسياستهن نيكارتية النقوميذية. ثم التفت إلى إصلاح ما فسد من أحوال الأرامل فئة الكنيسة العاملة في أوائل عهدها. فمنعهن من التردد إلى البيوت والحمامات والملاعب وأمرهن أن يعتضن عنها بالتأمل والصلاة ومواساة الفقراء وعيادة المستشفيات. وحتم أنهن إن استثقلن الترمل فليتقيدن بزاج ثان خير لهن وأولى. وفاقت أولمبياذة جميع الأرامل بجميل فضائلها وكثرة حسناتها. وكانت قد ترمّلت وفي في العشرين من عمرها فالتحقت بأحد الملاجئ. فلما أتى يوحنا إلى القسطنطينية كان لها من العمر خمسون عاماً. فأثرت شخصيته في نفسها فعرضت عليه خدماتها وأموالها. فأنفق القديس عن سعة في سبيل تبشير القوط والروس وبعض الفينيقيين وفي تلال لبنان وإنشاء المؤسسات الخيرية. وسعى سعياً حثيثاً لحماية خرافه من حملات الهراطقة – الآريوسيين والأفنوميين والمانيين والمركونيين والفالنتينيين.

    أخصام الذهبي الفم


    خشي الوطنيون الروم مطامع غايناس فعاهدوا قوطياً آخر. ولدى خروج غايناس من العاصمة أوائل سنة 400 هجم الوطنيون على من تبقى من عساكره في داخل المدينة وقتلوهم. وعبر غايناس الدانوب ووقع أسيراً في يد الهون وقُتل في أواخر سنة 400.
    وبزوال افتروبيوس وغايناس زالت هيبة السلطة فجهر أخصام الذهبي الفم بمعارضة أدت مع مرور الزمن إلى نفيه ووفاته. وشملت هذه المعارضة منذ البداية عناصر معينة من الرهبان والأرامل والأساقفة. وتزعم معارضة الرهبان اسحق الراهب الذي كان قد أمّ العاصمة في عهد والنس واشتهر بحق وبغير حق بقداسة فائفة وبجرأة في سبيل الأرثوذكسية. أدت به إلى مصارحة والنس باقتراب أجله. وكان قد أسس لنفسه مقرّاً عند مدخل العاصمة أصبح أول الأديرة فيها. ولم يرضَ الراهب عن إصلاحات الذهبي الفم، فلما زالت سطوة البلاط بدأ يطعن في الأسقف القديس فكان لكلامه ودعاياته أسوأ الأثر.
    وانضم إلى المعارضة عدد من الأرامل من بينهن صديقات الأمبراطورة افذوكسيا. كمرسة وكستريكية وافغرافية التي قدر لها أن تلعب دوراً هاماً في الدس والمؤامرات في البلاط. إذ أن القديس وبخها لأنها وهي كهلة تتصابى وتقلد الشابات في الملبس والمظهر. إذ كانت تفضل أسقفاً يقول لها أنت صبية.
    في أفسس:
    ترأس الذهبي الفم مجمعاً محلياً في أيلول سنة 400. وأثناء الجلسات الأخيرة تقدم أسقف غريب اسمه اوزيبيوس. جاء هذا الأسقف يُشهِّر الجرائم التي يرتكبها بعض أساقفة آسية، وأن الكرامات الكنائسية والدرجات الكهوتية تُباع بالمال. وأن الصولجان الأسقفي صار للتجارة. وأن وراء هذا أنطونيوس أسقف أفسس. وراح يتكلم ويشكو للذهبي الفم أوضاع الكنيسة في آسية. وكان القديس يسمع الكلام ورأسه بين يديه. وجاء الشماس ينبهه بأن وقت القداس قد حان ويدعوه للكنيسة. ولكنه رفض، بعد سماع مثل هذه الأشياء لا يقدر أن يخدم القداس. أذناه مازلتا متألمتين.
    زالقديس يعرف أن أفسس لا تخضع لسلطته. وأن أساقفة القسطنطينية لم يتدخلوا مطلقاً في شؤونها. ولكن الذهبي الفم يكسر الحدود دفاعاً عن كنيسة المسيح. وفتح تحقيقاً ليتأكد من صحة هذه الاتهامات. بإرساله أسقفين للبحث والتدقيق. ولسوء الحظ جاءت النتيجة إيجابية. فقد كتب أحد مؤمني آسية إلى القديس يقول: “منذ سنوات، أيها الأب الجليل، والقيادة فينا ينقصها العدالة والحق. نسترحمك اذن أن تأتي إلينا”.
