رسم تخيلي لنجم قلب العقرب كعملاق أحمر (يونيفيرس توداي)
قلب العقرب "أنتارس" أو شبيه المريخ بلونه الأحمر، نجم من عمالقة السماء دون منازع، يفوق قطره قُطر شمسنا بـ 680 مرة، ولو وضع مكانها لابتلع مدارات الكواكب الأربعة الأولى، عطارد والزهرة والأرض والمريخ.
مؤخرا، اكتشف "مرصد ألما الأوروبي" (European ALMA Observatory) الموجود في صحراء تشيلي بأميركا الجنوبية، أن قلب العقرب يمتلك غلافا غازيا نشطا يمتد بعيدا عن النجم لأكثر من 12 مرة مثل قطره الأصلي، أي أنه سيملأ مدار كوكب أورانوس في كرة قطرها حوالي 6 مليارات كيلومتر.
ورغم أن كتلته لا تزيد على كتلة الشمس بأكثر من 12 مرة، فإن ضخامته بسبب مروره في مراحل عمره الأخيرة تجعله ساطعا في سماء الليل. وهو يبعد عنا قرابة 550 سنة ضوئية، أي أن ما نراه من ضوئه اليوم قد خرج منه قبل 550 سنة، ولربما انفجر بعد ذلك لكن خبر انفجاره في الطريق إلينا، ولَمّا يصل بعد.
نهايات النجوم.. أشكال وألوان
تنتهي حياة النجوم عادة على ثلاثة أشكال، القزم الأبيض والنجم النيوتروني والثقب الأسود، وذلك بحسب كتلتها وبعد استنفادها لوقودها من الهيدروجين الذي يبقيها نجوما طبيعية مستقرة لأكثر من 90% من فترة حياتها.
لكنها بعد ذلك تبدأ بالانكماش والتمدد بسبب نوع الغاز الذي سيحل محل الهيدروجين ويصبح وقودا نوويا يحافظ على ضوئها.
وبمجرد الانتقال إلى الهيليوم وهو العنصر الذي يلي الهيدروجين، يتمدد النجم ويصبح عملاقا أحمر، ويعود اللون الأحمر إلى درجة حرارة سطحه المنخفضة التي تقارب 3500 درجة فقط.
إذ إن ألوان النجوم هي علامات لدرجات حرارة سطوحها، فالأزرق أشدها حرارة بأكثر من 25 ألف درجة، يليه الأبيض بـ 11 ألف درجة، ثم الأصفر بـ 6 آلاف وأخيرا الأحمر بنحو 3500 فقط.
وبصرف النظر عن كون النجم الأحمر حديث الولادة أم عملاقا، فإن درجة الحرارة واحدة تقريبا.
السديم الذي خلفه انفجار "سوبرنوفا علي بن رضوان" سنة 1006، نسبة إلى مكتشفه العالم المصري (ويكيبيديا)
نهاية الوقود.. قدر محتوم
أما من الداخل، فيتغير الوقود تباعا إلى عناصر أثقل فأثقل، حتى ينتهي بالحديد، وهو أكثر العناصر استقرارا في الجدول الدوري، وفي تلك اللحظة يعلن النجم استسلامه وانتهاء وقوده تماما، فلا يعود قادرا على دمج أنوية الحديد، ليستسلم لقدره المحتوم بعد ذلك.
حيث تنذر عمالقة النجوم وفوق العمالقة منها، كما هو تصنيف "قلب العقرب"، بنهاية مدوية على شكل مستعر أعظم "سوبرنوفا" يسطع في السماء.
وذلك كحال بعض النجوم التي شوهدت تفعل ذلك ودونت صفاتها، وأشهرها نجم الفلكييْن المسلمَيْن ابن سينا وعلي بن رضوان المصري، حين انفجر في عام 1006م وبقي ساطعا في السماء أسفل برج الميزان في كوكبة السبع مدة ثلاثة أشهر كاملة قبل أن يخبو ضوؤه وينكدر.
لكنه خلف وراءه سديما لا نزال نرى بقاياه حتى يومنا. ولم يعثر الفلكيون أبدا على أي نجم نيوتروني ولا ثقب أسود إثر هذا الانفجار.
وقلب العقرب يملك المصير نفسه، فمن الممكن أن يندثر تماما، أو أن يترك بعده ثقبا أسود في وسط سديم منتشر في الفضاء.
برج العقرب ونجومه العربية كما في أطالس السماء الحديثة (هاني الضليع – برمجية ستار تشارت)
في التراث العربي
لم تخطئ أمة من الأمم يوما برج العقرب شكلا ووصفا، لكن المسلمين وصفوه بأبدع ما يمكن، إذ جعلوا له زبانين هما قرنا استشعار يمدهما أمامه ويقعان في برج الميزان، وله شولته التي يلدغ بها وهما نجمان في آخر ذيله، وله القلب، أسطع نجومه، وهو أحد منازل القمر التي ينزل فيها مرة كل شهر.
الأهم من ذلك أنهم شبهوا النجمين المحيطين بهذا القلب بـ "النياط"، وهما عظمتان في القفص الصدري للإنسان يحيطان بالقلب ويحميانه من الكدمات والصدمات، وقد أعطى علم الفلك الحديث اسم النياط لكل واحد من هذين النجمين.
ولا شك أن السماء تكتظ بأسماء النجوم العربية على الرغم من تحريف كتابتها أثناء نقلها إلى اللاتينية في أوروبا، فأصبحت لا تبدو عربية إلا لخبراء أسماء النجوم القلائل في العالم.
ومع ذلك فإن عدد النجوم ذات الأسماء العربية في خريطة السماء التي يعترف بها الاتحاد الفلكي الدولي رسميا تشكل ثلثي نجوم هذه الخريطة.
وأشهرها على الإطلاق نجم "يد الجوزاء" (Betelgeuse) و"الدبران" (Aldebaran) و"النسر الواقع" (Vega)، وغيرها الكثير.