إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس كانَ مِزاجُها كافُوراً(5)
عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً(6)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً(7)
وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً(8)
إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً(9)
إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً(10)
«سورة الدهر / الآيات 5 ـ 10»
أبعاد البحث
إن أحد الفضائل والمناقب المهمة للإمام علي (عليه السلام) بل فضائل أهل البيت ومناقبهم هو ما ورد في آيات سورة الإنسان حيث تحدّث القرآن الكريم في ثمانية عشر آية من 31 آية من هذه السورة حول هذه الفضيلة العظيمة، وبعض الآيات الشريفة هذه تحدّثت عن أصل القضية، وهناك أربعة عشر آية اُخرى تحدّثت عن جزاء وثواب هذا العمل العظيم الذي قامت به هذه الاُسرة الطاهرة، وسوف يأتي تفاصيل هذه الواقعة وتفسير هذه الآيات الكريمة لاحقاً.
شأن النزول
لقد ذكرت كتب التفسير شأن نزول هذه الآيات محل البحث، وقد أورد العلاّمة الأميني في كتابه «الغدير» شأن نزولها من أربعة وثلاثين كتباً من كتب أهل السنّة(1)، ونقل القاضي نورالله الشوشتري هذا المطلب من 36 كتاباً من كتبهم(2)، وعلى هذا الأساس فإنّ شأن النزول لهذه الآيات متواتر تقريباً، وخلاصة ما ورد في شأن نزولها والمتّفق عليه في جميع المصادر الروائية والتفسيرية هو مايلي : إنّ الحسن والحسين مرضا فعادهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ناس معه فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام فشفيا وما معهم شيء فاستقرض عليّ ثلاثة أصوع شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال : السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ محمّد مسكينٌ من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثاروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء(3)، فأصبحوا صياماً فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم سائل يتيم فآثاروه ووقف عليهم أسير(4)
في الثالثة ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ عليّ بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلما أبصرهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال : ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم وقام وانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل إليه جبرئيل وقال : خذها يا محمّد هنئك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة.
1 . الغدير : ج 3، ص 107، ونذكر هنا عشرة مصادر ممّا ذكره الغدير في شأن نزول هذه الآيات : 1 ـ نوادر الاُصول : ص 64، 2 ـ العقد الفريد : ج 3، ص 42، 3 ـ الكشف والبيان : ص 307 ـ 427، 4 ـ المناقب للخوارزمي : ص 180، 5 ـ مطالب السؤول : ص 31، 6 ـ نور الأبصار : ص 12 ـ 14، 7 ـ فتح القدير : ج 5، ص 338، 8 ـ روح البيان : ج 10، ص 268، 9 ـ الاصابة : ج 4، ص 387، 10 ـ الدرّ المنثور : ج 6، ص 299.
2 . احقاق الحقّ : ج 3، ص 157، ونذكر هنا عشرة مصادر أيضاً من الكتب التي ذكرها صاحب احقاق الحقّ في شأن نزول الآيات المذكورة 1 ـ الكشاف : ج 4، ص 169، 2 ـ أسباب النزول : ص 331، 3 ـ معالم التنزيل : ج 7، ص 159، 4 ـ التفسير الكبير : ج 3، ص 243، 5 ـ التذكرة لابن الجوزي : ص 322، 6 ـ كفاية الطالب : ص 701، 7 ـ تفسير القرطبي : ج 19، ص 129، 8 ـ ذخائر العقبى : ص 102، 9 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 1، ص 7، 10 ـ تفسير العلاّمة النيشابوري : ج 29، ص 5112.
3 . وفي هذا الزمان نرى التنوع في الأطعمة على مائدة الافطار وقد تنتهي مع الأسف بكفران النعمة وعدم الشكر بحيث لو لم يكن في المائدة سوى نوعان من الطعام فإن البعض يظهر التذمّر والإمتعاض، وهذه الحالة تنذر بالخطر، ولكن وضع المسلمين في ذلك الزمان لم يكن جيداً، وكان أكثر الناس يشبعون بالخبز والماء فقط.
4 . كان المسلمون في صدر الإسلام عندما يقع في أيديهم أسرى الكفّار يسترقونهم ويستخدموهم لإنجاز بعض الأعمال الحياتية، ولكن بعض المسلمين لم يكن قادراً على توفير ما يحتاجه من ضروريات الحياة، فكانوا يعتقون هؤلاء الأسرى، وبما أن هؤلاء الأسرى لم يكن لديهم من يعيلهم في مكّة والمدينة فكانوا يسألون الناس لتحصيل قوتهم وطعامهم.
