لم يجد الرومان سهولة فى غزو الجزر البريطانية، فبالرغم من أن الغزو بدأ فى عام 43 للميلاد، فإن الجنود الرومان لم يصلوا إلى اسكتلندا إلا بعد مدة طويلة. وقد قام البريطانيون بثورات عدة فى سبيل التحرر من النير الرومانى، ومن أهمها ثورة الملكة بوديكيا.
فى عام 61م توفى زوج بوديكيا الذى كان ملكاً على قبائل " الايسنى " التى كانت تقيم فى " نورفولك "، و كان الرومان قد سيطروا على أراضى المملكة كلها، وصادروا أملاكاً كثيرة أخرى، كما جعلوا عددأ من النبلاء عبيداً، وفرضوا ضرائب باهظة. وعندما أحتجت بوديكيا على مثل هذه الاعمال ضربت بالسياط و أهينت أبنيتها، لذلك قررت الثورة بمساعدة قبيلة " تروينو فانتيز " فى " سوفولك " التى أغتصبت أراضيها ومنحت للجنود الرومان الذين أستقروا فى مدينة " كولشتر ".
إن الثورة التى قادتها بوديكيا قد أخافت الرومان، وكانت مدينتهم الجديدة، كولشتر، بدون أسوار، ولم يكن هناك جنود رومان مستعدون للدفاع عن المدينة إلا على بعد 160 كلم. وكان سقوط تمثال النصر عن قاعدته فى المدينة نذير نحس، فراح الناس يسمعون الصيحات الغريبة فى الشوارع ليلاً. و سرعان ما تحولت تلك الأصوات الليلية إلى صيحات أطلقها جنود الملكة بوديكيا. وقد أحترقت المدينة الرومانية فى يوم واحد وهلك كل شئ، و الفرقة الرومانية التى توجهت للدفاع عنها حوصرت و أبيدت. ثم قتل الرومان فى قلاعهم النائية، و بدأت بوديكيا تتجه إلى لندن.
وكان الحاكم الرومانى العام " سوتونيوس بولينوس ط مع فرقته فى " انغليسى ". وبعد سماعه الانباء سار بمفرده إلى لندن، ثم تبعته فرقته بأقصى سرعة، و أرسل فى طلب الفرق الاخرى التى لم تصل فى الوقت المناسب. وكانت لندن بدون أسوار أيضاً، ومدينة كبيرة مترامية الأطراف إلى حد أنه كان من الصعب الدفاع عنها بالقوات المتوفرة. لذلك ترك القائد المدينة تلقى مصيرها السئ، فخربن بوديكيا لندن و سان البان، و كانتا من أعظم مدن مدن إنجلترا.
و أدرك بولينوس أن الخطر العظيم يكمن فى محاصرته، و لذلك أختار مكاناً فى وسط إنجلترا حيث كانت أحدى الغابات تحمى جانبه و مؤخرته، و عندما ظهر البريطان هاجمهم قبل أن يهاجموه، وحاصر بالعربات جنود بوديكيا كى لا يستطيعوا الفرار. بهذه المباغتة ضعف البريطان و فتك بهم الرومان، و أما الملكة بوديكيا فقد تجرعت السم بعد أن أدركت ضياع كل شئ.
أراد بولينوس أن ينتقم بعنف لقتل 70 ألف جندى رومانى، غير أن هذا كان يعنى الأستمرار فى القتال. لذلك رفضت روما أقتراحه و أرسلت حاكماً أخر يحمل شروطاً للسلم معتدلة.
وكانت تلك الثورة اخر الثورات الكبرى، و بعدها تعلم البريطان تقليد الرومان فى الخطابة و الزى، و العادات و التقاليد، وكانت هزيمة بوديكيا ضياع تقاليد البريطان القديمة.