مرحباً
قيل إن " القناعة كنز لا يفنى" حتى صار هذا الحديث محط الرحال لكل من يبحث عن دليل في حديثـه الذي جاء عنالرضا وعدم الطمع وما شابه ذلك.
فما هو تعريف القناعة لغة وإصطلاحا؟
معنى القناعة لغةً: القناعة مصدر قَنِع، بالكسر، يقنَع قُنوعًا وقناعةً إذا رضي، وقَنَعَ، بالفتح، يقنَع قُنوعًا إذا سأل،والقُنوع: الرضا باليسير من العطاء. وقال بعض أهل العلم: "إن القُنوع قد يكون بمعنى الرضا، والقانع بمعنى الراضي.
معنى القناعة اصطلاحًا: "القناعة: هي الرضا بما أعطى الله" (مشارق الأنوار؛ لأبي الفضل البستي: [2/187]). وقالالسيوطي: "القناعة: الرضا بما دون الكفاية، وترك التشوُّف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود" (معجم مقاليد العلوم:[205-217])
إذا القناعة هي نوع من الاكتفاء المحمود، والذي يدل عن الاستغناء وعدم الحاجة إلى المزيد مما هو في مورد الحاجة أوالطلب.
ولكن ..! بين القناعة وتطبيقاتها والشعور المرضي للنفس بعد تحقق ذلك، ينمو الجهل بشكل ملون ومتشعب بخطورة كبيرة، فأين تكمن خطورة الإيمان بالقناعة في ظل ثقافة محدودة؟
الرضا بما يناله الفرد بقدر معين.. والجلوس دون المحاولة لزيادة ذلك القدر! هو ذلك الخطر غير الواضح والذي يقضيعلى طموح الفرد من حيث يشعر أو لا يشعر.
القناعة بما قسم الله لنا شيء، والتكاسل عن الطلب والطموح لمقامات مادية ومعنوية أفضل مما نحن فيه شيء آخر. واللبس الذي يحصل هو نتاج مزيج من المقدمات الفعالة، فالتشابة بين المعطيين وبوجود نسبة لا بأس بها من الجهل.. وقع المحذور وتمكنت آفة الجهل من جعل البصيرة الضعيفة ترى أن التكاسل عن الهمة في طلب الأفضل المباح والمشروعفضلاً عن كونه مستحباً أو واجباً.. تراه عدم قناعة! و وقوع في أشكال مع النفس لانها أُصيبت بالطمع وهي صفة رذيلة لايمكن لمبصر الاستجابة لها فضلاً عن أن ذلك مخالف للخلق الديني لو كان ذلك الفرد متدينًا.
إذًا الأمر لا يتعلق بدين الفرد أو خلقه أو حتى بيئته أو زمانه ومكانه، الأمر يتعلق بأفضل ما يملك، الأمر يتعلق بعقلـــه،لأنه ميزان الأمور و المدرك لحقائقها.
أقول : لا تقفوا عند حد معين وتقولوا هذه قناعاتنا ! ماذا عن الطموح والأحلام وطلب الأفضل !؟ التميز يأتي من المثابرةوالمثابرة تأتي من الهمة والهمة تُبنى على طموحات وأحلام ومن حق كل إنسان أن يأتي بتلك السلسلة والسير علىخطاها.. متنعماً بنتائجهـــا.
بقيت لمحة صغيرة..
ما هو الفرق الجوهري والواضح بين القناعة و ما تقدم ذكره؟ كيف للقناعة أن تكون أكتفاء محمود أو غير محمود؟
وذلك سؤال رغم وقعه المدوي إلا إن إجابته بسيطة و واضحة وطارقة للعقل وهي :
الاكتفاء عن الطموح غير المشروع والهدف المحرم (بكل مقدماته) هذه هي القناعة.. والعكس بالعكس.
بمعنى؛ أن الإنسان الذي يطلب المنزلة الأعلى والرزق الأوفر دون الأكتفاء بما لديه على شريطة شرعية ذلك الطلب وعدمتقاطعه مع الدين والخلق والإنسانية هو إنسان طموح وأصاب الحقيقة، على نقيض الإنسان الذي قيد نفسه بقيد منصنعه جهلاً، كالذي جلس على مائدة طعام حلال ممتنعاً عن الأكل وهو في غاية الجوع! بناءً على كونه قنوع مكتفي.
والله أعلم.
الفقير جواد الزهيراوي