الشرح والتفسير
الخصائص الخمسة لأهل البيت (عليهم السلام)
إنّ أربعة آيات من الآيات الثمانية عشر في هذه السورة تتحدّث عن أصل العمل الذي قام به هؤلاء الأشخاص، وأربعة عشر آية منها تتحدّث عن الأجر والثواب الإلهي الذي ينتظر هؤلاء، وفي البداية نستعرض تفسير الآيات الأربع منها حيث يشير القرآن فيها إلى خمس خصال من فضائل ومناقب أهل البيت (عليهم السلام) :
1 ـ الوفاء بالعهد
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) فأوّل عمل أخلاقي لهؤلاء هو الوفاء بالنذر بحيث ينبغي أن يكون هذا العمل اُسوة لسائر أتباعهم وشيعتهم، حيث نرى بعض أفراد الشيعة ينذرون في حالة مواجهتهم للمصائب والبلايا والمشاكل ولكنهم عند زوال هذه البلايا والمشاكل ويحين وقت العمل بالنذر فإنهم يتحركون من موقع التغافل وعدم الإهتمام، فتارةً يشككون في صيغة النذر، واُخرى يترددون في التنفيذ العملي للنذر، والخلاصة يمتنعون من الوفاء بالنذر بكلِّ ذريعة، كما هو الحال عندما يواجه الشخص خطراً محدقاً بحيث يكون احتمال بقائه على قيد الحياة قليلاً جدّاً، فحينئذ يتوجه إلى الله تعالى بالنذر الثقيل ويعاهده على العمل به ثمّ يتفق أن ينجو من هذا الخطر، وعندها يتوجه هذا الشخص إلى مرقد الإمام الذي نذر له ذلك النذر ويقول مخاطباً له : أيّها الإمام، لقد نذرت في تلك اللحظات الخطيرة نذراً ثقيلاً، فلماذا صدّقت بكلامي وطلبت من الله أن ينقذني ؟
أجل، إن بعض المسلمين هم مصداق الآية الشريفة :
(فَإذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إلَى الْبَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ)(1).
ولكن أهل البيت (عليهم السلام) لم يكونوا كذلك، فهم لا يكتفون بالوفاء بالنذر فقط بل يوفون بجميع تعهّداتهم والتزاماتهم الأخلاقية ومسؤولياتهم الإجتماعية، لأن ذلك من علامات الإيمان(2) والمسلم الحقيقي يجب أن يتصف بهذه الصفة الأخلاقية وهي الوفاء بالعهد والنذر حتّى لو كان ذلك بضرره.
2 ـ الخوف من القيامة
(وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) والخصلة الثانية من خصائص هؤلاء الأشراف والأولياء هو أنهم يخافون من يوم القيامة، وطبعاً ليس ذلك بسبب خوفهم من احتمال أن يتوجه إليهم ظلم بحقّهم بل يخافون من محكمة العدل الإلهية لأن جميع أعمال الإنسان الصغيرة والكبيرة ستعرض في ذلك اليوم ويُحاسب عليها الإنسان كما ورد في قوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلَ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ) وهذا هو الذي يخيفهم ويثير في أنفسهم الفزع والخشية لأن ذلك اليوم يُحاسب الإنسان على ما قدّم وأخر، وفي تلك المحكمة الإلهية سيحاسب الصغير والكبير، المرأة والرجل، الغني والفقير، العالم والجاهل، والخلاصة جميع أفراد البشرية، فالإعتقاد بتحقّق ذلك اليوم المهيب يثير في الإنسان الخوف والرهبة.
3 ـ معونة الفقراء والمساكين
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَاَسِيراً) الخصلة الثالثة التي ذكرتها هذه الآيات الشريفة لأهل البيت (عليهم السلام) والتي تعتبر محور هذا البحث هو مواساتهم للمساكين وتقديمهم يد العون للمحرومين في المجتمع الإسلامي، فهؤلاء الأولياء بالرغم من احتياجهم إلى الطعام نراهم يؤثرون الفقراء والمساكين على أنفسهم ويقدمون ما لديهم من الطعام إلى المسكين واليتيم والأسير، وفي هذه الآية الشريفة إشارة إلى ثلاث طوائف من المحرومين والمحتاجين في المجتمع : الف ـ «المسكين» وهذه الكلمة مشتقة من مادّة «سكون» أي الفقر والحاجة الشديدة بحيث تدع الإنسان ساكناً وقابعاً إلى الأرض من شدّة الحاجة والفاقة، فيجب على المسلمين والمؤمنين أن يأخذوا بيد هؤلاء المحرومين والفقراء والمساكين الذين لا يستطيعون أن يوفروا لأنفسهم وأهلهم ما يحتاجونه من أوّليّات الحياة والمعيشة، وأن يمدوا يد العون لهؤلاء المحرومين ويشاركوهم في النعم التي يعيشون فيها ويواسونهم بها.
