الرغبة الجارفة بِتقديم رواية سينمائية حربية من منظور أحادي يستند على رؤية خاصة بِالبطل؛ ولّدَت شعوراً عميقاً بِالإحباط والصدمة بعدما أطلقت شبكة Appel TV + عبر منصتها الرقمية العرض الأول للفيلم الحربي Greyhound، أحدث أفلام المخرج الأمريكي «آرون شنايدر» (1965) ومن كتابة وبطولة النجم السينمائي «توم هانكس» (1956)، والمقتبس عن رواية (The good shepherd-الراعي الصالح) الصادرة عام 2006 للكاتب البريطاني «c.s. forester»

الفيلم التاريخي المنتمي لنوع الحرب والدراما يفتقر بِوضوح تام لمقومات النوع الجاذبة للمُشاهِد، ويتخبط طوال مدته بِمكانه في استعراض بصري لِسيناريو ضعيف.

ما جعلنا نُصدَم بما وصلت إليه بعض شركات الانتاج في “هوليوود” من شحّ وإفلاس في ابتكار وصناعة محتوى سينمائي لائق !

مكان جديد دون تجدد

يستعرض الشريط رحلة حربية يقودها القائد البحري (إرنست كراوس: توم هانكس) مطلع العام 1942 في وقت مبكر من الحرب العالمية الثانية، الكابتن في البحرية الأمريكية يقوم بِأولى مهماته الميدانية، وعليه أن يقود أسطول الحلفاء لحماية السفن التجارية عبر المحيط الأطلسي من على متن المدمرة الأمريكية Greyhound ، ويعبر بهم بِسلامة نحو الشواطئ البريطانية، متجاوزاً خطر الغواصات الألمانية التّي تستغل فرصة غياب الحماية الجوية في منطقة تُدعى “البؤرة السوداء”.

يبدو موضوع الفيلم مثيراً للاهتمام، وجديداً في مكانه، بعدما تابعنا الكثير من الأفلام الحربية التّي تجري أحداثها على البرّ، بينما كانت نادرة أفلام الحرب العالمية التّي قدمت المعارك البحرية.

مما جعلنا نتوقع طرح لائق بالجديد المكاني، وفضول الجمهور لِمشاهدة خبايا الحرب في البحار بعد أن قرأ الكثير من أهوالها في كُتب المؤرخين.

لكن النتيجة كانت دون مستوى توقعاتنا بِكثير، فَسيناريو الفيلم هزيل جداً بِافتقاده للعمق الدرامي المؤثر والفعّال، فَلم نتتبع أحداثاً تحقق حالة ترقب ومفاجأة، وجاءت الأفعال المُحرِكة للشخصيات آلية الطابع، ومبالغة في انضباطها العسكري وصوابيتها الدقيقة، لا بشرية تعالج فكر وعاطفة التكوين الإنساني ضمن الظرف المتوتر.

وبالمحصلة؛ الفيلم عبارة عن كم هائل من أصوات الإيعازات والأوامر العسكرية التّي يطلقها القائد وينفذها الجنود في محاولة النجاة من كمين الغواصات الألمانية.

ارتباكات وخلاخل يعيشها أبطال الفيلم جاءت سطحية وخاصة بهم، وغير مهمة ولا مثيرة للمُشاهِد، مما جعل الشريط مملاً، وفارغاً من التجدد الفيلمي.

يبتدئ وينتهي بِمشهد مُقسَم للبطل في مقطورة استراحته بعد العبور وإنجاز المهمة، وما بين القسمين استرجاع (flash back) استعراضي فقير لِمسير الأسطول ومعركته.

محاولات مرتبكة لبناء شخصية سينمائية

من الصادم أن يكتب «توم هانكس» هكذا سيناريو! وهو الممثل القدير صاحب الخبرة الطويلة بعد عشرات الشخصيات السينمائية الناجحة في أفلام متميزة درامياً وبصرياً.

يبدو “هانكس” مُنحازاً بِحدة لِإعطاء شخصيته المساحة الأكبر بالشريط، وهو ما أثر بِسلبية شديدة على ضرورة طرح ودعم مقومات الصراع ضمن حبكة الفيلم.