    وفي التاسع من شباط 401 أبحر إلى آسيا. وفي أفسس دعا إلى مجمع مؤلف من سبعين أسقفاً. وحضر أمامهم المتهمين. إلا أن أنطونيوس كان قد مات قبل وصوله. وأعلن الكهنة أنهم انخدعوا ووقعوا في الضلال وأن نيتهم حسنة!!!
    فطرد الذين اشتروا الكهنوت من أنطونيوس. وأعطاهم وثيقة يستطيعون ملاحقة ورثة أنطوينوس بها. وأقام خلفاً لأنطونيوس الشماس هيراقليدس. ثم انتقل إلى ولايات مجاورة وجرّد ستة عشر أسقفاً وأقام خلفاء لهم.
    المؤامرات تحاك ضده: وفي أثناء غيابه عن القسطنطينية حيكت ضده مؤامرة برئاسة الأساقفة، أكاكيوس صديقه، وسفيريانوس وبعض الأساقفة القادمين من أنطاكية. أما مكان التأمر فكان بيت افغرافية. وانضم لهذه العصابة الأمبراطورة نفسها. ولم يعطي القديس أي اهتمام لهذه المؤامرة. لأنه قد بلغ مرحلة الانفلات الكامل من أمور الدنيا. أما في ما يختص الكنيسة فيكون نشيط الحراك بطل في ساحة المعركة مناضل مصارع لا يهاب شيء.
    ونشب خلاف طارئ بين سفيريانوس وسيرابيون الشماس الأكثر إخلاصاً للذهبي الفم، والذي كان من مصر. وذات يوم مرّ به الأسقف سفيريانوس فلم يشأ سيرابيون أن يحييه. فوبخه الأسقف وكان ردّه عنيفاً وتلفظ ألفاظاً لا يجو لأسقف أن يتلفظ بها حتى لو غضب “اغضبوا ولا تخطئوا” ومن جملة ما قال: “إذا مات سيرابيون مسيحياً فإن الله لم يتأنس”. وتم عقد مجمعاً لفحص للنظر بهذا الأسقف وأعاد أمام المجمع عبارته. فاعتبر كلامه هرطقة. وأوقف عن الخدمة. فطال لسانه هذه المرة القديس الذهبي الفم. وهذا الأمر لم يستطع مؤمني القسطنطينية احتماله. فهاج الشعب وأراد أن يقتله إلا أنه استطاع أن يفلت منهم وهرب في البحر ليلاً.
    فاغتاظت افدوكسيا للأمر وطلبت من سفيريانوس العودة. إلا أن الشعب كان يريد أن يراه فقط لينتقم لإهانة القديس، فلم يكن أمام أفدوكسيا حلّ إلا أن تذهب إلى القداس وتركع أمام الذهبي الفم وتطلب منه أن يغفر لسفيريانوس خطيئته، ففعل. وعمل على تهدئة الشعب.
    الأخوة الأربعة الطوال:
    كان ثيوفيلوس الفرعون الإسكندري يكره الذهبي الفم وقد أُجبر على سيامة يوحنا أسقفاً على القسطنطينية. وكان نشاطه بدأ يتسع إذ أخذ على عاتقه تهديم الهياكل والتماثيل الوثنية والمكتبات. كان المسيحيون في ذلك العصر، يعتقدون بأنهم يقدمون خدمة لله. إذ ينتظمون جماعات جماعات وينطلقون لتهديم هياكل الآلهة الوثنية. وكان الوثنيون يطلقون عليهم لقب “العصابات السوداء”.
    وثيوفيلوس كان يقود بنفسه فرقاً من الجنود. فكان هذا الفرعون لا يتوارى عن إصدار الأوامر بالتعذيب. يل ويشترك في هذا العمل الوحشي. واهتم ببناء الكنائس كحجر ونسي واحتقر البشر. وابغض جميع الناس.
    تعاقد ثيوفيلوس مع افدوكسيا على مهاجمة الذهبي الفم. وكان جديراً بهذا. فهو خبير في التهديم والتخريب والتدمير وتصفية الإنسان! ولا بد من مناسبة لمباشرة العمل. فكان “الأخوة الطوال” الحجة التي تذرع بها للانقضاض على الذهبي الفم.
    “الأخوة الطوال” أربعة أشقاء يعيشون في برية مصر نساكاً منقطعين عن العالم. وأسماؤهم هي: امونيوس ديوسقوروس، افيميوس وأوريبيوس. وأراد ثيوفيلوس أن يخرجهم من حياتهم النسكية ليرفعهم للاسقفية. لكنهم رفضوا. فأرسل ثيوفيلوس جنوداً ليجلبوا امونيوس بالقوة. فلما رأى الجنود قادمين، أمسك بالسكين التي يستخدمها لتقشير الخضار وقطع إحدى أذنيه. فلم يعد يستوفي شروط الأسقف. وكان الذهبي الفم متتبع لأخبار الأخوة الطوال ومعجباً بهم.