ب ـ «اليتيم» وهو الطفل الذي فقد وليه وأباه، فرغم أنّ اليتيم قد لا يكون محتاجاً من الناحية المادية ولكنه يعيش أزمة عاطفية وهو في أشد الحاجة إلى المحبّة والحنان من الآخرين، وقد ذكروا أنه في إحدى الزلازل التي وقعت أخيراً وكثرت فيها الضحايا من أهالي المدينة أو القرية عثروا على صبي فقد خمسين شخصاً من عائلته وأرحامه كالأب والاُمّ والأخوات والاُخوة والأعمام والعمات والخالات وذرياتهم، والخلاصة أنه فقد جميع أرحامه وأقربائه، فمثل هذا الشخص يعيش الحاجة الشديدة إلى المحبّة والعاطفة وسوف ينهار حتماً إن لم يجد من يعوّضه عن هذه الخسارة المعنوية والروحية.
ج ـ «الأسير» ومعناه واضح حيث يقال للشخص الذي ابتعد عن بيته ووطنه ومدينته وعاش في بلد آخر غريباً ووحيداً، فيمكن للأسير أن يكون ثرياً في وطنه ولكنه بعد وقوعه في الأسر فانه يستحق المساعدة والمحبّة.
وعلى أيّة حال فإنّ الإنسان المؤمن والمسلم يجب أن يمد يد العون في دائرة استطاعته وامكانيته إلى جميع الأفراد المحرومين والمتضررين في المجتمع، وفي هذا الزمان قد لا يوجد مصداق لأحد هذه الطوائف الثلاث المذكورة في الآية الشريفة، ولكن هناك طوائف اُخرى تعيش الفاقة والحاجة الشديدة إلى المساعدة والمعونة، المرضى بالسرطان، والجذام والأمراض المزمنة الاُخرى، السجناء، البنات اللواتي في سن الزواج ولكنهنّ محرومات من الذهاب إلى بيت العرس لفقدانهن الجهيزية ووسائل المعيشة، وهناك طوائف اُخرى محتاجة أيضاً.
فهل نحن نتحرك من موقع الإيثار والشفقة على هؤلاء المحرومين كما رأينا في سلوك أهل البيت (عليهم السلام) ؟
هل نعلم بحالة الجيران وما هم عليه من الفاقة والحاجة ؟
هل نعلم بكيفية معيشتهم وإفطارهم وسحورهم ؟
هل نحن مطلعون على أحوال وأوضاع أرحامنا وأقربائنا ؟
إذا كان جواب هذه الأسئلة بالنفي (والعياذ بالله) هل يمكننا مع ذلك أن ندّعي بأننا من شيعة أهل البيت ؟
4 ـ الإخلاص
(اِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شَكُوراً) الفضيلة الرابعة للإمام علي وزوجته وطفليه هي مسألة «الإخلاص» لله تعالى في عملهم هذا، وهي فضيلة عظيمة جدّاً، حيث قالوا : إننا نتقدم إليكم بهذه المساعدة والمعونة تقرباً إلى الله تعالى وطلباً لرضاه ومن دون أي دافع آخر من الدوافع الدنيوية ولذلك لا نطلب منكم شيئاً دنيوياً ولا نتوقع منكم حتّى الشكر.
عندما نقرأ هذه الكلمات ونكررها في أذهاننا هل يمكننا أن نتصور أن إنساناً من أفراد المجتمع يمكنه أن يدّعي هذا الإدعاء غير الأولياء ؟
والأكثر من ذلك لو أن الطرف المقابل تحرك نحوهم من موقع الإهانة وتجاسر عليهم بدل أن يتقدّم إليهم بالشكر فإن حالهم لا يتفاوت أبداً عن السابق.
