بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



لانزال نحدثك عن أدعية الزهراء (عليها السلام) ومنها الدعاء الذي ورد فيه: (واجعل الموت خير غائب انتظره وخير مطلع يطلع علي) ، هذا النص يحفل بدلالة مهمة من حيث الاشارة الى (الموت) وما يستجره من التداعيات المرتبطة بسلوك الانسان وصلة ذلك بآخرته. اذن: لنقرأ اولاً من جديد: (واجعل الموت خير غائب انتطره) ، ان هذه الفقرة تحفل ببلاغة فائقة قد نحدثك عنها في مناسبة اخرى ان شاء الله تعالى، ولکن ما نستهدفه الآن هو دلالتها الملفتة للنظر والمنطوية على طرافة ونکت تتصل بحادثة الموت وتداعياته، فما هذه التداعيات؟
لقد جعلت الزهراء (عليها السلام) الموت بمثابة شخصية غائبة ننتظرها، طبيعياً ان الشخصية الغائبة يقترن انتظار رجوعها بما هو مفرح، ولعل السؤال يتردد بين نمطين من الاستجابة احداهما تقول: ان الموت اذا حصل قبل الاستعداد له فان الاستجابة حياله، سلبية ولذلك ورد: (اللهم احيني اذا کانت الحياة خير لي وأمتني اذا کان الموت خيراً لي) . واما الاستجابة الاخرى فهي ايجابية بمعنى ان الانسان يفرح بموته لانه سينتقل الى حياة تغمرها رحمة الله تعالى، وهل ثمة سرور اکثر من مجاورة الله تعالى.
طبيعياً، ان البشر يتفاوتون في النظر الى الموت بحسب ما ذکرناه قبل قليل، ولکن ما نعتزم توضيحه هو ان النص الذي نحدثك عنه يتناول الموت من زاوية اخرى غير الزوايا التي ذکرناها قبل قليل، انه ينظر الى الموت من حيث کونه يتسبب الى ان تراجع الشخصية سلوکها، وتحاسب ذاتها على ما صدر منها من الطاعة او المعصية. من هنا جاءت العبارة القائلة: (خير غائب ننتظره) تعبيراً عن الاستعداد المذکور بمعنى ان الشخصية اذا تصورت الموت ، (خير غائب تنتظره) فهذا يعني: ان الشخصية تستعد لاستقبال الزائر بما يناسبه من السلوك فما هي هذه المناسبة؟
المناسبة هي: ان يتوب الانسان عن ذنوبه، وأن يمارس الطاعة بالنحو المطلوب، فاستقبال الموت هنا اسقبال استعداد لتغير السلوك من المعصية الى الطاعة ومن الطاعة الى تصاعدها بافضل سلوك ممکن، ولذلك يقترن مجيء الموت بالفرح لان الاستعداد للاستقبال يعني: تغيير السلوك نحو الاحسن وهذا هو المطلوب.
ونتجه الى الشطر الاخر من العبارة وهو: (وخير مطلع يطلع علي) ، فماذا نستلهم منها؟

الجواب: ان خير المطلعين هو: من يبصرك عيوبك، حيث ان الموت يجعلنا نلتفت الى ذنوبنا فنتوب الى الله تعالى توبة نصوحاً، ومن ثم: نتحفظ في صدور الممارسات منا، اي: لا نمارس عملاً الا ونضع في ذهننا ماهية هذا العمل وهل هو طاعة. وفي ضوء ذلك يکون اطلاع الموت على أعمالنا، سبباً في تغييرها الى الأحسن، وهذا هو المطلوب.
اذن امکننا ان نتبين اهمية وطرافة وعمق هذه العبارة الواردة في دعاء الزهراء (عليها السلام) سائلين الله تعالى ان يبصرنا بعيوبنا وان يوفقنا الى الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.