    .



    وأراد ثيوفيلوس أن يغتصب ثروة أرملة. ولكن كيف يبرر هذا الاغتصاب؟. فلجأ إلى مدير أبرشيته: الايكونومس ايزيدوروس. إلا أنه كان تقياً صالحاً فرفض أن يشاركه في هذه السرقة. فغضب وأصدر أمره بإلقاء القبض عليه وتعذيبه وتسليمه للقضاء. إذا كان الأسقف الإسكندري يتمتع بصلاحيات زمنية. ولإثبات التهمة كان الفرعون بحاجة إلى شهود. ولمّا كان مدير الأبرشية يتمتع بسمعة طيبة وصيت حسن، وجب إذن أن يكون الشهود أوفر فضيلة منه. ولا يتمتع بهذه الفضيلة إلا الأخوة الطوال. فاستدعاهم ثيوفيلوس وطلب منهم الشهادة. ولكنهم رفضوا بحزم. فأصدر أمره للجنود، فعذبوا الأخوة الطوال ثم قيدوهم بالحديد. وتولى ثيوفيلوس بنفسه ضربهم، بيديه. ثم راح يدوسهم برجليه. ثم اقتيدوا للسجن في سلاسل الحديد. وهزّ هذا المنظر الإسكندرية بأسرها. فلم يكن أمام ثيوفيلوس إلا أن يذيع خبر بأن الأخوة الطول أصحاب هرطقة. ولم تنجح الحيلة فأطلق سراحهم.


    وفي يوم ذهب ثيوفيلوس إلى برية مصر مصطحباً جنود معه. وراح يحرقون المناسك. وخرج الرهبان مرعوبين. ولحق بهم الجند وباشروا بتقتيلهم. واستمرت المجزرة طيلة الليل. ونجا الأخوة الطول ومعهم ثلاثمائة راهب. هؤلاء فقط الذين نجوا من مذبحة ثيوفيلوس. والذين يقول فيهم الذهبي الفم: إن المناسك في برية مصر تلمع بفضيلة الرهبان أكثر من نجوم السماء وإن سكان هذه القلالي هم ملائكة في صورة بشر. فاتفقوا على أن يقطعوا الصحراء متفرقين على أن يلتقوا على الحدود الفلسطينية. وعاد ثيوفيلوس إلى الإسكندرية وأصدر حرم عليهم جميعاً، على كل الذين نجوا من رجاله القتلة.


    ووصل إلى فلسطين وكان قد رقد منهم الكثير في مجاهل الصحراء. جوع وعطش ومرضاً… فصلوا على أرواحهم ودخلوا فلسطين. إلا أن أسقف أورشليم لم يستطع أن يبقيهم في أورشليم. فلم يبقَ لهم إلا القديس الذهبي الفم فالتجأوا إلى القسطنطينية. وكان عدد الذين دخلوا القسطنطينية 50 فقط.


    ولدى وصلهم طلبوا من الذهبي الفم أن يسمح لهم بالاستقرار في أبرشيته. للصلاة والتعبد. وكان الذهبي الفم يعلم بأمر حرم ثيوفيلوس لهم. فناقشهم في اللاهوت والعقيدة ليتأكد إذا كانوا في الهرطقة أم لا. ولم يلاحظ أي أثر للهرطقة في روحانيتهم. فقال للأخوة الطوال: “أنا أخذ قضيتكم على عاتقي. فإما أن يحلكم مجمع آخر ينعقد لهذه الغاية، وإما أن يرفع أسقفكم بتلقاء إرادته الحرم عنكم. اعتمدوا علي”. فسمح لهم أن ينزلوا في بيت قريب من إحدى الكنائس وسمح لهم بالصلاة مع سائر المؤمنين ولكنه منعهم عن الإشتراك في ممارسة الأسرار المقدسة، حتى يحل الحرم عنهم.


    فكتب إلى ثيوفيلوس يناشده برابط “المحبة الأخوية الجامعة” أن يصفح عن الأخوة الطوال، وقال له أنه تأكد من عقيدتهم ولا يوجد فيها ما يخالف الإيمان القويم. وقال له بشجاعة أن الحرم الذي أنزله ظالم. وأنه سيدعو مجمعاً مقدساً يعيد الحق لنصابه. إذا رفض ثيوفيلوس أن يفك الحرم.


