تبدو لي كتب شرح الكلام العربي أنفع لِلنَّحْويِّ من كتب مسائله ؛ فربما لم يبتهج بكتاب مثلما يبتهج بكتاب لغوي في شرح نص من الكلام العربي المبين قرآنه وشعره ونثره ، ولم ينقطع لكتاب مثلما ينقطع له ، ولم يستوعب من مسائل علم النحو أنفسها مثلما يستوعب ما يرد في خلاله .
ثم تبدو لي كتب المجالس وأشباهها من كتب الأمالي ، من مثل: "مجالس ثعلب"، و"أمالي ابن الشجري"، وغيرها التي أنتجتها مجالس أصحابها لطلاب العلم ينظرون لهم كلما لقوهم ، في نصوص قصيرة خاصة أو مشكلة ، مُحَضَّرة أو مُقْتَرحة، ولا يتركونها حتى يشرحوا خُصوصيَّتها أو يزيلوا إشكالها ، مستطردين إلى ما لا يقع بكتب مسائل علم النحو من الأشباه والنظائر والأضداد والأمثلة والشواهد - أَحْظى بأول إقبال ذلك النَّحْويِّ، وأَدْعى إلى تأمله ، وأَرْوَحَ لقلبه ؛ فربما لا يكاد يمل تأمل نمط من المسائل حتى ينشط لتأمل غيره.
ثم تبدو لي كتب شرح الأمثال العربية القديمة ، من مثل : "الأمثال" للقاسم بن سلام ، و"مجمع الأمثال" للميداني ، وغيرها التي كانت على طريقة موادها نصوصا من الكلام العربي المبين قصيرة خاصة أو مشكلة - أَعْلَقَ لدى ذلك النَّحْويِّ بكتب الأمالي ؛ فربما بحث في تراكيبها المطردة والشاذة عن مسائلها النحوية ، ووقف في الكتاب الواحد من الأمثال على أنماط مختلفة ، ونظر فيما بينها من جوامع وفوارق ؛ فاطلع على طرف من موازنة أنماط الكلام المتزامنة .
ثم تبدو لي كتب شرح النصوص الطويلة (القصائد)، من مثل: "شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات" للأنباري ، و"الغيث المسجم" للصفدي ، وغيرها التي نازعت فيها عقولُ الشراح عقولَ أصحابها سياسةَ الكلام العربي - أَعْلَقَ لدى ذلك النَّحْويِّ بكتب شرح النصوص القصيرة (الأمثال)؛ فربما عكف منها على مسائل التراكيب الفنية الطريفة والتحريرات العلمية اللطيفة، حتى انتبه إلى فروق ما بين النصوص المتزامنة والمتعاقبة بعضها وبعض من جهة ، وفروق ما بين الشروح المتزامنة والمتعاقبة بعضها وبعض من جهة أخرى ، ووقف على أنماطها المختلفة؛ فاطلع على طرف آخر من موازنة أنماط الكلام المتزامنة والمتعاقبة.