لم يَروِ سيبويه عن الكوفيين من الشعر شيئا، إلا أنه ألمَّ بمذهبهم أربع مرات بأربع مسائل: ثلاث من علم القراءات ("أيَّهُمْ أَشَدُّ"، "فَتُذَكِّرُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى"، و"تَذَكَّرُونَ")، وواحدة من علم الصرف (فَيْعِل المكسور العين واويةً أو يائيةً)، من غير أن يكون في شيء منها شيء من الشعر!
ولقد زعموا أن الرُّؤاسيَّ ادعى على سيبويه أنه درس على الخليل كتابا له سماه "الفيصل"، وأنه إذا ذَكَرَ الكوفي فإنما يعنيه، ولا والله ما وقع لهذا الكوفي بالكتاب من ذكر -وما عن استخفاف به ولا بهم أقول ما أقول- إلا مثلما أوهمنا أحد الراحلين من كبار أدبائنا المعاصرين وكان تَلْمَذَ للعقاد، أنه إذا ذَكَرَ أنيس منصور "الفقي" بكتابه "في صالون العقاد"، فإنما عناه، وقد فلَّيته فلم أجد له فيه من ذكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ينبغي أن يعرف الناس أنه من كتاب سيبويه خرجت مذاهب العربية الأولى كلها، وتفرعت، واختلفت؛ فهو ينبوعها الذي منه نبعت، ومحورها الذي عليه دارت؛ "ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"!