وهب بن حباب الكلبي .رضوان الله عليه
نود أن نشير الى العلامات المضيئة التي أحاطت بوهب وأسرته التي شاركت معه في واقعة الطف، وكان من قبل نصرانياً:
أولاً: أسلم وهب على يدي الإمام الحسين عليه السلام قبل (10) أيام من شهادته.
ثانياً: لم يمض على عرسه وزوجته غير (17) يوماً فقط قبل واقعة الطف.
ثالثاً: كان عمره في الطف قد بلغ خمس وعشرون عاماً.
رابعاً: شارك في الطف مقاتلاً، وشاركت معه زوجته وكانت أول شهيدة في الطف تنال شرف الشهادة مع الإمام الحسين عليه السلام، كما شاركت معهم أمه أم وهب ناصرة ومعينة.
المقدمة التأريخية التعريفية
لقد برز وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي، وقد كانت معه أمه يومئذ، فقالت : قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أفعل يا أماه ولا أقصر، فبرز وهو يقول :
إن تنكروني فأنا ابن الكلبِ...سوف تروني وترون ضربي
وحملتي وصورتي في الحربِ ... ......أدرك ثأر بي بعد ثأر صحبي
وأدفع الكرب أما الكربِ ......ليس جهادي في الوغى باللعبِ
ثم حمل ، فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى أمه وأمرأته فوقف عليهما ، فقال: يا أماه أرضيت؟ فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام، فقالت أمرأته: بالله لا تفجعني في نفسك، فقالت أمه يا بني لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله، فرجع قائلا :
أني زعيم لك أم وهب بالطعن فيهم تارة والضربِ
ضرب غلام موقن بالرب حتى يذيق القوم مر الحربِ
حسبي إلهي من عليم حسبي
فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا وأثنى عشر راجلا ، ثم قطعت يداه ، فأخذت امرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول :فذاك أبي وأمي، قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأقبل كي يردها إلى النساء فأخذت بجانب ثوبه فقالت: لن أعود أو أموت معك، فقال الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيت خيرا، ارجعي إلى النساء رحمك الله ، فانصرفت وجعل يقاتل حتى قتل رحمه الله .. فذهبت أمرأته تمسح الدم عن وجهه، فبصر بها شمر، فأمر غلاماً له فضربها بعمود كان معه وشدخها وقتلها، وهي أول أمرة قتلت في عسكر الإمام الحسين عليه السلام.
رؤية وتحليل
أولا: أشترك وهب، وأمه أم وهب، وزوجته سوية في حاضرة الطف، وكانت أمه تشجعه على المشاركة والقتال ونصرة الإمام الحسين عليه السلام، وكانت تطلب منه أن يكون شهيداً في هذه المعركة المشرفة، إذ تعتبر ذلك شرف لكل من يقف الى جانب الإمام الحسين عليه السلام وقد كان مطيعاً لنداء والدته.
ثانياً: ظاهرة الشِعْر في المعركة أسلوب تقليدي وارد في تلك المرحلة التأريخية لذلك كان أكثر العرب وجزء من شخصيتهم أستخدام الشعر في المعركة ولذلك سُمِعَ قوله وكان على مسمع من القوم ومن كان في حضرة الطف يُسمع مايقول وهب رضوان الله تعالى عليه وعلى أمه وزوجته.
ثالثاً: استطاع هذا المقاتل أن يحارب وينتصر على مجموعة من الأعداء قبل أن يستشهد، وهذا يدلل على بطولته ورجولته.
رابعاً: رغم أن زوجته بعاطفتها الفطرية أرادت أن تثنيه وتَرُدَّه عن القتال، لكن أمه قالت له إن الجنة أفضل لك من الحياة الدنيا.. وهاهي الشفاعة بين يديك فلاتفرط فيها فأستجاب وهب لأقوى الندائين فأختار نداء أمه وذهب ليقاتل الأعداء.
ولما قطعت يداه في القتال، أندفعت تلك الزوجة صاحبة العاطفة فحملت عمودا لتقاتل به أعداء الله ولتشارك في الدفاع عن حُرم رسول الله، فأكرمها الإمام الحسين عليه السلام هي وزوجها وأمه، ومدح الإمام ذلك البيت المواسي، ودعا لهم بالخير.¨
(1) هو عبد الله بن عمير بن عباس بن عبد قيس بن عليم بن جناب الكلبي العليمي ، أبو وهب ، كان عبد الله بن عمير بطلا شجاعا شريفا ، نزل الكوفة واتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا ، فنزلها ومعه زوجته أم وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط .
قال أبو مخنف : فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين ( عليه السلام ) ، فسأل عنهم ، فقيل له : يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ، فقال : والله ! ! لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا ، وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين ، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع ، وأعلمها بما يريد ، فقالت له : أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك ، افعل وأخرجني معك :
قال : فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا فأقام معه ، فلما دنا عمر بن سعد ورمى بسهم فارتمى الناس ، خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله ، فقالا : من يبارز ؟ ليخرج إلينا بعضكم ، فوثب حبيب وبرير ، فقال لهما الحسين :
اجلسا ، فقام عبد الله بن عمير فقال : أبا عبد الله ! رحمك الله ائذن لي لأخرج إليهما : فرأى الحسين رجلا آدم طوالا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين ، فقال < الحسين > : " إني لأحسبه للأقران قتالا " اخرج إن شئت ، فخرج إليهما ، فقالا له : من أنت ؟ فانتسب لهما ، فقالا : لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير .
ويسار مستنتل أمام سالم ، فقال له عبد الله : يا بن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ؟ ! أو يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك ؟ ! ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد ، فإنه لمشتغل يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم ، فصاح به أصحابه قد رهقك العبد ، فلم يأبه له حتى غشيه فبدره بضربة فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى ، ثم مال عليه فضربه حتى قتله ، وأقبل إلى الحسين ( عليه السلام ) يرتجز أمامه و قد قتلهما جميعا فيقول :
إن تنكروني فأنا ابن كلب * حسبي ببيتي في عليم حسبي
إني امرؤ ذو مرة وعصب * ولست بالخوار عند النكب
إني زعيم لك أم وهب * بالطعن فيهم مقدما والضرب
قال : فأخذت أم وهب امرأته عمودا ، ثم أقبلت نحو زوجها تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فأقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ، وتقول : < إني > لن أدعك دون أن أموت معك ، ( وإن يمينه سدكت على السيف ويساره مقطوعة أصابعها فلا يستطيع رد امرأته ) (2) فجاء إليها الحسين ( عليه السلام ) وقال : " جزيتم من أهل بيت خيرا ، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن ، فإنه ليس على النساء قتال " فانصرفت إليهن (3) .
وقال أبو جعفر : حمل عمرو بن الحجاج الزبيدي على الميمنة فثبتوا له وجثوا على الركب ، وأشرعوا الرماح فلم تقدم الخيل ، وحمل شمر على الميسرة فثبتوا له وطاعنوه .
وقاتل الكلبي ، وكان في المسيرة قتال ذي لبد ، وقتل من القوم رجالا فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي و بكير بن حي التيمي من تيم الله بن ثعلبة ، فقتلاه (4) .
وقال أبو مخنف : ثم عطفت الميمنة والميسرة والخيل والرجال على أصحاب الحسين فاقتتلوا قتالا شديدا وصرع أكثرهم فبانت بهم القلة ، وانجلت الغبرة فخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح التراب عنه وتقول : هنيئا لك الجنة ! أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك ، فقال شمر لغلامه رستم : إضرب رأسها بالعمود ، فضرب رأسها فشدخه ، فماتت مكانه (5) .
( ضبط الغريب ) مما وقع في هذه الترجمة :
( عليم ) : بالتصغير ، فخذ من جناب .
( جناب ) : بالجيم والنون والباء الموحدة بطن من كلب . ويمضى في بعض الكتب حباب وهو غلط .
( طوالا ) : كغراب الطويل وكرمان المفرط الطول .
( مستنتل ) : تقدم معناه .
( رهقك ) : أي غشيك ودنا منك .
( لم يأبه له ) : أي لم يبال ، يقال بالمعلوم ويقال بالمجهول ، والمجهول أكثر .
( حسبي ببيتي في عليم ) : لم يفهم بعض أن عليم عشيرته فظنها عليم وأبدل البيت حسبي إلهي من عليم ، وهو غلط واضح .
( ذو مرة ) : بكسر الميم أي صاحب قوة .
( وعصب ) : بفتح العين وسكون الصاد أي شدة .
( الخوار ) : ككتان الضعيف .
( سدكت ) : لزمت وذلك لجمود الدم عليها من كثرة القتلى .
فالى أرواح تلك الأسرة التي رزقها الله الشهادة في سبيله بين يدي الإمام الحسين عليه السلام الف الف رحمة، ونسأله تعالى أن يرزقنا شفاعتهم يوم لاظل إلا ظله.