أن سمو التواصل الاجتماعي هو من سمو الإنسان الذي خلقه الله تعالى وسلّحه بمنافذ المعرفة وأجهزة طلبها في ذاته، وهيأ له وسائط لتلقيها.
وتعد الكتابة والقراءة والتحدث (المحاضرة والخطابة…) والاستماع مهارات أساسية لا غنى عنها ليتحقق التواصل الإنساني؛ الكتابة والقراءة بما هما حوار عن بعد بين القارئ والكاتب لا تتاح معه فرصة التواصل والنقد في غالب الأحوال إلا بالكتابة، والخطابة والمحاضرة -على ما بينهما من فروق في الشكل والمضمون رغم وجود بعض التقاطعات- بما هما تواصل مباشر يضمن الاستماع للأفكار والمبادئ والقناعات… ومن ثم النقد لها قبولا وتأييدا أو شجبا وتفنيدا.
وفي هذا الموضوع سيتم الحديث عن المحاضرة وكيفية نجاح المحاضر فيها إعدادا وإلقاء ومناقشة، باعتدال بين التطويل الممل والاختصار المخل. فماذا يقصد بالمحاضرة قديما وحديثا؟ وما زاد المحاضر في إعدادها؟ وما هي عوامل نجاحه في الإلقاء؟ وكيف يجعل من المناقشة تحد وفرصة إثبات للذات وكسب تقدير الحضور لها؟
وقبل الغوص في ثنايا الموضوع وتفاصيله لا بأس بتوطئته بمقدمات ضرورية تهم بداية كل محاضر وصيرورة تجربته في المحاضرة.
أ.. مقدمات لا بد منها
1- من البداية المتواضعة إلى التمكن
تعتري المحاضر الذي يحاضر لأول مرة حالة نفسية عادة ما يكتنفها الخجل والارتباك والخوف من الفشل والتهيب من نظرة الآخرين … قد تكون البداية عند البعض موفقة لكن غالبا ما تكون بداية العديد من المحاضرين خجولة، مخيبة لآمالهم، والأمر طبيعي لا ينبغي الاستسلام له، ففشل البدايات ولادة لنجاح مرتقب ما تم اقتحام عقبة الخوف والتحلي بالتفاؤل وتوقع النجاح والتسلح بالإعداد الجيد والتدرب المتواصل واغتنام فرص الإلقاء المتاحة والبحث عن أخرى لبلوغ درجة من التمكن تكسب المحاضر احتراما وتقديرا.
٢.. الاطلاع على تجارب الآخرين
لا يكفي المحاضر ليصل إلى درجة التمكن معرفة القواعد العلمية لإعداد وإلقاء المحاضرة، والاعتماد على النفس دون استشارة أهل الخبرة بهذا الفن، بل يلزمه الاطلاع على تجاربهم من خلال حضور محاضراتهم أو الاستماع إليها أو الاتصال بهم للاستفادة منهم والنهل من أساليبهم، ولا بأس أن يتخذ المحاضر المبتدئ محاضرا قدوة له، شريطة أن يتحرر بتدرج حتى يصبغ محاضراته ويبصمها ببصمات شخصية تعكس تفكيره ونظرته للأمور وتميز ذاته عن غيره.
٣..بين التخصص والموسوعية
لم يمنع كثيرا من أهل العلم سابقا وحتى حديثا التخصص والملكة الراسخة في علم من الإحاطة بقواعد وأصول العلوم الأخرى بل وكثير من جزئياتها وفروعها، لكن الغالب في هذا العصر هو الاتجاه في منحى التخصص؛ فصار من المحال التمكن في فروع العلم الواحد.
على الرغم من ذلك، حري بالمحاضر الذي يتشوف للنجاح في محاضراته وفي تجربته المهنية والعلمية بالأساس، أن يتضلع إلى جانب الفرع المعرفي المتخصص فيه في علوم متقاطعة معه أو جوانب معرفية أخرى تسعفه ليكون مشعا في وسطه الثقافي.
٤.. الحذر من التسويف
من العقبات التي تعترض سبيل بعض المحاضرين التسويف ؛ ذلك أنهم يرجئون إعداد المحاضرات إلى وقت الفراغ متذرعين بعدم وجود الوقت، لكن تخصيص وقت يسير كل يوم للعمل عليها يزيدها ضبطا ويضفي عليها جمالية وجودة ويضمن نجاحه فيها. وإذا كانت المحاضرة معدة مسبقا يحسن تحيينها وتعديلها زيادة وحذفا إن دعت الضرورة إلى ذلك خاصة وأن المعارف تتقادم بسرعة في عصر الانفجار المعرفي والثورة المعلوماتية، فمن الخطل ما يقع فيه كثير من المحاضرين من الإحساس باكتمال العلم والاغترار بما وصل إليه العقل في وقت معين فتغيب الرغبة في الاستزادة من العلم.
٥.. المحاضرة: مزايا وعيوب
كل أسلوب تعليمي يحمل في ثناياه مزايا وعيوب ، فالمحاضرة تفيد في التعليم الجامعي حيث توجد أعداد كبيرة من الطلاب، وتفيد كذلك في مخاطبة جمهور عريض من الناس، فتضمن إيصال معلومات غزيرة في وقت يسير، لكنها رغم هذه الإيجابية لها عيوب تتمثل في جعل دور المتلقي محصورا في غالب الأحوال في الاستماع، مما يؤدي إلى ضعف التركيز وحصول الشرود الذهني والشعور بالملل.
وليتفادى المحاضر هذه العيوب وتثمر محاضرته، لا غنى له عن التسلح بالقواعد العلمية لإعداد وإلقاء المحاضرة، وقبل بيان ذلك مشفوعا بكيفية الاستماع لها لا مندوحة من تعريفها.