    وأظهرت افدوكسيا نوعاً من الشفقة عليهم وأجبرتهم على إمضاء عريضة يطلبون فيها حمايتها. فوافقوا بعد أن تعهدت الأمبراطورة التي تعهدت لهم بدعوة مجمع إلى الانعقاد ليمنحهم العفو ويرفع الحرم عنهم. وهنا انسحب الذهبي الفم، لأن القضايا الكنسية ليس من حق أحد خارج الكنيسة أن يعالجها. وليس من حق افدوكسيا أن تدعو إلى مجمع وأن تقرر إذا كان الحرم عادلاً أم لا. إلا أن الامبراطورة أرادت بهذه العملية أن تظهر أن الذهبي الفم مقصراً في حمايتهم. إذ أن الشعب دائماً إلى جانب المظلومين.


  2. #2
    من أهل الدار
    ★l̃̾σ̃̾я̃̾d̃̾★
    ثيوفيلوس في القسطنيطينية:


    وبعد أن جهزت كل شيء دعت إلى عقد مجمع في القسطنطينية. إلا أن ظاهر المجمع كان شيء والخفي شيء أخر، فكان الهدف من المجمع هو أن تتم محاكمة الذهبي الفم. أما الذهبي الفم فكان يعتقد أن المجمع سينعقد ليحاكم ثيوفيلوس.


    في ربيع 403 أرسل ثيوفيلوس أحد أساقفته. القديس ابيفانيوس، اختصاصه كشف الهرطقات. ووصل إلى القسطنطينية. وتصرف منذ لحظة وصوله وكأن الذهبي الفم هو الهرطوقي، لأنه دافع عن الأخوة الطوال. وكان ابيفانيوس مخدوعاً، فعمل على تدبير حيلة تنهي قصة الأخوة الطوال وتعطي الفرصة للمجمع أن ينعقد ليحاكم الذهبي الفم. وبعد أن قدم حيلته للأمبراطورة. ذهب لعنده امونيوس وكلمه ثم سيرابيون فعرف أنه وقع في حفرة نصبها له ثيوفيلوس وأفدوكسيا فقرر العودة قبل أن يصل أعضاء المجمع. ورقد وهو في طريق عودته.


    وصل ثيوفيلوس وجميع أساقفته إلى البوسفور وأقام في خلقيدونية أياماً ثم جاء القسطنطينية. ومرّ أمام كنيسة الرسل ولم يدخل إليها. وعلى الرغم من هذا فإن الذهبي الفم ذهب لاستقباله في القصر الذي أعد له ودعاه للإقامة عنده. وكان بيت افغرافية مركز المشاغبة والمؤامرة على الذهبي الفم.


    مجمع السنديانة:


    (البلوطة) لما تم اتفاق المتآمرين واتحدت كلمتهم خافوا أن تحبط مساعيهم إذا عقدوا اجتماعاتهم في العاصمة لأن الذهبي الفم كان محبوباً موقوراً. فاستحسنوا بلدة خليقيدونية ونزلوا عند أسقفها المصري كيرينوس وعقدوا اجتماعهم في قصر السنديانة. وانضم إليهم أكاكيوس وسفيريانوسو أسقف جبلة وأنطوخيوس أسقف عكة وماروطة أسقف ميافارقين ومكاريوس مغنيسية. وكان هذا في منتصف تموز. وابتدأت المحاكمة. بينما كان يوحنا مع أصدقائه في غرفة الطعام يتحدثون. وكان يكلمهم كما لو أنه يودعهم.


    وأصغى المجتمعون في السنديانة إلى جميع الاتهامات الواردة في الذهبي الفم. فبلغت شكايات الارشدياكون يوحنا تسعاً وعشرين. وادعى الأسقف اسحق على الذهبي الفم أنه قبل في كنفه رهبان قالوا قول اوريجانس. وأنه تدخل في شؤون أبرشيات لا يتبعون إلى أسقفيته. ومن ثم الراهب اسحق قدم ثماني عشر شكوى منها “حنو القديس على الخطأة”!.


    وبينما كان الفرعون الإسكندري وأصحابه يفتلون الشر فتلاً ويحكمونه احكاماً قام غيرهم أربعون أسقفاً من القسطنطينية وغيرها ينظرون في ملافاة الخطر. أما الذهبي الفم فإنه طلب منهم أن لا يدع أحد منهم كنيسته لأجله. ثم كتب أعضاء السنديانة إلى الذهبي الفم أن يبرر نفسه أمامهم. فرد الأساقفة المجتمعون في القسطنطينية أن في هذا الطلب خروجاً على القوانين الموضوعة في نيقية. وأن أقلية مثلهم عليها أن تخضع لأكثرية مؤلفة من أربعين أسقفاً برئاسة سبعة مطارنة. ولكن الذهبي الفم وافق شريطة أن يترك المجمع أعدائه. فكان ثيوفيلوس قد قال في ليقية “إني منطلق لعزل الأسقف يوحنا”. فأبوا وأبى. واتخذوا قراراً بخلعه وبعثوا به إلى البلاط ونشروه في جميع كنائس العاصمة. ولم يُبنَ الحكم فيه إلا على أن المجمع دعاه أربع مرات فلم يحضر. وقد ضاعت أعمال هذا المجمع إلا ما نقله فوطيوس العظيم عنها.


