بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم

وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

السلام عليكم ورحمة الله وبركة


في هذه الأجواء كانت تعيش فاطمة وعلي وأهل البيت عليهم السلام ..
فقريش ضارية في عملها ضد عترة النبي وبني هاشم ، لكي تنفذ صحيفة المقاطعة الجديدة ضدهم ، كتلك التي نفذتها قبل ست عشرة سنة !
لقد تحملت فاطمة في رها سنوات طويلة جور صحيفة المقاطعة القرشية في شعب أبي طالب .. لكنها كانت في كنف أبيها خير البشر ، وأمها الصديقة خديجة الكبرى ، وكنف عشيرتها الأبطال بني هاشم ..
أما اليوم فهي تواجه صحيفة قرشية أشد وأعتى .. ولا من والد يرد عنها ، ولم يبق من رجال بني هاشم إلا علي والعباس وعقيل !
قالت قريش ليس من العدل أن يجمع محمد لبني هاشم بين النبوة والخلافة ، وائتمرت لمنعهم من الخلافة وتحالفت !
فكأن محمداً أعطى بني هاشم ومنع قريشاً من عند نفسه ! وكأن القرشيين لم يعرفوا الى الآن أن محمداً هو الذي كانوا يسمونه قبل بعثته ( الصادق الأمين ) صلى الله عليه وآله .. وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يوحى ) وقوله تعالى : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين ) !!
بلى والله لقد سمعوه ووعوه، لكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها! سبحانك اللهم .. أعطيت عترة نبيك وحرمت قريشاً .. فجعلتهم لهم فتنة ، وجعلت قريشاً لهم بلاء .. ! لا اعتراض على أمرك ، ولا شك في حكمتك !
كانت فاطمة تعد نفسها للمصائب التي ستنزلها قريش بالبيت النبوي.. ولكنها أرادت أن تبث شجونها وتسكب عبرتها أمام أبيها الحنون .. فدخلت عليه وهي تتأجج حزناً وألماً.. وشكت اليه أنها ترى الأفق ملبداً بالغيوم الداكنة ، وترى الأفاعي فاغرة تنتظر أن يغمض الرسول عينيه ، حتى تهاجمها مع زوجها وولديها !! فقد روت المصادر السنية والشيعية أجزاء من هذه الملحمة المؤثرة ، بين النبي وفاطمة .. ففي كمال الدين ص 262 :

( عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول : كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة عليها السلام ، فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت : يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك ، فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء، ثم قال : يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا ، وأنه حتم الفناء على جميع خلقه ، وأن الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض اطِّلاعةً فاختارني من خلقه فجعلني نبياً ، ثم اطَّلع إلى الأرض اطِّلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحى إلي أن أزوجك إياه وأتخذه ولياً ووزيراً وأن أجعله خليفتي في أمتي ، فأبوك خير أنبياء الله ورسله ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أول من يلحق بي من أهلي .

ثم اطَّلع إلى الأرض اطلاعة ثالثةً فاختارك وولديك ، فأنت سيدة نساء أهل الجنة ، وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة ، كلهم هادون مهديون ، وأول الأوصياء بعدي أخي علي ، ثم حسن ، ثم حسين ، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي ، وليس في الجنة درجة أقرب إلى الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم .
أما تعلمين يا بنية أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي ، وخير أهل بيتي أقدمهم سلماً ، وأعظمهم حلماً ، وأكثرهم علماً .
فاستبشرت فاطمة عليهما السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم قال : يا بنية إن لبعلك مناقب : إيمانه بالله ورسوله قبل كل أحد ، فلم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي ، وعلمه بكتاب الله عزوجل وسنتي، وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير علي ، وإن الله عز وجل علمني علماً لا يعلمه غيري وعلم ملائكته ورسله علماً ، فكلما علمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه ، وأمرني الله أن أعلمه إياه ففعلت ، فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وحكمتي غيره .
وإنك با بنية زوجته ، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمتي ، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، فإن الله جل وعز آتاه الحكمة وفصل الخطاب . وبابنية إنا أهل بيت أعطانا الله عزوجل ست خصال لم يعطها أحداً من الأولين كان قبلكم ، ولم يعطها أحداً من الآخرين غيرنا ، نبينا سيد الأنبياء والمرسلين ، وهو أبوك ، ووصينا سيد الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك . . . وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة مع الملائكة ، وإبناك حسن وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة ، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . قالت وأي هؤلاء الذين سميتم أفضل ؟
قال : علي بعدي أفضل أمتي ، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد علي ، وبعدك وبعد ابنيَّ وسبطي حسن وحسين ، وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا وأشار إلى الحسين ، منهم المهدي .
إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إليها وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال : يا سلمان أشهد الله أني سلم لمن سالمهم ، وحرب لمن حاربهم ، أما إنهم معي في الجنة .
ثم أقبل على علي عليه السلام فقال: يا أخي أنت ستبقى بعدي وستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك ، وإن لم تجد أعواناً فاصبر وكفَّ يدك ولا تلق بها إلى التهلكة ، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه ، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك ، فإنك بمنزلة هارون ومن تبعه ، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه . يا علي إن الله تبارك وتعالى قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة ، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من هذه الأمة ولا ينازع في شئ من أمره ، ولا يجحد المفضول لذي الفضل فضله . ولو شاء لعجل النقمة وكان منه التغيير حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره . ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة دار القرار ، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
فقال علي : الحمد لله شكراً على نعمائه ، وصبراً على بلائه ) ..


وهكذا علم النبي عزيزته الزهراء ووصيه علياً الرضا والتسليم ..
وهكذا كانت عبودية الانسان الكامل وإطاعته للخالق العظيم الحكيم ، مطلقةً من الشروط ، بريئةً من الذات ، خالصةً نقيةً من رواسب الطين .. فكان التكريم الرباني بمستوى تسليمهم المطلق لإرادته .. صلوات الله عليهم .
لقد فهمت فاطمة وعلي والحسنان . . أنهم أمام قدر الله وإرادته في الامتحان، وأن عليهم أن يدفعوا ضريبة العبودية .. فدفعوها بسخاء ، ورضوا بقدر الله تعالى ، وعيونهم تفيض بالدمع ، وقلوبهم تنبض بالخشوع والشكر !!

وهنيئاً لمن فهم بعض ما فهموا ، واستوعب بعض ما استوعبوا
.

منقول