اغتيال الزعماء والملوك والرؤساء والناشطين أيضًا، يسبب صدمة كبيرة لمن يعيشون تلك اللحظات. وإذا كانت كل الحكومات تحيط رؤساءها والأشخاص المهمين بها بحراسة قوية، إلا أن هذا لم يمنع من نجاح الاغتيالات، ويمكن لبعضها أن يسبب صدمة فقط للشعب والمحيطين، ولكن البعض الآخر يمتد صداه إلى مناطق متسعة من العالم. وفيما يلي أشهر الاغتيالات السياسية التي غيرت فعليًا وجه التاريخ.
أبرز الاغتيالات السياسية :
1- جون إف كيندي
لا يمكن أن يتم ذكر اسم الرئيس الـ 35 للولايات المتحدة الأمريكية جون إف كيندي في أي مكان بالعالم عمومًا، وفي بلاد العرب خصوصًا، دون ظهور حزن عميق من اغتياله، أو الترحم عليه كأبرز شهداء الاغتيالات السياسية في التاريخ. فرغم أنه لم يتول الرئاسة فعليًّا سوى لمدة عامين فقط من 1961-1963، إلا أنه أثر كثيرًا في تلك الحقبة التاريخية. وكان مُصِّرًا على نشر السلام ومنع الحرب وحظر التجارب النووية وغيرها، مما لم يعجب الكثير من المتعصبين.
ليتم اغتياله أثناء موكب سيارات في دالاس 22 نوفمبر 1963 على يد لي هارفي أوزوالد، والذي أطلق عليه الرصاص من نافذة مبنى يطل على خط سير الموكب. وما لبث أن تعرض القاتل نفسه إلى إطلاق النار أثناء محاكمته.
وتدور الكثير من الشبهات حول المتورطين في تلك الجريمة. منها ما قيل أنه تآمر للمخابرات الروسية، وبعضها أكد تورط المخابرات المركزية الأمريكية، ولكن في الحقيقة لم يتم الكشف عن تفاصيل رسمية رغم مرور أكثر من 25 سنة على الحادث. الحادث الذي لا يزال يثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن التحالفات الأمريكية والعلاقة مع كوبا وروسيا وغيرها.
2- يوليوس قيصر
الاغتيالات السياسية بدأت قديمًا في الواقع.
إذا كانت هناك شبهات في تورط مسؤولين أمريكيين بمقتل جون إف كيندي، فإن الأمر مؤكد تمامًا في حالة يوليوس قيصر؛ والذي تآمر عليه مجلس الشيوخ نتيجة الاختلاف في بعض الآراء الدينية وقتها. وتزعَّم المؤامرة كل من جايوس كاسيوس لونجينوس وماركوس بروتوس، والذي كان يعتبر من الأصدقاء المقربين ليوليوس قيصر.
وأدت تلك الجريمة -التي تمت في مارس عام 44 قبل الميلاد- إلى سقوط الجمهورية الرومانية بعد فترة قليلة. وذلك بعد الغضب الذي انطلق في الطبقات الوسطى والدنيا في روما كرد فعل على جريمة الاغتيال، واشتعلت الحرب الأهلية التي أسقطت الإمبراطورية.
3- مارتن لوثر كينغ
وهو واحد من أبرز الناشطين الاجتماعيين والسياسيين في رحلة إنهاء الفصل العنصري في أمريكا، وروّج إلى الاستراتيجيات غير العنيفة؛ مثل المسيرة الضخمة في واشنطن 1963 لتفعيل الحقوق المدنية وتطبيق بنود الدستور. وحصل على جائزة نوبل للسلام في عام 1964. وبذلك يكون واحدًا من أهم الأسماء التي ذكرها تاريخ الاغتيالات السياسية حصرًا.
وتم اغتياله عام 1968، وتأكيدًا على مكانته التاريخية؛ أقيمت عطلة وطنية على شرفه وتم بناء نصب تذكاري له بداخل المركز التجاري في واشنطن العاصمة. وظهرت الكثير من الدلائل التي تؤكد مشاركة المافيا والحكومة الأمريكية في جريمة الاغتيال، وذلك بعد أن نجح في كسب الكثير من الحقوق للعرق الأفريقي في أمريكا. إلا أن الكثير من المعلومات سيتم الكشف عنها عام 2027 وفقًا لقانون حرية المعلومات.
إلا أن جهوده -والتي لم تستمر أكثر من عقد من الزمان- ثم مؤامرة اغتياله، كانت من نقاط التحول العميقة في إقرار الحقوق المدنية الأمريكية لذوي البشرة السمراء، ونشرها وزيادة فاعلية المطالبة بها وحشد الكثير من الأنصار لها.
4- نظير بوتو
الاغتيالات السياسية غير مقتصرة على الدول الأوروبية فقط.
بوتو هي رئيسة وزراء باكستان لمرتين متتاليتين، وتعتبر أول امرأة في بلد مسلم تتولى هذا المنصب الذي يتم بالانتخاب، وهي أصلًا ابنة رئيس باكستان السابق: ذو الفقار علي بوتو. وتعرضت بنظير خلال فترة ولايتها للكثير من المؤامرات، وخصوصًا من رئيس البلاد برويز مشرف. والذي أقالها مرتين بتهمة الفساد رغم شعبيتها الطاغية.