فَالفيلم الحربي الجارية أحداثه بالمحيط؛ يُفترَض أن يقدم صعوبات المكان، والكفاح ضمنه ضد المياه والعوامل الجوية، وأن يخلق حالة تفاعلية بين شخصياته أكثر ديناميكية من مجرد أوامر وطاعة، وأن يُكثِف أحداثاً مُحرِكة بمواجهة العدو خلال ال 48 ساعة المفترضة من عمر المسار البحري للأسطول.

لا أن يكتفي بِطرح الصعوبات التقنية المتعلقة بأجهزة الملاحة، وضعف الاتصال، وفكّ التشفير.

وأمام هذا التفريغ لصالح ظهور الشخصية؛ نجد المشكلة الأكبر بالشريط في عدم قدرة الكاتب على بناء شخصية سينمائية وتطويرها بالشكل الأمثل.

فَالكابتن “كراوس” نجهل تماماً تاريخه وماضيه، ونطالع حاضره ضمن مهمته الأولى فقط، فَنجده شخصية نمطية لا غنى يُذكَر بِبواطنها.

حيث جاءت محاولات الكاتب مرتبكة بِرسم ملامح خاصة بالشخصية تميزها وتغنيها، أو تحدد مسببات ونتائج تصرفاتها، عبر ربطها ببعض الشخصيات بِخيوط نتوقع تحريكها لِصالح دفع وتطور الشخصية والأحداث، لكنها تتقطع سريعاً تاركةً سؤالاً كبيراً عن سبب وجودها المقحم بِالشريط !

يعطينا الفيلم معلومات حيادية التأثير عن الشخصية البطل، فَنجده شخصاً صالحاً، مؤمناً، ومتديناً، لكن تلك المعلومة الذاتية عنه لا تؤثر بِالأحداث !

كما نجده شخصاً طيباً يحترم جنوده ويقدر عملهم، دون أن أي تطويع لتلك الصفات بِالسرد الفيلمي.

ونتعرف على علاقة عاطفية تجمعه مع امرأة بالجيش الأمريكي في مشهد واحد، كما نتتبع اهتمامه وتقديره للطباخ الحربي المرافق لهُ، لكن بلا أي إضافة تحققها تلك العلاقات للشخصية وأفعالها !

نمطية بصرية مع ضجيج سمعي

رغم توافر فكرة مثيرة سينمائياً؛ لم يستطع “شنايدر” استغلال المادة التّي تولى إخراجها، فَلم يقدم أي جديد على الصعيد المرئي، سواءً في الكادرات الفقيرة، واللقطات المستنسخة، وتكرار أسلوب القطع المونتاجي بأفلام الحروب.

تلك النمطية البصرية، وشحّ الانتاج الواضح (ميزانية 50 مليون دولار فقط) تجعل ملاحظة عملية تصوير الفيلم ضمن استديو مغلق واضحة لكل صاحب خبرة.

وعلى صعيد الصوت؛ رغم استخدام أفضل الأنظمة الصوتية لدى شركة الانتاج، إلّا أنّ الجودة التقنية لم تستطع التغطية على اكتناف الشريط الصوتي بِكم هائل من الحوارات الفائضة وغير المفيدة، والمليئة بالمصطلحات البحرية الغير معروفة للمُشاهد العادي، مما جعلها ضجيجاً سمعياً مُرهِقاً للسمع !

استعراض ملحمي خجول

لطالما زخرت الأفلام التاريخية والحربية والمغامرات؛ بِتيمة (البطولة) ومعالجات ملحمية لها. يكتفي «greyhound» بِاستعراض ملحمي مباشر وخجول لِبطولة ماضية.

فَالطرح الكلاسيكي المفتقر للعمق الدرامي؛ جعل الفيلم وكأنه استرجاع لحكاية ترفض الغوص بِتفاصيلها، حكاية شخصيات تستعطف التمجيد دون شرح معاناتها وكشف واضح لِارتباكاتها الغابرة !

ومع نهايته المتوقعة مُسبقاً، يُصنَف الفيلم بِجدارة ضمن فئة (الأفلام سريعة النسيان) ويدفع للشكّ بِقدرة هوليوود على ابتكار طروحات جديدة وغير مسبوقة.





نوار عكاشة - أراجيك