    وهذه هي التهم التي وجهت للقديس:


    إن الذهبي الفم رقّى إلى درجة الكهنوت عبداً سابقاً متحرراً هو تيفريوس


    الذهبي الفم يأخذ حمامه اليومي وحيداً


    يأكل Bonbon Au Miel


    يأكل على إنفراد خضاراً مسلوقة


    في أيام الحر الشديد يضع بعض النقاط من النبيذ في الماء


    لا يرتب ثيابه الكهنوتية بعد الانتهاء من الخدم الإلهية


    وأكثر ما يضحك من بين التهم أن القديس الذهبي الفم ينام مع امرأة!!! وهذه التهمة التي حزت بنفسه فكتب إلى صديقه الأسقف سيرياكوس “يزعمون أيضاً أني أنام مع امرأة. ألا فليجردوا جسدي وينظروا الحالة المزرية التي فيها أعضائي”.


    وبعد أن انتهى المجمع من خلع الذهبي الفم جاء دور “الأخوة الطوال”. وكان عليهم أن يلفظوا هذه العبارة: “إذا كنا خطئنا فنحن تائبون ونطلب السماح والغفران”. وهكذا اختصر المجمع قضية الرهبان اللاجئين وانتظر الآباء المجتمعون تنفيذ الحكم بالذهبي الفم.


    نفيه إلى بيثينية:


    واستغاث الذهبي الفم بالكنيسة الجامعة وسأل عقد مجمع مسكوني ولم يخضع فوراً لحكم قضاة السنديانة بل ظل يواصل أعماله الرعائية يومين كاملين. وكان يقول: وما هي أفكارهم وآمالهم أيظنون أنهم يخيفوني بتهديدات الموت والموت عندي خير عظيم أم بالمنفى والأرض بكمالها للرب الذي وقفت له حياتي. إن يسوع معي فماذا أخشى. ولا انفكّ أقول لتكن مشيئتك يا رب فها أنذا بين يديك مستعد لأعمل وأتحمل بسرور ما يجري من معين رحمتك وما تأمر به إرادتك!


    ولم يتجرأ عمال الإمبراطور أن ينفذوا حكم السنديانة بالقوة لأن الشعب كان عازماً على مقابلة القوة بالقوة. ثم رغب القديس حباً بالسلام أن يسلم نفسه بأيدي الجنود دون علم الشعب فنقل في الليل إلى مرفأ هيرون على الوسفور فهام القديس على وجهه وظلّ تائهاً حتى وصل إلى بيت قروي قرب برينيت Prenetos في ساحل بيثينية فأوى إليه.


    رجوعه معززاً:


    واستيقظ الشعب عند الصباح ولم يجد أسقفه فغضب. واكتظت الشوارع بالناس وأحاط بعضهم بالقصر من كل جانب وصرخوا طالبين إرجاع أبيهم المنفي. وظلوا على هذا الحال حتى المساء. وفي هذا الوقت كان مؤمني القسطنطينية عازمون على إلقاء ثيوفيلوس إلى البحر، لأنه عدا عن تآمره على قديسهم. كان يريد تنصيب أسقفاً عليهم يكون موالٍ له. وكان -وهو الخبير في مهاجمة الكنائس- قد حاول أن يقمع أصوات المؤمنين المطالبين بعودة القديس بالقوة وسفك الدماء. فهرب في الليل إلى مصر. مسطحباً اسحق السوري، شريكه في المؤامرة. ومقسماً ألا يعود إلى القسطنطينية. وفي أواسط الليل أرجفت الأرض وتزلزلت أركان القصر الإمبراطوري. فاشتد خوف الإمبراطورة ورأت في ذلك انتقاماً ربانياً. فقالت لاركاديوس إن لم يعد الأسقف فليس لنا تاج ولا سلطات. فوكل اركاديوس إليها أن تفعل ما تشاء، فكتبت بخط يدها تبدي عذرها وأوفدت أحد رجالها ليرجو العودة. فلما عبر البوسفور أبى العودة إلى كرسيه تواً لئلا يخترق حرمة القانون الكنسي فإن خروجه كان بحكم مجمعي فكان لا بد من حكم مجمعي لعودته. فطلب من افدوكسيا دعوة إلى عقد مجمع صالح للنظر في الاتهامات المنسوبة إليه من مجمع اللصوص مجمع السنديانة. ولكن الشعب لم يقبل له عذراً فسار بموكب عظيم إلى كنيسة الرسل وأوجز في الكلام فبارك أسم الرب إلى الأبد: “أجل تبارك الله الذي يحيط الكايد ويقضي برجوع الراعي. تبارك الذي يثير العواصف. تبارك الذي يحلّ جليد الشتاء ويقمع هيجان الريح ليقوم مقامها الهدوء والصحو والسلام”. والتفت في كنيسة الحكمة الإلهية (أجيا صوفية) إلى كنيسته فتراءت له متوجة بإكليل سموي فهي العروس ساره العفيفة الطاهرة التي سعرت طلعتها الجميلة نار الهوى في جوانح فرعون. والإشارة هنا ثيوفيلوس الاسكندري.