إنّ الإخلاص هو جوهر العمل الصالح، ولذلك أكد عليه الإسلام كثيراً وتقدّم إلى المسلمين بتعليماته وتوصياته أن يهتموا بكيفية العمل لا بكميته وعدده، أي أن ركعة واحدة يصليها المسلم بإخلاص أفضل عند الله من ألف ركعة يصليها بدون إخلاص.
5 ـ الخوف من الله
(إنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ) الخامس من خصائص هؤلاء هو : الخوف من الله تعالى.
ولعلك تسأل : تقدّم في الخصلة الثانية أنهم يخافون من المعاد والقيامة وهنا نجد الخوف من الله تعالى فما هو الفرق بينهما ؟
الجواب : لا يلزم أن يكون الخوف من الله تعالى متلازماً ومتزامناً مع الخوف من جهنم والقيامة والعذاب الاُخروي بل يمكن أن يعيش الإنسان الخشية والهيبة من عظمة الله، فعندما يفكر الإنسان المؤمن بعظمة الله تعالى فإنّ الخوف والخشية والمهابة تسري في جميع أركان وجوده ومفاصل بدنه، ويكون حاله كما لو توجه لملاقاة شخصية مهمة وأراد أن يقول له شيئاً، فمن المحتمل أن تستولي عظمة ذلك الشخص عليه فلا يستطيع النطق والكلام حينها رغم أن ذلك الشخص هو إنسان عطوف وحسن الأخلاق جدّاً، وعليه فإنّ هذه الخصلة الخامسة تتفاوت مع الخصلة الثانية والخوف من الله تعالى يراد به هنا الخوف من عظمة الله وكبريائه.
1 . سورة العنكبوت : الآية 65.
2 . انظر الروايات الواردة في هذا المجال في كتاب ميزان الحكمة : ج 1، ص 346، الباب 302.
آيات الأجر والثواب
تقدّم أنّ في هذه السورة أربعة عشر آية من آياتها تتحدّث عن الأجر العظيم الذي ينتظر هؤلاء الأولياء جزاءاً لإيثارهم وتضحيتهم اتجاه المحرومين، ولا نجد في القرآن الكريم مثل هذا الثواب العظيم بأي عمل من الأعمال الصالحة التي تصدر من المؤمنين، بمعنى أننا نرى أن خمسة عشر نوعاً من الثواب ورد بصورة متوالية في هذه السورة، ولو أمعنا النظر أكثر في هذه الآيات الأربعة عشر لوجدنا عشرين نوعاً من الثواب على ذلك العمل، وسوف نستعرض هذه المثوبات في 12 فقرة لاحقاً، ولكن قبل بيان هذه المثوبات نرى من الضروري تقديم مقدّمة :
المقارنة بين الثواب الدنيوي والاُخروي
بلا شكّ أنّ نعم ومواهب الآخرة تختلف عن نعم ومواهب الدنيا، لأنه بالرغم من استخدام الألفاظ البشرية والقوالب الدنيوية في شرح وتوضيح تلكم المواهب الاُخروية ولكن يبقى مفهومها ومحتواها له ماهية غيبية واُخروية، وعلى هذا الأساس فما نسمعه ونتصوره من النعم والمواهب الاُخروية ليس سوى شبح من حقائق ذلك العالم، ولا ينبغي أن نتوقع إدراك حقائق تلك النعم في هذه الدنيا كما هو الحال في الجنين في بطن اُمّه حيث لا یمکنه إدراک حقائق هذا العالم الدنیوي مهما بالغت أمّة في إفهامه حسب الفرض و مهما کان ذکیاً کابن سینا، فإنّه لا یستطیع تصور ما یجري في هذا العالم سوی اشباح و أوهام، و لذلک ورد عن النبي الأکرم (صلی الله علیه و آله) قوله: «إنَّ اللهَ يَقُولُ : اَعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصّالِحينَ ما لا عَيْنٌ رَأتْ، وَلا اُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر»(1).
وعلى هذا الأساس فمن الممكن أن يكون لكلمة معنىً خاص في عالمنا الدنيوي هذا ولكنه يحمل معنىً آخر عند استعماله في مورد النعم والمواهب الاُخروية في الجنّة، وسيأتي توضيح أكثر في البحوث اللاحقة حول هذا الموضوع.
وبعد بيان هذه المقدّمة نستعرض النعم الاثني عشر في الجنّة لهؤلاء الأولياء :
1 . نفحات القرآن : ج 6، ص 302.
