أتيح للمسلمين في العصور الوسطى أن يحوزوا قصب السبق في ميدان الرحلات والاكتشافات والدراسات الجغرافية، والحق أن ازدهار الحضارة الإسلامية وسيادة المسلمين في البر والبحر وطبيعة الدين الإسلامي، كل ذلك كان من شأنه أن يشجع على الأسفار والرحلات، ومن ثم كان هناك الكثير من الرحالة المسلمين المشهورين ومن بينهم الرحالة الجغرافي الأديب ياقوت الحموي.
نسب ياقوت الحموي ومولده
هو شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، رحالة، جغرافي، أديب، ولد في بلاد الروم عام 575هـ= 1179م، ولكن لا يُعرف أي شيء عن أسرته أو بلده أو أصوله سوى أنه أُسر صغيرًا، وحُمل إلى بغداد فابتاعه فيها تاجر حموي مقيم في بغداد اسمه عسكر، وسُمي بياقوت، وهو من الأسماء الشائعة التي تُطلق على الرقيق، ونظرًا لأن أباه الرومي كان غير معروف، فقد جعلوه عبدًا من عبيد الله وصار اسمه بالتالي ياقوت بن عبد الرومي، وألحقوا به "الحموي" نسبة إلى مولاه، لا لأنه ولد بحماه.
نشأة ياقوت الحموي وتعليمه
نشأ ياقوت الحموي مسلمًا، وكان مولاه عسكر لا يعرف الكتابة فعنى بتعليمه وتثقيفه لينتفع به ككاتب لأعماله التجارية، فتلقى ياقوت العلوم المعروفة حتى نال تعليمًا جيدًا، ثم اصطحبه معه مولاه في أسفاره التجارية، ثم أخذ يرسله بمفرده أطوارًا أخرى إلى الأصقاع المختلفة ولاسيما في منطقة الخليج العربي.
وفي سنة 596هـ= 1199م جرت بين ياقوت وبين مولاه عسكر نبوة أدت إلى عتقه، ثم حدث أنْ دب بينهما خلاف فعاش ياقوت من نسخ الكتب وبيعها، ولكن لم يمضي وقت طويل حتى عاد بينهما حبل الود، وأرجعه سيده إلى عهدته وكلفه بتجارة سافر بها، ولكن عند عودته إلى بغداد في سنة 606هـ وجد مولاه قد توفي، ومنذ ذلك الحين استقر ياقوت ببغداد واحترف بها مهنة استنساخ الكتب وتجارتها، وقادته هذه المهنة إلى الاطلاع على موارد الثقافة الإسلامية، ومعرفة العلماء والأعيان.
ياقوت الحموي.. رحلاته وأسفاره
لم يلبث ياقوت الحموي أنْ عاد بدءاً من عام 609هـ، إلى حياة الأسفار والرحلات دون أن يتخلى عن مهنته الجديدة، فجال في إيران وبلاد العرب وآسيا الصغرى ومصر والشام وبلاد ماء وراء النهر، وبدأ ياقوت تجواله مارًا بتبريز والموصل في طريقه إلى الشام ومصر، ثم بعد عدة سنوات عاد إلى دمشق في عام 613هـ، ثم غادرها إلى حلب ثم أرمية فتبريز ومنها إلى إيران الشرقية، وأمضى عامين بنيسابور حيث، ثم غادرها إلى هرات وسرخس وخراسان وخوارزم إلى أن بلغ مدينة مرو فأمضى بها ثلاثة أعوام تنقل فيها بين مكتباتها الشهيرة، وأخذ العلم على علمائها.
ياقوت الحموي.. مصنفاته ووفاته
لم يدون ياقوت الحموي أخبار رحلاته، ولكن لا ريب في أنَّ ما شاهده ياقوت الحموي في أسفاره، وما جمعه من الخزائن والمكتبات التي تردد عليها كان خير عُدة له في تأليف كتابه معجم البلدان الذي امتاز بترتيبه على حروف الهجاء، وبدقته واتساعه وجمعه بين الجغرافية والتاريخ والأدب، حتى أنَّ أحد المستشرقين قال فيه: إنَّه من المؤلفات التي يحق للإسلام أن يفخر بها كل الفخر، وقد فرغ ياقوت من تأليف هذا المعجم في سنة 621هـ= 1224م.
ومما يؤسف له أنَّه لم يستطع أحدًا أنْ يحدد مقدار ما أفاده ياقوت الحموي من رحلاته وأسفاره تحديدًا دقيقًا، فإنه نقل في معجمه عن كثير من الجغرافيين والرحالة والمؤرخين، ولم يعين الأقاليم التي زارها بنفسه وكتب عنها مشاهدته الخاصة مع أنه كان من أكثر العلماء طوافًا في عصره، ومن أشدهم عناية بالتاريخ الطبيعي ومظاهر الثقافة الشاملة، ومن أبعدهم عن الأخذ بالخرافات والأساطير.
وقد صنَّف ياقوت الحموي كتبًا أخرى غير معجمه نذكر منها: كتاب مراصد على أسماء الأماكن والبقاع، وكتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب الذي يُعرف أيضًا باسم معجم الأدباء، ومن مؤلفاته أيضًا: المبدأ والمآل في التاريخ، وكتاب الدول، وأخبار المتنبي، ومعجم الشعراء، وغير ذلك مما صنَّف وألَّف، وكانت وفاته في حلب سنة 626هـ= 1228م[1].
[1] دكتور زكي محمد حسن: الرحالة المسلمون في العصور الوسطى، دار الرائد العربي، بيروت، لبنان، 1401هـ= 1981م، ص102- 107م، وكمال بن محمد الريامي: مشاهير العرب والرحالة، كنوز للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1434هـ= 2013م، ص75- 78، ودكتور أحمد رمضان أحمد: الرحلة والرحالة المسلمون: دار البيان العربي للنشر والتوزيع، ص177- 188م.
قصة الإسلام