    إلا أن افدوكسيا لم تعيد القديس من المنفى حبّاً به وعطف وحتى شعوراً بالذنب. بل كانت قد رأت في الزلازل عقاباً إلهيا لها. ولكنها كانت ما تزال تضمر الشر للقديس وتريد الانقضاض منه في الوقت المناسب.

    التآمر على الذهبي الفم



    وأرادت الأمبراطورة أن يكون لها تمثالاً أسوة بالأباطرة. وشُرع بتنفيذ هذه الرغبة. واختارت أن يكون مكان التمثال في أكبر ساحة في العاصمة، أمام كنيسة الحكمة الإلهية. واتحاشى القديس أن يصطدم معها ويؤنبها على هذه العادة الوثنية. إلا أن حاكم المدينة كان مانوياً يكره الذهبي الفم. فأقام لمناسبة الاحتفال بالتمثال ملعباً للرقص والشرب والمصارعة في الساحة المقابلة لأبواب الكنيسة. فلم يستطع الذهبي الفم صبراً. فذكّر المؤمنين أن هذه الملذات من شأنها أن تجدد قبائح الديانات الوثنية. ولا يجوز الاشتراك بها. وطلب من الحاكم أن يكف عن هذه الأعمال، المصاحبة لتدشين التمثال. ولكن بما أن الحاكم يكره القديس، نقل للأمبراطورة أن الذهبي الفم غير راضٍ عن مظاهر الاحترام لشخصها. وبالاتفاق معها رفع من وتيرة هذه الأعمال وقدم المشروب المسكر بكميات كبيرة، وعمل كل ما يستطيع نكاية في القديس. وهناك رواية تقول أن الذهبي الفم ألقى عظة ذكر فيها الأمبراطورة، وهناك من يقول أن هذه العظة ليست له وإنما ملفقة مزورة. وبكلتا الحالتين كانت الأمبراطورة تترصد الذهبي الفم. ورأت في معارضته لهذه الاحتفالات تحقير للأمبراطورة.


    وقامت افدوكسيا بتوجيه رسائل إلى الأساقفة المصريين الذين سبق لهم وحكموا على الذهبي الفم. وكتبت رسالة طويلة إلى الخبير في تصفية الناس، ثيوفيلوس الإسكندري. تحثه على القدوم إلى العاصمة. إلا أن هذا الفرعون كان عارفاً أن ظهوره في شوارع القسطنطينية يعني موته وجعله طعام لأسماك البحر. فقام بإرسال مندوبين عنه بعد أن لقنهم دروساً في كيفية تجديد الحكم على القديس. وأرسل اركاديوس دعوة لأساقفة آسية وأنطاكية. فلبى الدعوة بعضهم وأبى البعض الآخر خشية من اتساع الشقاق في الكنيسة. وحضر جميع أخصام الذهبي الفم والمتآمرين عليه.


    واستمع الأمبراطور إلى عشرة أساقفة من كلا الطرفين -الأعداء والأصدقاء-. وقبل دعوة الذهبي الفم. وقف أسقف مصري وسأل المجتمعين: ماذا جئنا نفعل؟ وأجاب الأساقفة أعداء الذهبي الفم: نحن مجتمعون لنحاكم الذهبي الفم ونحكم عليه، فابتسم المصري. ثم فسر لهم أن الذهبي الفم غير موجود بالنسبة لهم وللقوانين. فكيف يمكن استدعاء شخص غير موجود للمثول أمام القضاة. وتكلم المصري عن مجمع التكريس الأنطاكي سنة 341. وأن بعض قوانين ذلك المجمع تدين الذهبي الفم وتحكم عليه بما هم راغبون فيه. وقرأ عليهم القانون الرابع من المجمع وينص: “كل أسقف مخلوع من قبل مجمع، بعدل وبغير عدل. يسمح لنفسه بالرجوع إلى منصبه بمجرد سلطان وبدون أن ينال عفواً عن إدانته من المجمع نفسه ومن مجمع آخر. وبدون أن يدعوه القضاة أنفسهم إلى ممارسة حقوقه الكهنوتية -بدون أن يسمح له بالدفاع عن نفسه- هذا الأسقف وكل من يشترك معه يحرمون من شركة الكنيسة”. وتابع المصري استناداً إلى هذه المادة فإن المجمع الحالي ليس أمامه شكوى للنظر فيها. فمجمع السنديانة المنعقد برئاسة (الكلي التقوى) ثيوفيلوس قد خلع يوحنا الذهبي الفم.


