عبد الناصر صالح (شاعر فلسطيني)
إلى الفنان عبد التّمام..
الريشة التي انتصرت على القيد
ما زلتَ تنتظرُ انهمار الغيثِ
في زنزانةٍ أِلفَتْ حضورَكَ
كنت تسبِرُ غَوْرَها في صَفْوِ حُلْمِكَ
هل تُخَضّبُهُ السنابلُ؟
هل يبوحُ بسرِّهِ؟
لكَ ما غَنِمتَ من المواهبِ:
لوحةٌ
وقصيدةٌ
وصفاءُ أُغنيةٍ على الأرغولِ
حفلةُ دبكةٍ
وتراثُ أمجادٍ
ولوحةُ ثائرٍ
في السّجنِ تَدْهَمُكَ الأفاعي
والهِراوات الثقيلةُ
وانتصرْتَ على الرّدى
كم مرةً سيقودكَ الحُلْمُ الوريفُ إلى الحقيقةِ
كم ستنزفُ في مدارجها
وتكبُرُ؟
عُدْ قليلاً للوراء وغُطّ في نومٍ
تجدْ نبعَ الحكايةِ
فامتَثِلْ لثرائِهِ
هلْ كنتَ تجتزئُ المسافةَ بين روحِكَ والقيودِ؟
صَدَقْتَ ما أوْعَدْتَ
نبضُكَ زمزمٌ
فاصعدْ إلى الأرواحِ في عليائِها
واهبِطْ بها أرضَ الكرامةِ"كفرَ قاسمَ»
واستمعْ لغنائِها..
تترهّلُ الأغلالُ بين يديكَ
يرتبكُ المُحقّقُ
تُثْمِرُ الألوانُ في صفْوِ القِماشِ
على بساطِ يقينكَ المَرْجُوِّ
تنْفَطِرُ الوجوهُ محمّلاتٍ بالبراءةِ
«كفرُ قاسمَ» صورةٌ مختومةٌ بروائحِ الشّهداءِ
يقتسمونَ جنَّتَهُمْ
على ياقوتِها مُسْتَبْشرينَ
بدَوْحةِ الوَرَعِ المتيّمِ بالصّلاةِ
مُخلَّدينَ بروضة الأفْياءِ
لا شمسٌ تغيبُ
ولا ضجيجَ مع الصّدى
هل نازَعَتهُمْ نفسُهمْ مُتيقّظينَ بِنيّةِ الرّجعى؟
سقط الشعارُ من الأجندةِ
والأشقاءُ استقالوا من نقاطِ الضَّعفِ
وارْتَهَنوا لأمريكا..
فلا تَبْرَحْ مَكانَكَ عند خطّ النّارِ
وانشُرْ في مسيرتهم مِدادِكَ
من سيرجعُ مُغرَماً بِكِتابهِ ونوافِل البركاتِ
قَلبُكَ خاشِعٌ
فافتح مَواجِدَ روحكَ الظمأى
وهيّئ لوحةً أخرى لعودتهمْ
غداً يأتونَ
مَن يَدري؟
فمن سيكونُ غيرُكَ في ثنيّاتِ الهدى
ليعمّدَ الذكرى؟
صَدَقْتَ الوعدَ
واستفْحَلتَ في الموتيف
ما بين القُطوف الدانياتِ
فمن سَيـُسْهِبُ في نبوّتِهِ
وينجو من رصاصِ الحاكمِ السّاديَّ؟
وجهكَ واضحُ القَسَماتِ في المِحرابِ
مُنْفَتِحُ الرّؤى..
