قبل أكثر من 88 عاما منحت السماء محبي الفن واحدا من أمهر الملحنين في تاريخ مصر الحديث، ليسكن القلوب ببساطته وإحساسه المرهف وابتسامته المفعمة بالحب.. إنه بليغ حمدي الذي احتل مكانة متقدمة وسط جيل من الموسيقيين الموهوبين.
ولد الموسيقي الملهم بليغ حمدي 7 أكتوبر/تشرين الأول 1931، وظهرت موهبته منذ الصغر؛ لذا دعمه والده معلم الفيزياء بتعليمه العزف على آلة العود بعمر 9 سنوات، ثم السماح له بدخول مدرسة عبدالحفيظ إمام لدراسة أصول الموسيقى الشرقية.
دفعه شغفه بالموسيقى إلى الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى بجانب دراسته الحقوق، وحاول عدد كبير من أصدقائه إقناعه بالغناء، كما شجعه وسانده محمد حسن الشجاعي، مستشار الإذاعة المصرية آنذاك، فتشجع وقدم 4 أغنيات بصوته، لكنه أدرك سريعا أن موهبته الحقيقة تكمن في التلحين؛ لذا تراجع عن الغناء وسقط في غرام النوتة الموسيقية.
لعب الفنان الكبير محمد فوزي دورا مؤثرا في حياة بليغ حمدي، والبداية كانت بتقديم الأخير لحن أغنية "ماتحبنيش بالشكل ده" للراحلة فايزة أحمد، فشعر فوزي أن موسيقاه رشيقة وبسيطة وقرر أن يتعاونا.
وبمرور الأيام زادت مساحة الصداقة بين المبدعين، ولعب فوزي دورا في تلحين بليغ لـ"كوكب الشرق" أم كلثوم، عندما اعتذر عن تقديم أغنية لها ورشح صديقه بدلا منه، قائلا إنه "أمل مصر في الموسيقى".
بالفعل تعاون المخضرمان وقدما سويا "حب إيه" 1960، التي حققت نجاحا كبيرا وأصبحت علامة مميزة في تاريخ "كوكب الشرق"، وكانت سبيلا لشهرة بليغ، ثم قدم معها مجموعة من الأغنيات الرائعة، منها "أنساك"1961، "ظلمنا الحب" 1962، "بعيد عنك" 1965، "فات الميعاد" 1967 و"ألف ليلة وليلة" 1969.
"كوكب الشرق" لم تكن المخضرمة الوحيدة التي تعاون معها وقدما سويا أعمالا مميزة، إذ توهج بليغ مع عبدالحليم حافظ ولحن له مجموعة رائعة من الأغنيات، منها: "أي دمعة حزن لا"، "نبتدي منين الحكاية"، "تخونوه"، "حاول تفتكرني"، "مداح القمر"، "عدى النهار" و"موعود".
ويعد بليغ حمدي من أهم عوامل نجومية المطربة وردة الجزائرية، التي أحبها وتزوجها عام 1972، وقدم لها مجموعة من أهم الأغنيات التي صنعت نجاحها قبل أن ينفصلا بسبب غيرتها الشديدة من تعاونه مع ميادة الحناوي وسميرة سعيد وفايزة أحمد، مثل: "العيون السود"، "اسمعوني"، "وحشتوني"، "حنين"، "على الربابة" و"احضنوا الأيام".
ألحان بليغ كانت تحقق نجاحا كبيرا دائما؛ لذا تهافت كل عمالقة الغناء عليه معه مثل شادية وصباح وميادة الحناوي ومحمد رشدي وعزيزة جلال وهاني شاكر وعلى الحجار، كما قدم مع المنشد الديني سيد النقشبندي أعمالا مهمة، منها "مولاي".
عام 1984 انقلبت حياة بليغ حمدي رأسا على عقب، بالتحديد بعد العثور على جثة الفنانة المغربية سميرة مليان أسفل شرفة منزله، وطالته شائعات واتهامات كثيرة، لذا ترك مصر واستقر في العاصمة الفرنسية باريس 5 سنوات، ولم يعد للقاهرة حتى صدر حكم ببراءته عام 1989.
ورغم أن حمدي عاد لوطنه لكنه لم يعد لفنه، إذ حال المرض بينه وبين تقديم ألحان مميزة كما اعتاد جمهوره، فهاجمه بشراسة وأجبره على ملازمة الفراش، وفي 13 سبتمبر/أيلول 1993 رحل عن الدنيا بعمر 62 عاما؛ ليموت "ملك الموسيقى" وتظل ألحانه من بعده تملأ الشوارع وتغزو البيوت وتمنح المحبين أجمل اللحظات.