ا تعمد يسوع على يد يوحنا المعمدان حلّ عليه الروح القدس. وأيضاً قبل موته وعد يسوع بأنه سيرسل الروح القدس الذي يسميه المعزي، ليرشد ويقوّي تلاميذه في خدمتهم بعد صعوده إلى السماء. وبناءً على ذلك، فبعد صعود يسوع إلى السماء بعشرة أيام، انسكب الروح القدس من السماء فحلّ على جميع المؤمنين. وبقوة قدّموا رسالة المسيح للناس. وآمن مئات بيسوع المسيح. من هو الروح القدس؟ اعتقد البعض أن الروح القدس كان الملاك جبرائيل أو نبي ما. واعتقد آخرون أن الروح القدس كان مجرد شخص قدوس. ولكن من الكتاب المقدس نرى أن الروح القدس ليس من مخلوقات الله (الكائنات المخلوقة)، بل هو روح الله، وهو واحد مع الله. وهذا يصبح واضحاً عندما نلاحظ ما يفعله الروح القدس.
قال يسوع يوماً لإنسان متعلم يدعى نيقوديموس أن عليه أن يولد من جديد لكي يدخ ملكوت الله. ولكن عندما سأله نيقوديموس بانذهال كيف يمكن لرجل طاعن في السن أن يولد ثانية، أجابه يسوع أن الولادة الجديدة هي عمل الروح (القدس). من الواضح إذاً أنه كما أن الله وحده يمكن أن يخلق الحياة الجسدية، كذلك فإن الله وحده أيضاً يمكن أن يعطي الناس حياة روحية ويجعلهم كائنات جديدة. عندما يعيش الناس في الخطية يكونون أولاداً للشيطان، ولكن الله قادر على أن يغيرهم بروحه القدوس، وعندما يولدون من جديد يصبحون أبناء لله.
الروح القدس هو أيضاً كاتب أسفار الله المقدسة لأنه هو من علّم ووجّه أنبياء العهد القديم مثل داود وأشعياء. وعلى نفس المنوال، إن الروح القدس هو الذي قاد متى ولوقا وبولس وبقية كتّاب أسفار العهد الجديد ليكتبوا ما كتبوا، إذ أن الكتاب المقدس يقول: "لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2 بطرس 1: 21). كما أن روح الله قد قاد أولئك الذين كتبوا الأسفار المقدسة كذا فإن الروح القدس هو الدليل الحقيقي الوحيد الكامل لأولئك الذين يقرأونها. قال يسوع المسيح: "أَمَّا الْمُعَزِّي الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يوحنا 14: 26).
لا بد أن أتباع يسوع أصابهم الحزن الشديد عندما أخبرهم بأنه سيُصلب، وفيما بعد يصعد من الأرض إلى السماء. ولكن يسوع عزّاهم بان وعدهم بإرسال روحه القدوس ليرشدهم ويقويهم، وقال أنه هو نفسه سيكون معهم إلى الأبد بالروح. وبعد عشرة أيام من صعود يسوع، نزل الروح القدس من السماء على أتباع يسوع وحوّلهم. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، هذا الروح القدس نفسه ما برِح يمكث في أتباع المسيح الحقيقيين، وسيُقيم فيهم إلى الأبد كما وعدهم يسوع. من الهام أن نتذكر أن روح الله وحده يقدر على أن يفتح عيني موسى الخاطئ الأعمى ويُمَكِّن الناس من معرفة من يكون يسوع المسيح، كما هو مكتوب في الكتاب المقدس: "لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (1 كورنثوس 12: 3). لذا، فليس غريباً أن أولئك الذين ليس لديهم الروح القدس يجدون أنه من المستحيل أن ينادوا يسوع "رباً" أو "ابن الله".
كما أن الروح القدس يعطي المؤمنين ولادة جديدة ومعرفة حقيقية بمن هو يسوع، كذلك فهو أيضاً يفتح أعيُننا إلى إثمية قلوبنا ويُمكِّننا من التوبة ومن هجر خطايانا. ما أن يؤمن أي إنسان بيسوع، حتى يغفر الله له خطاياه ويقبله كابن له، ويعطيه قلباً جديداً. ولكن الطبيعة الخاطئة القديمة تبقى وتستمر في محاولة جذب الإنسان نحو الشر، والشيطان مستعد دائماً على إغوائه لكي يعصي الله. ولكن الروح القدس، الساكن فيه، يساعده على مقاومة الشرير، ويخلق فيه مواصفات مقدسة يرغب بها الله، كالمحبة، والنقاء، والحق، والفرح، والسلام. عمل الروح القدس هذا في المؤمنين يستمر طالما هم على هذه الأرض، فيغيرهم تدريجياً ويجعلهم أكثر فأكثر مشابهين لمعلّمهم يسوع. إذ أن هذه هي غاية الله لنا، أن نصبح جميعاً كاملين كما هو وحده كامل. ولكن، فقط عندما نبلغ السماء سنصبح كاملين مثل المسيح. وإن الروح القدس يساعدنا بطرق أخرى كثيرة، ويعلّمنا كيف نصلي، ويرشدنا، ويقوّينا إذ نحن نخدم المسيح.
ما نتعلمه من كل هذه الحقائق هو أن الروح القدس في المؤمنين هو الله حقاً ساكن فيهم. يا له من امتياز عظيم، أن الله العظيم والقدوس يمكث في الإنسان بروح قدسه! تلك هي أعظم هبة يمنحها الله للناس، عطية نفسه. لمن تُعطى هذه الهبة؟ نعلم أن الله في الأزمنة القديمة أعطى روحه القدوس إلى أنبيائه وإلى أناس أتقياء قديسين. ولكن عندما أعطى الله ابنه ليكون مخلص العالم أعطى أيضاً روحه القدوس لكل الذين يؤمنون بيسوع المسيح. قال يسوع مرةً: "فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟" وهو أيضاً صادق مخلص، وكلما آمن الناس بالمسيح وسلّموا ذواتهم له معتبرين إياه رباً لهم وطالبين من الله أن يمنحهم الروح القدس، فإنه دائماً يفعل ذلك. كما نطلب خبزنا كل يوم، كذلك، وطالما حيينا، علينا أن نطلب من الله على الدوام أن يملأنا بالروح القدس. قال يسوع: "اسْأَلُوا تُعْطَوْا" (لوقا 11: 9).