    فهو إذن محروم ولا يحق له المثول أمام مجمع لأن الذهبي الفم ليس أسقفاً بل محروم. ادعى أنه كان مظلوماً. هذا لا يبرره. فقانون أنطاكية يقول صراحةً أبعدل أم بظلم، لا يحق للمحكوم أن يمارس حقوقه. ولا يحق له أن يستأنف ويدافع عن نفسه!! وطلب المصري ألا ينعقد المجمع. وهنا جاء دور البيذس أسقف لاذقية سورية. وطلب إلى أخصامه أن يوقعوا قانون أنطاكية كأنه عمل أرثوذكسي قبل تطبيقه على يوحنا الذهبي الفم. فاحتاروا في أمرهم لأنهم إن قبلوه تلطخوا بالآريوسية وإن أبو سقطت حجتهم. فلاذوا بالكذب ووعدوا بالتوقيع ثم أخلفوا. وبحسب نفس المجمع والقانون الخامس منه: “كل كاهن وأسقف طرد من الكنيسة واستمر في إثارة القلاقل والاضطرابات، فليحاكم من السلطة الخارجية كمشاغب”.


    وأشار المجمع المنعقد على أركاديوس بأن ينتهي من الذهبي الفم، مرة وإلى الأبد. فأرسل اركاديوس يسأل الذهبي الفم في الحكم. فأجاب أن كل أحكام المجمع المصري خاطئة.


    أولاً: إن قوانين المجمع الأنطاكي هرطوقية آريوسية. لا تعترف بها الكنيسة الأرثوذكسية.


    ثانياً: إن مجمعاً اكليريكياً-كنسياً لم يحكم عليه مطلقاً. وفي الواقع أن مجمع السنديانة لم يبلغ الذهبي الفم الحكم الصادر بحقه. وإنما ضابطاً امبراطورياً جاءه وقال له أن يتهيأ للرحيل. فبما أن لم يبلغه مجمع السنديانة الحكم الصادر عليه فهذا يعني أن الحكم غير واقع.


    ثالثاً: الذهبي الفم لا يطلب من المجمع أن يعيد له حقوقه. فحقوق القديس لم يسلبه إياها أحد. بل طلب من المجمع إظهار براءته من الاتهامات، ووضع حد للنميمة.




    نفي الذهبي الفم:


    وبعد العنصرة بخمسة أيام أي في التاسع من حزيران سنة 404. سار اكاكيوس وأعوانه إلى الأمبراطور وقالوا: إن الله لم يجعل في الأرض سلطاناً فوق سلطانك. وليس لك أن تتظاهر بأنك أكثر وداعة من الكهنة وأعظم قداسة من الأساقفة. وقد حملنا على رؤوسنا وزر عزل الأسقف يوحنا. فحذار مما ينجم عن إهمال التنفيذ. فأوفد أركاديوس أحد كبراء البلاط إلى الذهبي الفم، يسأله أن يهجر كنيسته ورعيته بالراحة العمومية. فأصغى القديس وقام إلى المنفى، فالموت. وصلّى وودع “ملاك الكنيسة” ثم ذهب إلى مصلى المعمودية ليودع الماسات الفاضلات اولمبياذة الأرملة القديسة وبناذية وبروكلة وسلفينة وقال لهن: لا تدعن شيئاً يخمد حرارة محبتكن للكنيسة.


    وخرج القديس خفية. وقبض عليه رجال الشرطة وعبروا به البحر إلى نيقية حيث ألقوه في السجن. واستبطأ الشعب خروج راعيهم فارتفعت جلبتهم في كنيسة الحكمة. وفيما هم على هذه الحال اتقدت نار تحت المنبر وحولته رماداً. ثم امتد لهيبها إلى السقف وسرى خارج الكنيسة. ثم دفعته ريح شمالية إلى الجنوب فبلغ قصر الشيوخ فقوضه. وأمست الكنيسة الكبرى صفصفاً ولم يسلم منها إلا آنية الافخارستية!.