النعم الاثنا عشر في الجنّة
1 ـ السكينة والهدوء النفسي
(فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَومِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ) فأوّل نعمة ينالها هؤلاء الأولياء في الجنّة هي نعمة الإستقرار والهدوء النفسي حيث يدفع عنهم الله تعالى شرور ذلك اليوم ومشكلاته ومصاعبه ويغرقهم في أجواء الفرح والسرور، ويتّضح من ذكر الآيات الشريفة نعمة الهدوء النفسي والسكينة الروحية باعتبارها أوّل نعمة من النعم الإلهية في الجنّة كونها نعمة مهمة وثمينة جدّاً، والحقيقة هي أنها كذلك حيث إنّ الاطمئنان الروحي للإنسان يمثل أغلى شيء يناله الشخص في الدنيا والآخرة، ويتبين هذا المعنى في الأشخاص الذين يمتلكون مختلف المواهب والنعم في الدنيا ولكنهم لا يعيشون الإستقرار والهدوء النفسي فإنّ هذه النعم والإمكانات المادية والدنيوية تتحول إلى أدوات لتثوير حالة القلق والإضطراب والعذاب النفسي لهؤلاء، ولهذا نرى أن الكثير من الأثرياء وأبناء الاُمراء قد يتوجهون نحو الإنتحار للتخلص من عناصر القلق والإضطراب النفسي، ويقال أن إحدى الغابات في أمريكا الواقعة إلى جانب إحدى المدن الامريكية تسمّى غابة
الانتحار حيث يتوجه إليها الأشخاص الأثرياء الذين يمتلكون كلّ شيء في الدنيا سوى الإستقرار والهدوء النفسي وينتحرون هناك ويقضون على حياتهم البائسة.
وفي المقابل نرى أن بعض الأشخاص بالرغم من كونهم يعيشون الفقر المدقع ولا يمتلكون من وسائل الحياة إلاّ القليل جدّاً ومع ذلك يعيشون الإستقرار الروحي في درجات عالية في حياتهم الفردية والإجتماعية.
فلو أنك تسأل : كيف يمكن تحصيل هذه النعمة المهمة في حركة الحياة ؟
نقول : إنّ الله تبارك وتعالى ذكر في الآية 82 من سورة الأنعام أن هذه النعمة العظيمة تكون من نصيب المؤمنين الذين يتحركون في خط الطاعة والتقوى : (اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا ايمانَهُمْ بِظُلْم اُولَئِكَ لَهُمْ الاَْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).
وفي الآية 28 من سورة الرعد يقرر أن ذكر الله وعدم الغفلة عنه بمثابة المنبع الدائم للخير والبركة والأمن والإستقرار النفسي.
2 ـ بساتين الجنّة (وَجَزهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَريراً ).
وإحدى المواهب الاُخروية للأفراد هي أنهم يسكنون في بساتين الجنّة التي تختلف في جميع اُمورها عن بساتين الدنيا، تلك البساتين التي يجري من تحتها الأنهار، والأشجار الخضراء اليانعة طوال السنة وتؤتي ثمارها في جميع الفصول، الأشجار التي لا تحتاج لقطف ثمارها أن يتحمل الإنسان بعض التعب في ذلك بل تحضر بنفسها بمجرد إرادة الإنسان المؤمن وتضع نفسها بين يديه.
3 ـ الراحة والرفاهية (مُتَّكِئينَ فِيها عَلَى الاَْرائِكِ).
«أرائك» جمع «أريكة» والأصل فيها التخت الذي تجلس عليه العروس ثمّ اُطلقت على جميع الكراسي الجميلة، فأهل الجنّة يجلسون في بساتينها على أرائك جميلة ويتكئون عليها ويتنعمون بنعيم الجنّة، وعبارة «متكئين» تعبير ظريف وجميل لأن الإنسان لا يعيش هذه الحالة من الجلوس متكئاً على الأريكة إلاّ وهو ناعم البال مرتاح الضمير آمن الخاطر، فلو كان قلقاً ومضطرباً فإنه لا يمكنه الجلوس في مثل هذه الحالة والإتكاء على الأريكة بل تراه يقوم ويقعد ويتحرك من هنا ومن هناك.
4 ـ الأجواء المعتدلة والنسيم العليل (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَريراً).
هواء الجنّة معتدل جدّاً فليس هناك شمس الصحراء المحرقة ولا يحتاج الإنسان إلى أجهزة التبريد، وليس الجو بارداً جدّاً ليحتاج الإنسان أجهزة للتدفئة بل يعيش الإنسان هناك الربيع الدائم والنسيم العليل، ولا شكّ أن في الجلوس والاتكاء على الأرائك الجميلة في مثل هذا الجو الناعم وتحت ظلال الأشجار المثمرة واليانعة، لذّة لا توصف وسعادة لا تتصور.
