يُقال إن الموسيقى وحدها مع الكلمات لا تموت وإن الموسيقى تعطي روحاً للكون، وأجنحةً للعقل، وتحليقاً في الخيال وحياةً في الشيء. فكم مِنا يلجأ للاستماع إلى الموسيقى عندما يشعر بضيق أو فرح بسبب ما تمنحه من راحة نفسية.
دفعت رغبة الفنانين بتقديم كل ما هو جديد وغير مألوف للجماهير، إلى البحث عن أنواع جديدة تشد المستمع إليها. فكان من الأساليب المتبعة اللجوء إلى الإيقاع الأجنبي ومزجه مع الموسيقى العربية ما أدى ذلك إلى انفتاح كبير تعرّف به العرب والغرب على إنتاجات بعضهم البعض.
سيلقي هذا المقال الضوء على التمازج والاقتباس بين الموسيقى العربية والتركية.
الموسيقى المزجية : عندما نقرن الأغنية العربية باللحن التركي
الموسيقى سحر الوجود فعلاً، وللأغاني تحديداً سحرٌ أقوى. لكن في كثير من الأحيان نشعر عند استماعنا لبعض الأغاني التركية أن الأغنية مشابهة وبدرجة كبيرة لأغنية عربية معروفة، حيث أصبحت هذه الظاهرة واسعة النطاق ومنتشرة بكثرة مؤخراً. لكن يتسائل المستمع هنا ما إن كان لحن الأغنية التي يستمع لها تعود لأغنية عربية أم تركية. وما إن كان التشابه الذي سمعته هو نتاج توارد أفكار وتشابه في الألحان أم مجرد استعارة فنية.
كان المطرب ناصيف زيتون من المطريين العرب الذين استعاروا من الألحان التركية لكلمات أغانيهم، فعلى سبيل المثال بعد إصداره لأغنية (منو شرط) وبعد ما نشره البعض أن لحن الأغنية هو في الواقع لحن تركي يعود للملحن يوسف هيال أوغلو. وضح بعدها ناصيف أنه استعار اللحن لأغنيته بسبب إعجابه الكبير بالأغنية عند استماعه لها.
كما كان الفنان حازم الشريف من المطربين العرب الذين لجأوا إلى الموسيقى والألحان التركية، ففي أغنيته (ندم) استعار لحن أغنية أوزان كوتشير، ليعود بعد فترة ويصدر الأغنية ثانيةً على طريقة الديو مع أوزان لتجمع بذلك الأغنية الكلمات العربية والتركية. أصدرت أيضاً الفنانة إليسا أغنيتها (ولا بعد سنين) بلحن تركي كانت قد استخدمته الفنانة إيزو في أغنيتها Git Diyemem.
عندما أصدرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي أغنيتها (غريبة هالدني) لاحظ المتابعون أن لحن الأغنية منسوخ من أغنية Seninle Çok İşim Var للفنانة التركية إبرو غونديش. واستخدم الفنان وائل كفوري في أغنيته (بالغرام) لحن أغنية Aramam التركية للفنان إبراهيم تاتليس.
والآن فلنعكس الموسيقى .. ونربط اللحن العربي بالأغنية التركية
في المقابل لجأ الكثير من الأتراك للألحان وبالطبع الموسيقى العربية ككل في أغانيهم، حيث يبدو أن الأتراك قدّروا الأعمال المميزة التي قدمتها فيروز والأخوين الرحباني في لبنان. فعلى سبيل المثال استخدم المغني التركي إركين كوراي عام 1974 في أغنية Eyvah (آه لا) لحن أغنية (وينن) التي أصدرتها فيروز عام 1972 وهي من تأليف وتلحين الأخوين الرحباني.
كما أصدرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم عام 2004 أغنية (إنت إيه) من ألحان سمير صفير وتأليف مصطفى مرسي وهي جزء من ألبومها الشهير (آه ونص). لتستخدمه بعد ذلك الفنانة التركية لارا وغنّت أغنية İhanetin Bekcisi (حارس لخيانتك) على نفس لحن أغنية إنت ايه.
ومن الأغاني الأخرى التي استخدم لحنها الأتراك هي أغنية (مين ده اللي نسيك) لنانسي عجرم، التي صدرت ضمن ألبوم (بتفكر في إيه) عام 2008. استخدم اللحن المغني التركي أوزان عام 2010 في أغنيته Yansın Dünya (نصف العالم). واستخدم الفنان مصطفى جيجلي في أغنيته Ille De Aşk لحن أغنية الفنان الشاب الخالد (هيا هيا).
الدويتو والتعاون العربي التركي المشترك
هناك من الفنانين الذين فضلوا إصدار أغانيهم مع الفنانين الأتراك وربما لجأوا إلى ذلك لزيادة شهرتهم وانتشار الموسيقى والأغاني خاصتهم في الوسط التركي. على سبيل المثال قامت المطربة اللبنانية نوال الزغبي مع النجم التركي سداد صندل، بالعمل على طرح أغنية جديدة دويتو بينهما حيث أن الأغنية ستصدر في الوطن العربي وتركيا.
ولعل شهرة المسلسلات التركية الكبيرة في الوطن العربي شجعت المنتجين والمخرجين على التعاون مع النجوم الأتراك؛ فهناك من الممثلين الأتراك مَن ظهروا في الأغاني المصورة العربية. على سبيل المثال ظهر النجم التركي كيفانش تتليتوغ في أغنية (ناويهالو) للفنانة رولا سعد. كما ظهرت الممثلة التركية بستمسو أوزدمير في كليب أغنية (حاجة مستخبية) للفنان المصري محمد حماقي، حيث أعربت الفنانة عن سعادتها لخوض هذه التجربة وشكرت حماقي على منحه هذه الفرصة لها.
هل تُعتبر الألحان المكررة مقتبسة أم مسروقة ؟
في كثير من الأحيان يتعامل العديد من النقاد والمستمعين مع موضوع الاقتباس بنوع من الحساسية المبالغ بها، بل حتى يقوم البعض أيضاً بوصف الفنان بأنه سارق. ومن الجدير بالذكر أن الاقتباس هو ظاهرة طبيعية في الموسيقى العالمية، حيث أن الاقتباس الموسيقي ظهر في أعمال عمالقة الموسيقى العالمية مثل موزارت وباخ وبتهوفن وتشيكوفسكي وآخرين. حيث اقتبس بعضهم من التُراث الشَعبي والكنيسي الأوروبي كما أنهم اقتبسوا من بعضهم البعض كذلك.
ومن الأمثلة عن الاقتباسات العالمية اقتباسات بيتهوفن لبعض المقاطع في سيمفونيته الخامسة، من سيمفونية موزارت الأربعينية. وبسبب تطابق ألحان سيمفونية برامس الأولى مع السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، أطلق عليه النقاد عليها اسم السيمفونية العاشرة لبيتهوفن. مع العلم أن بيتهوفن لم يكتب سوى تسع سيمفونيات.
قام محمد عبد الوهاب باقتباس ألحان بعض أغانيه من الموسيقى والألحان الغربية؛ فافتتح أغنيته (أحب عيشة الحرية) بالألحان الأربعة المشهورة في سيمفونية بيتهوفن الخامسة، وتلاها بعد ذلك ألحان من أغنية رومانسية تركية. بالإضافة إلى ذلك اقتبس الأخوين الرحباني لحن من السيمفونية الأربعينية لموزارت في أغنية فيروز المعروفة (يا أنا يا أنا أنا وياك).
في النهاية تدل جميع هذه الأمثلة أن الألحان المكررة لا تُعتبر مسروقة، بل قد تعبر عن الإعجاب الشديد للفنان باللحن لدرجة رغبته باستخدامه في أغانيه الخاصة.
فاطمة أحمد - أراجيك