    وأقام القديس في نيقية أربعين يوم وأكثر. وعلى الرغم مما كان عليه من مضايق السجن وغلاظة الجنود. فإن نفسه ظلت تتوقد غيرة على خلاص النفوس في سورية وفينيقية وتحطيم الوثنية. وكان صديقه قسطنديوس البار لا يزال يعمل في حقل الرب في تلال فينيقية وسهولها متكبداً أشد المصاعب من الوثنيني ومن “الأخوة الكذبة” فقيض الله الذهب الفم راهباً زاهداً في نيقية فاستقدمه الأسقف القديس إليه واستمال قلبه إلى التبشير في فينيقية وأرسله إلى صديقه قسطنديوس.


    وفي الرابع من آب سنة 404 قامت قوة من الحرس الأمبراطوري إلى نيقية لتنقل القديس إلى منفاه. وقضى أمر النفي بوجوب مواصلة السفر نهاراً وليلاً إجهاداً وتعجيلاً. وما كاد الذهبي الفم يصل إلى مداخل قيصرية قدوقية حتى وقع لا يعي حراكاً. فوق حراسه عن المسير وأذنوا له بشيء من الراحة. بيد أن فارتيوس أسقف قيصرية شدد النكير فاضطر الذهبي الفم أن “يخرج وينفض غبار رجليه”. وبعد سفر دام ستة وخمسين يوماً وصل الأسقف القديس في آخر أيلول إلى منفاه في بلدة كوكوس في شمالي طوروس. وعلى الرغم من إقفارها وحقارتها فإن الذهبي الفم ابتهج بمرآها لأنه أحب الانقطاع والراحة ولأن أهلها كانوا قد أوفدوا الرسل إلى قيصرية يسألونه قبول دعوتهم في بيوتهم ولأن اذلفيوس أسقفها كان على جانب من القداسة والطهارة ولأن جماعته الفقراء في المادة كانوا أغنياء بالتقوى والكمال. ومما زاد في سروره أنه لا في كوسوس صديقه القديم قسطنديوس الأنطاكي الذي اضطهد في أنطاكية لولائه وإخلاصه. وابتهج القديس ودهش عندما رأى الشماسة سبينة تنتظر قدومه في كوكوس. فإنها على الرغم من تقدمها في السن تجشمت مشقة الأسفار وسبقت راعيها إلى المنفى!.


    لقد بلغ الفم الذهبي الثامنة والخمسين من العمر. وفي 13 أيلول من سنة 407 كان القديس نائم، فأرسل الله إليه القديس باسيليكوس الشهيد الذي تُقام كنيسة على اسمه من منطقة كومان. وقال الشهيد للقديس الذهبي الفم: “تشجع يا أخي يوحنا، غداً سنكون مع بعض”، ثم حضر الشهيد عند كاهن الكنيسة وقال له: “هيء مكاناً لأخي يوحنا لأنه آتٍ ولن يتأخر”.


    وأيقظ الضابطان الذهبي الفم لمتابعة المسير ليلاً. واستعطفهما القديس أن يتمهلا عليه حتى بزوغ الفجر لأنه سيموت في الصباح. وضحك الضابطان وأرغماه على المسير. ومع الفجر شعر القديس بأن موته قد دنا. وطلب من الضابطين أن يرجعا به إلى كنيسة القديس باسيليكوس، لأنهم لم يقطعوا مسافة طويلة. وقبل الضابطان هذه المرة. وفي طريق العودة كان الذهبي الفم يسير بنشاط وهمة. كمن يأتي إلى محبوبه. وخلع ثيابه وارتدى قميصاً أبيضاً طويلاً. واستلقى على بلاط الكنيسة.. ثم قال: “المجد لله على كل شيء. آمين”.


    ومات الذهبي الفم



  3. #3
    من المشرفين القدامى
    CANDY
    تاريخ التسجيل: November-2012
    الدولة: على سطح القمر
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 4,008 المواضيع: 316
    التقييم: 968
    مزاجي: الحمد لله
    المهنة: logistic company
    أكلتي المفضلة: Healthy Food
    آخر نشاط: 27/March/2015
    شكرا للموضوع القيم

  4. #4
    مدير المنتدى
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: جهنم
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 84,944 المواضيع: 10,518
    صوتيات: 15 سوالف عراقية: 13
    التقييم: 87260
    مزاجي: متفائلة
    المهنة: Sin trabajo
    أكلتي المفضلة: pizza
    موبايلي: M12
    آخر نشاط: منذ 3 ساعات
    مقالات المدونة: 18
    شكرا كبرياء

  5. #5
    من أهل الدار
    ★l̃̾σ̃̾я̃̾d̃̾★
    شكرا لكم ولجميل
    تواجدكم الذي اسعدني
    شكرا للملكة على التقييم
    خالص الود والاحترام

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال