وجد بحث جديد أن المصدر الأساسي للكربون في درب التبانة هو النجوم القزمة البيضاء (ناسا)
قد لا تفكر كثيرا في الكربون لكنك لن تكون على قيد الحياة من دونه؛ إنه المكون الرئيسي في المركّبات العضوية الموجودة في جميع الكائنات الحية على الأرض. ولكن من أين يأتي الكربون بالضبط؟ كان هذا موضوع بعض النقاشات بين العلماء.
فقد وجد بحث جديد أن المصدر الأساسي للكربون في درب التبانة هو النجوم القزمة البيضاء، وهي النوى الميتة للنجوم التي كانت تشبه إلى حد كبير شمسنا، وقد نشر البحث في دورية نيتشر أسترونومي (Nature Astronomy) في 5 يوليو/تموز الجاري.
عملية تكوّن الكربون
من المفهوم جيدا أن العناصر الأثقل من الهيدروجين والهيليوم تشكلها النجوم في جميع أنحاء الكون، ويمكن أن يؤدي اندماج العناصر في نوى النجوم إلى بناء عناصر ثقيلة مثل الحديد عبر عملية تسمى النوى النجمية، وحتى العناصر الأثقل يتم إنشاؤها من خلال عمليات مثل التقاط النيوترونات في المستعرات العظمى الضخمة.
ويتكون الكربون من خلال عملية تعرف باسم عملية ألفا الثلاثية، يتم فيها دمج 3 نوى هيليوم معا لتكوين الكربون، وهي عملية تحدث في نهاية عمر النجم.
ولكن لم يتضح لعلماء الفلك ما إذا كانت وفرة الكربون في مجرتنا ناتجة إلى حد كبير عن نجوم بحجم الشمس عندما تنهار بهدوء إلى أقزام بيضاء، أم أنها تأتي إذا انفجرت نجوم أكثر ضخامة عندما تتحول إلى مستعرات عظمى.
حدد الفريق الأقزام البيضاء في 5 سحب جزيئية باستخدام الملاحظات التي حصل عليها مرصد دبليو إم كيك في هاواي (ويكيبيديا)
تحليل أطياف النجوم
قام فريق من علماء الفلك بقيادة باولو ماريغو (Paolo Marigo) من جامعة بادوفا (University of Padova) في إيطاليا، بالبحث عن إجابات في عناقيد النجوم المفتوحة، وهي مجموعات تضم آلاف النجوم التي تتشابه تقريبا في العمر، وتكونت في نفس السحابة الجزيئية.
وحدد الفريق الأقزام البيضاء في 5 سحب جزيئية، باستخدام الملاحظات التي حصل عليها مرصد دبليو إم كيك (WM Keck) في هاواي عام 2018.
وقدمت هذه الملاحظات أطياف النجوم، وهي: "بصمات" الضوء التي يمكن فك شفرتها للكشف عن معلومات حول النجم، مثل درجة الحرارة (وبالتالي العمر)، والتركيب الكيميائي، والجاذبية السطحية (وبالتالي الكتلة).
ويوضح هذا الأمر عالم الفيزياء الفلكية إنريكو راميريز رويز (Enrico Ramirez-Ruiz) من جامعة كاليفورنيا سانتا كروز (University of California Santa Cruz) في تقرير عن الدراسة على موقع الجامعة، نقله موقع ساينس ألرت (Science Alert).
اعلان
يقول رويز "من تحليل أطياف كيك المرصودة، كان من الممكن قياس كتل الأقزام البيضاء. باستخدام نظرية التطور النجمي، تمكنا من تتبع النجوم السلفية واستخلاص كتلها عند الولادة".
كلما كان القزم الأبيض أكثر ضخامة كان النجم السلف الذي أنتجه أكبر (ناسا)
الأقزام وأسلافها
من المعروف أن كتلة النجم الميت مرتبطة بكتلة سلفه، فكلما كان القزم الأبيض أكثر ضخامة، كان النجم السلف الذي أنتجها أكبر.
وهذه الكتل ليست متشابهة تماما، نظرا لأن النجم السلف يخرج الكثير من المواد إلى الفضاء، وتُعرف هذه العلاقة بين كتلتي القزم الأبيض بعلاقة الكتلة الأولية النهائية.
في الأقزام البيضاء، يمكن حساب علاقة الكتلة إذا كان لديك طيف قزم أبيض. فهي -كالنجوم الميتة- لم تعد تندمج فيها النوى، وبالتالي فهي تبرد، وأي حرارة يحتفظ بها القزم الأبيض تكون متبقية من سلفه، وسوف تشع ببطء في الفضاء على مدى مليارات السنين.
فإذا عرفنا كتلته ودرجة حرارته وتركيبته الكيميائية، يمكننا حساب معدل هذا التبريد، وهذا بدوره يسمح لعلماء الفلك بحساب عمر القزم الأبيض.
ونظرا لأننا نعرف عمر مجموعات العناقيد المفتوحة، يمكننا طرح الوقت منذ الانهيار الأساسي من عمر المجموعة لمعرفة عمر النجم عندما مات، ويمكن استخدام هذه المعلومات لحساب الكتلة الأولية للنجم السلف.
في نهاية عمر سلف القزم الأبيض يندمج الهيليوم في الكربون، ليتم نقل الكربون إلى السطح ونفخه في الفضاء (ناسا)
علاقة النجم الأولي بالنهائي
لكن عندما قام الفريق بتطبيق هذا على بعض الأقزام البيضاء، خاصة تلك التي لديها كتلة السلف أعلى من كتلة الشمس بنحو 1.5 مرة، لاحظوا شيئا غريبا حقا.
كانت كتل الأقزام البيضاء أكبر مما كان متوقعا من حساب كتل أسلافها، وهو ما يسميه الفريق تعقد علاقة الأولي بالنهائي.
يقول ماريغو "تفسر دراستنا هذا الخلل في علاقة الكتلة الأولية بالنهائية على أنها التوقيع الناتج عن تخليق الكربون الذي صنعته النجوم المنخفضة الكتلة في مجرة درب التبانة".
ويعتقد الفريق أن هذا يحدث في سلف القزم الأبيض عند نهايات عمره، حيث يندمج الهيليوم في الكربون في أعماق قلبه، ثم يتم نقل هذا الكربون إلى السطح، حيث يتم نفخه في الفضاء في الرياح النجمية اللطيفة نسبيا.
ولأن العملية تحدث ببطء شديد، فإن النجم لديه الوقت لاكتساب الكتلة في القلب. إنه هذا القلب الأكثر ضخامة الذي ينهار في قزم أبيض أثقل من المتوقع.
وبشكل عام، يحدث هذا في النجوم التي لها كتلة أكثر من مثلي الشمس، ولكنه لا يظهر في النجوم التي تقل كتلتها عن 1.5 كتلة شمسية، مما يضع حدا أدنى جيدا لكتلة نجوم الكربون المتطايرة.