وهربت إلى لندن عام 1999 بعد إدانتها بالفساد، وفي عام 2002 تم إصدار قرار بمنعها من دخول البلاد، ومع كثرة الضغوط التي تعرض لها الرئيس الباكستاني، أصدر عفوًا عنها عام 2007. وقررت العودة إلى بلادها وخوض انتخابات جديدة رغم كل التحذيرات، ليتم استهداف موكبها بتفجيرين انتحاريين، أسفرا عن مقتل 125 شخصًا. ولكنها نجت من الحادث، لتنجح المحاولة في 27 ديسمبر من العام نفسه باغتيالها بعد خروجها من مؤتمر شعبي لأنصارها.
وجعلت هذه المحاولات الكثير من الأنظار تلتفت إلى الحياة السياسية في باكستان، وتلقى الرئيس مشرف الكثير من اللوم وظلت الجريمة حديث العالم كله لفترة طويلة. خصوصًا أن بنظير درست في كل من هارفارد في أمريكا وأكسفورد في بريطانيا، مما جعل الأمر لا يمر بسلام مثل أي حادثة اغتيال عادية.
5- إسحاق رابين
وهو تقريبًا الإسرائيلي الوحيد الذي كان خبر وفاته فاجعة للعرب أكثر منه للإسرائيليين أنفسهم. فبعد توقيعه مباشرة على اتفاقية أوسلو التي تهدف إلى حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تعرض إلى الاغتيال على يد اليميني المتطرف يئال عمير في 4 نوفمبر 1995. لتعود المشاورات إلى نقطة الصفر من جديد، وما تحت الصفر أيضًا. وذلك بعد اكتساب الحزب اليميني المتطرف قوة أكبر وخوف أي مسؤول إسرائيلي من عقد أي معاهدة سلام مع الفلسطينيين يكون ثمنها حياته.
ربما الاغتيالات السياسية هنا تعيد فعلًا تشكيل التاريخ، لكن للأسوأ هذه المرة.
6- فرانسيس فيرديناند
حادثته هي من أشهر الاغتيالات السياسية في التاريخ، وهي التي أشعلت نيران الحرب العالمية الأولى، وتسببت في مقتل ملايين المواطنين حول العالم، وتدمير آلاف المنشآت. تولى الحكم في الثانية عشر من عمره أراد أن يخسر العرش بسبب رغبته في الزواج من صوفيا، والتي لم تكن تنتمي إلى الطبقة الملكية. إلا أن تنازله عن حق ورثته في العرش مكنته من استكمال مهمته على العرش.
وفي عام 1914 كانت الإمبراطورية النمساوية على وشك الانفجار فعليًّا، فهي متعددة العرقيات وتحكمها قلة من النبلاء المسيطرين على الكروات والبوسنة والهرسك والصرب والكروات والسلوفانيين. وكانت تلك العرقيات في إطار تمرد دائم على النمسا والمجر، بالرغم من أن فرديناند كان يسعى لإصلاح الأمر وإشراك تلك الطبقة في الحكم.
ومن الناحية الأخرى، كان الصربي جافريلو برينسيب الذي كان ينتمي إلى جماعة (اليد السوداء)، يخطط لشيء آخر. كانت ترى الجماعة ضرورة توحيد الشعوب السلافية وتحريرها من النمسا، وذلك باغتيال واحد من المسؤولين. لتنجح في التخلص من فرديناند خلال زيارته لسراييفو، لتهاجم بعدها النمسا والمجر صربيا. وتشارك ألمانيا في الأمر مع النمسا، لتدخل بريطانيا الحرب ضد ألمانيا وتصير الكارثة قائمة بالفعل.
7- المهاتما غاندي
أو المهندس غاندي، وهو واحد من أهم زعماء المقاومة السلمية في العالم الأجمع، وتعاليمه وأقواله تتم دراستها والاستشهاد بها، رغم ضآلة جسده والكثير من الانتقادات التي تعرض لها في حياته؛ وحتى بعد مماته. لذلك تكون حادثة اغتياله من الاغتيالات السياسية الأكثر تأثيرًا في التاريخ المعاصر.
فقد كان زعيمًا لحركة التحرر الهندية من الحكم البريطاني، وكان يعتبر الأب الروحي لبلاده، وحظي بتقدير عالمي نتيجة عقيدته في الاحتجاج السلمي لتحقيق التقدم السياسي والاجتماعي. وكان انقسام شبه القارة الهندية بين المسلمين والهندوس، واحدة من أكثر خيبات أمل غاندي. فبعد أعمال الشغب التي انطلقت بين الطائفتين في عامي 1946 و1947، قامت كل من الطائفتين بإلقاء اللوم على غاندي وتعاليمه وكانت من أكثر الفترات التي امتلأت بالشك والكراهية.
ونجح في أكثر من موقف في وقف أعمال الشغب. منها التي تمت في كلكتا سبتمبر 1947 بعد أن نذر صومًا مفتوحًا، وأيضًا في يناير 1948. إلا أنه تعرض للاغتيال على يد الهندوسي المتعصب ناثورام جودسي، والذي كانت وجهة نظره أن غاندي يعامل المسلمين باحترام أكثر من الهندوس لأنه يقرأ من تعاليم القرآن داخل المعابد الهندوسية، ولا يتم العمل بالمثل في المساجد.
وكان هذا الاغتيال -ولا يزال- واحدًا من أكثر المواقف التي أثرت ليس فقط في التاريخ الهندي، ولكن في تاريخ المنطقة كلها. فربما إذا كان تم الاستماع إلى تعليماته لكانت ظلت الوحدة كما هي.
ومهما كانت الدوافع والأسباب فإن الاغتيالات السياسية ستظل قائمة حتى نهاية العالم. ولكن منها ما يقتصر تأثيره محليًّا، أو على منطقة بعينها، ومنها ما يكون له صدى على المستوى العالمي.
دعاء رمزي - أراجيك