ويداكَ مجدافان دونَهُما العناءُ المِزُّ
والألوانُ باهتةٌ
فلا تذهب بعيداً في الوجيعةِ
دونكَ الشيطانُ ينتحلُ القريحةَ
يمضغُ اللونَ المؤجّجُ للخريطةِ
فاحتملْ ما أفرَزَتْهُ قساوةُ القفلِ البغيضِ
فهل ستشفعُ للحنين إذا أتاكَ
مُرادفاً للحزنِ؟
تأتي الريحُ طائشةً على ترنيمةِ النَّهَوَنْدِ
ها زَبَدٌ كثيف البرد
ينْخُرُ في مَهَبِّ الجوعِ أبْعَدَ من هديرِ الحَرْبِ
لا تذهبْ بعيداً في التَصوُّفِ
تحفظُ الرّؤيا بكارَتَها
وتتبعكَ القبائلُ والخرائطُ
في انهمارِ العمرِ مَجْدولاً بروحكَ
زحمةُ الألوان باهظةُ الحنينِ
فكم ستمكثُ بينها؟
لتُزيّن الأصقاعَ والطُّرُقَ الأليفةَ
يرتقي الّلاوعيُ مثلَ قصيدةٍ جدليّةٍ
ستُؤَرْشِفُ الغاباتِ
في أعوامِ غُرْبتِها،
فلا تَكتمْ نداءَ الرّاحلينَ
ومَنْ أتَوا مِنْ جَبْهَةِ الفُقَراءِ
ليس يُضيرُهُمْ نَهْجُ الخِيانَةِ
فاستمِعْ لِخِطابِهِمْ
واذهبْ بِريشَتِكَ الرّؤومِ إلى النّوارسِ
آتياتٌ لا مَحالةَ
فاسْتَحِثّ اللونَ ينفضُ ريشَها
وانْشُرْ مِدادَكَ في البِقاعِ
على جَناحِ الشّمسِ بَلسمِكَ المُفضّلِ
"كفرُ قاسمَ» صخرةٌ شمّاءُ
لحنٌ صادحٌ في الليلِ مُنْفَتِحٌ على الأفْلاكِ
قل: هذا ابتهالُكَ
لمْ تهاجرُ في المتاهةِ
أو رهَنْتَ يَراعَكَ الموزونَ للأصنامِ
تفعلُ فِعْلها..
فاسْقِ السّماءَ رهافةَ المعنى
وحقّقْ شَمْلَها
واطرُقْ على الخزّانِ
قل ما لستَ تجهَلُهُ
وسافِرْ في امتدادِ اللّوحَةِ الأولى
وطرّزْ جِذْعَها
كوفيةً سَمْراءَ تَنْفُذُ في دُخانِ الغَيْبِ
تستلقي قريباً من أصيصِ الرّوحِ
ساقيةً تُراقِصُ شُرفةً تلهو بها الأمواجُ
بابُ الكَهفِ مُنْسَرِحٌ على شِرْخِ التّغَوّلِ
من سَيُقْلعُ نحوَ يافا
يستجيرُ برملِها الوقّادِ
هل تُصغي لصوتِ غنائهِا؟
للقلبِ ثَوْرتُهُ البَديعَةُ في اجتراحِ العشق
هل يَثِبُ السّؤالُ إلى نَضارَتِهِ
وَيُنْبِئُ عن إجابةْ؟
لوحُ الكتابةِ فارغٌ
فاذْهَبْ بعيداً خارجَ النّصّ المُهَلْهَلِ
لا غَرابَة..
أن تُتْقِنَ الأرْضُ البُكاءَ
وتَستنيرَ بثورةِ الألوانِ
تلْجَأُ في خِضَمّ الإشتِباكِ إلى سُلالتِها..
كأنك تُنْطِقُ الأسماءَ
تَسْتَجْلي الحُروفَ عميقةً
في وَحْدَةِ الأطيافِ
هل تتهيّأُ الفرشاةُ؟
كم أغْرَقْتَ في وَجَعِ السّؤالِ
وأنت تَرسُمُ في الحِصارِ
زَخارِفَ العُمر المُقفّى
حُلمنا المأمولَ
أفواجَ المَسَرّةِ
ثابِتاً تَتَرَهّلُ القُضبانُ بينَ يديكَ
عمرُكَ لوحةٌ تَرْقى لِحِنّاءِ القِبابِ
ويقظةِ الشّهداءِ
فارسمْ حِنْطةَ الأرضِ التي أدْمَنْتَها
وانْهَضْ بما حملَ اللّواءُ من الخوارقِ
والبيارقِ
والعَقيدةْ..
لنرى على مِحْرابِها
غَدَنا المُوَثّقَ بالقصيدةْ..