استخدام الغزل في افتتاح القصائد يرجع الى لزاوية نفسية .. ولا اعرف روحاً تسمع الشعر لا تطرب للغزل .. الغزل الذي يحاكي الروح والوجدان .. بعيداً عن ابتذاله .. فالغزل بهدوئه وشفافيته يمكن ان يخلق جوّاً نفسياً مريحاً للمتلقي يجعله يساير القصيدة ويتماهى معها.المشاركة الأصلية كتبت بواسطة راهب
وللشعراء مذاهب في مقدمات قصائدهم .. ولهم ايضا التصرف في القول باعتبارهم ملوكه .. فمنهم من يسهب في مقدمة قصيدته حتى يخال للمتلقي ان المقدمة قصيدة بحد ذاتها ... ولعل هذا يرجع للمساحة الشعورية التي يتعامل معها الشاعر لحظة القول .. ومدى تماهيه مع نصه الشعري، بينما نجد ان البعض وتبعاً للحالة النفسية قد يقتصر على عدد من الابيات الغزلية ثم ينتقل الى الغرض الاساس..
طبعاً في عصور الشعر الغابرة .. لا نجد غرضاً اساسياً للنص الشعري .. فاذا تكلم شاعرهم فانه لا يسكت .. والغريب في الامر انه يحفظ ما يقول .. حتى قيل ان للمتنبي قدرة حفظ رهيبة .. وانه يقرأ الكتاب عند النسّاخ فيحفظه خلال مدة وجيزة.
المتنبي سالفته سالفة ... لا تكاد قصيدة مدح واحدة لا تخلو من صوته .. بحيث يجعل نفسه معادلاً للمدوح .. يمدح نفسه ومن خلاله يمدح الممدوح .. وهو بهذا يحقق امرين .. يمدح الممدوح .. ويعرّض بالاخرين من خلال مدح نفسه .. وهذا يرجع للهمة العالية التي يتضمنها شعره .. حتى استحق بحق عبارة (مالئ الدنيا وشاغل الناس)
وهو مع هذه الهمة العالية يقترب من الغزل فيتخصر القول فيه ... لكنه اختصار جمالي مبدع ... فنجد قوله:
وعذلت اهل العشق حتى ذقته .... فعجبت كيف يموت من لا يعشق
والسؤال هنا ... هو ما مدى صحة ان المتنبي قد عشق؟؟
فلم اقف على خبر بانه قد عشق ... وهذا الامر يحيلنا الى العلاقة بين ان يعيش الشاعر التجربة الفعلية للقول حتى يقول ... وهو ما يثبت ان ليس بالضرورة ان الشاعر يعيش صراع نصّه الشعري ... وهذا ما ينطبق على السيد محمد سعيد الحبوبي في احدى موشحاته اذ يقول فيها ..
إسقني كأسا وخذ كأسا إليك ... فلذيذ العيش أن نشتركا
ولعل هذا البيت الشعري يكشف ان الحبوبي لم يشرب الخمرة .. وهو الدارس الديني في حوزة النجف .. والدليل ان المعروف لدى الندماء ان صاحب الجلسة يصب لنديمه وليس العكس ... وهذا ما اكتشفه احدى مومسات الهوى حين غنت هذه الموشحة ...
والعلاقة بين الغناء والشعر علاقة اصيلة .. فالشعر في اصله غناء .. تعاقباً صوتياً للحروف لينتج الشعر ... ولعل لغناء الجواري الفضل في كشف بين اسرار هذا الكائن القولي .. اذ اكتشف احدى الجواري عيب القافية عند النابغة الذبياني وهو ما يسمى الاقواء في القافية ومعناه تغيّر حركة حرف الروي في القصيدة ... في قول النابغة (وبذاك خبرنا الغراب الاسودُ) بالرفع مع ان القافية كانت دالية مجرورة .
وهذا ما يثبت ادعاءهم بانه الشاعر حينما يقوووول .. تتملكه رهبة القول فلا يكاد يعي الا بحسه الشعري ما يقول ... ولهم في طريقة القول مذاهب شتى .. اذ يقال ان جرير يصعد الى السطح فيلفّ نفسه بغطاء سميك ويبقى يهذي كالمحموم .. واما الفرزدق فانه يخرج الى الوادي ليلاً فيظلّ ينشد بصوت عال حتى يكمل قصيدته .. وهو ما يعتبره العرب نوعاً من الجنون .. بسبب طريقة القول من جهة ومن جهة اخرى .. جمالية القول وادهاشه
ولهذا قالوا عن الرسول الكريم انه شاعر مجنون .. فقد روي انه حين ينزل عليه الوحي يتزلزل حتى يغمى عليه ... بالاضافة الى بلاغة القرآن الكريم وشدة جماليته وادهاشه.
