✿ قصة من عالم البرزخ ✿
♡ رحلة البقاء 2 ♡
الجزء الاول
أفق من نومك ياسعيد، أما علمت باقتراب قيام الساعة والقيامة الكبرى؟ كيف تنام رغدا في جنان البرزخ، وبين أحضان الحور، وقد تحقق أول شرط من أشراطها!
نداء هز كياني كله ولم أكن نائما، بل غارقا في بحر من الفكر، سابحا في أمواج ذكريات عالم مضى، عالم الدنيا الذي انقضى وكأنه لم يكن إلا ساعة، أو أقل الساعة.
كنت أتذكر لحظات الموت، وكيف انتقلت من عالم الضيق والفناء، إلى الوسعة والبقاء...
كنت أتذكر أيام البرزخ التي قضيتها، ومراحل العذاب والنعيم فيه، وها هي آلاف من السنين مضت وتمضي والجميع بانتظار القيامة الكبرى!
كانت فرائصي تضطرب وخوفي يتعاظم كلما مر على فكري أمر القيامة والحساب، برغم أني أعيش في جنات ونعيم عالم البرزخ(1)، وبرغم القصور والبساتين، والحور والخدم من الملائكة الذين سخرهم ربي لخدمتي، وليس لديهم شغل شاغل غير ذلك.
مرت سنين وسنين، وكلما تحقق شرط من أشراط قيام الساعة في عالم الدنيا، تحدث ضجة كبرى بين سكان عالم البرزخ، وتری الخوف والاضطراب يغمرهم، وكثير منهم (حتى أصحاب الدرجات العالية) كانوا يعيشون حالة بين الخوف من الساعة والحساب، وبين الرجاء بالنجاة من أهوال ذلك اليوم العظيم.
مرت الأيام، وتشابكت الأحداث، وسالت دماء كثيرة على الأرض حتى غيرت لون أنهارها، بل أصبح اللون الأحمر هو
السائد فيها...
أحسست بيقين لا يخالطه الشك بأن الساعة آتية عن قريب ولا ريب فيها، خصوصا بعد أن كسفت الشمس في وسط رمضان، وخسف القمر في آخره(2)، وخرج أقوام يأجوج ومأجوج منتشرين في الأرض، وهم من كل حدب ينسلون(3).
وتوالت أحداث و آیات عجيبة غير مأهولة على أهل الأرض كان آخرها أن أشرقت الشمس من مغربها، وخرجت دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآيات الله لا يوقنون(4)، حينها تحقق مصداق الآية الكريمة ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ )..
أجل لقد انتقض الشك باليقين، وانتهى تكليف سكان الأرض فانتشروا فيها مرعوبين مذهولين، لا يعلمون ما يفعلون، والى أي وجهة يتوجهون!
أما الأرض فقد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وقال الإنسان ما لها(5)، هنالك نطقت بإذن ربها، وقالت: إنما هو أمر الجبار اذ أوحى لها بأن تخرج ما في بطونها من أثقال وأسرار، وأن تستعد لانقلاب وتغير شامل فيها، حينها تيقن الناس أنها النهاية ولا مناص منها.
واستمرت أحداث الأرض زلزال بعد زلزال، حتى ابتلعت معظم سكانها، وغاصوا في أعماقها الملتهبة، فلم تر لهم باقية.
كل شيء يشير إلى قرب حدوث تغير شامل وواسع في عالم الوجود، وبات من بقي من الناس حيارى سكارى، يرتطم بعضهم ببعض، وكل يفكر في نفسه ومصيره، ويتخلى عما سواه، حتى الأم تخلت عن ولدها، والمرضعة عن رضيعها، بل لشدة الخوف من العذاب المرتقب وضعت كل ذات حمل حملها، إذ كان يسقط الجنين من بطن أمه ولم تكن قد
اكتملت بعد خلقه(6).
تيقنت أنها مقدمات الساعة، فأصابني خوف كبير ورعشه شديدة. وكلما التقيت جماعة من سكان البرزخ، أرى صورهم قد تغيرت واصفرت خوفا من قيام الساعة، حينها يعظم هولي مما سيؤول إليه مصيري، وما رأيت أحدا مطمئن القلب، فيسليني ويهون علي ما سألاقيه في المستقبل المجهول، ثم ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ… ).
إنها نفخة إسرافيل الأولى لإماتة خلق الله، إذ انقطعت الحياة عن كل شيء، وماتت جميع الموجودات والكائنات، فلم يبق في عالم الوجود أثر لها، وباتت الأرواح ساكنة صامتة وفي داخلها فزع واضطراب عظيم، إلا أولئك العارفون بحقائق الوجود وأسراره، وقلوبهم غريقة بالمعرفة والمحبة الإلهية.
لم يسلم حتى جبرائيل وميكائيل من صعقة الموت، بل حتى اسرافيل وعزرائيل الذي كان آخر من بقي فقال له الله: مت يا ملك الموت، فمات!
لم تتوقف الأرض عن امتثال أوامر ربها، إذ ألقت ما فيها وتخلت، واندگت أجزائها دگا(7)، وتشققت أنهارها، وسجرت بحارها فالتهبت، وكأن الماء أصبح وقودا لاحتراقها(8)، ثم طغی ماءها فوق الأرض منبئاً بحدوث سیل عظیم بعد هطول أمطار غزيرة كثيفة.
وأما الجبال فقد تحركت، ونسفت نسفا، حتى أصبحت كالغزل المنفوش، والرمل المنثور الذي تناثرت ذراته هنا وهناك، ثم تطايرت في الفضاء، وأصبح مكانها ( فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا )(9)..
ماذا سيحدث من تغيرات بالكون وما مصير سعيد من ذلك.. هذا ما سنرويه لكم غدا..؟
فانتظرونا غدا مع الجزء الثاني