سؤال : هذه الآيات الشريفة تنفي وجود الشمس في الجنّة، ولكن الآيات اللاحقة تتحدّث عن وجود ظلال لأشجار الجنّة، فلو لم تكن هناك شمس فكيف يُعقل أن تكون هناك ظلال للأشجار، أليس هذا من التناقض ؟
الجواب : أوّلاً : إنّ القرآن لا يقول أن في الجنّة لا يوجد شمس، بل يقول أن أهل الجنّة لا يرون الشمس، أي أن أشجار الجنّة متراكمة الأغصان وكثيفة الأوراق إلى درجة أن أهل الجنّة لا يرون الشمس بسبب كثافة هذه الأشجار وارتفاعها.
ثانياً : إنّ المراد بقوله (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً ) أنهم لا يحسون بحرارة الشمس الشديدة، فالآية لا تنفي وجود شمس معتدلة، وعليه فلا يوجد هناك تناقض في البين.
5 ـ الظلال والفواكه (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْليلاً ).
إنّ أشجار الجنّة تظلل على هؤلاء المؤمنين بأغصانها وتدني إليهم ثمارها حتّى ينالون منها ما يشاؤون دون أن يتعبوا أنفسهم في الصعود عليها وقطف ثمارها.
6 ـ الخدم من الغلمان (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ).
وكلّما أرادوا شيئاً أمروا الخدم والغلمان من الولدان المخلدون الذين هم في جمالهم كاللؤلؤ المنثور ليحققوا لهم ما يريدون، بل لا يحتاج هؤلاء الغلمان إلى الأمر والنهي لأنهم يتحركون من موقع الخدمة لصاحبهم وسيّدهم دائماً.
7 ـ الثياب الجميلة جدّاً (عالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُس خُضْرٌ وَاِسْتَبْرَقٌ).
حيث يلبس أهل الجنّة أنواع الملابس الجميلة والبرّاقة والمصنوعة من الحرير الناعم ومن السندس والإستبرق، فحتّى الملابس التي كانت حرام عليهم في الدنيا فإنه يباح لهم لبسها وارتداؤها في الآخرة.
8 ـ الزينة(1) (وَحُلُّوا اَساوِرَ مِنْ فِضِّة).
فيباح لهم في الجنّة التزيّن بأنواع الزينة ولبس الأسورة من الذهب والفضة.
9 ـ أدوات الضيافة الراقية (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَة مِنْ فِضَّة وَاَكْواب كانَتْ قَوارِيراً).
إنّ الأدوات التي يستخدمها الإنسان في تناول غذائه والآنية التي يستخدمها في طعامه لها أهمية خاصّة، فلو أن أفضل الأغذية وأطيب الأطعمة والأشربة وضعت في آنية وأقداح غير مناسبة ووسخة فإنّ ذلك بإمكانه أن يسلب الشهية من الإنسان حتّى لو كان جائعاً، ولكن على العكس من ذلك إذا كان الغذاء عادياً ولكن تمّ تقديمه بآنية جميلة ومناسبة ونظيفة فإنّ ذلك من شأنه أن يثير في الإنسان الشهيّة للأكل، ولذلك نجد أن آنية الجنّة وأكوابها التي يستخدمها أهالي الجنّة مصنوعة من الفضة والذهب والبلور وعلى هيئة جميلة وجذّابة جدّاً، وطبعاً الفضة في ذلك العالم تختلف عن الفضة في هذه الدنيا حيث إن تلك الآنية من الفضة شفافة كالزجاج.
10 ـ أنواع النِعم والمواهب (وَاِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعيماً).
فعندما يرد المؤمن الجنّة ويرى المواهب العظيمة والنِعم الكثيرة التي توضع تحت اختياره فإنه يرى ما لا يمكن وصفه من النعيم.
11 ـ الملك العظيم (وَمُلْكاً كَبِيراً) إنّ أهل الجنّة بالنسبة إلى الإمكانات والخدم والحشم والمنزلة العظيمة التي لديهم يعيشون الملك والسلطنة العظمى وكأن كلّ واحد منهم يعيش السلطنة والملك على دولة مستقلة ومملكة عظيمة.
12 ـ أنواع المشروبات : إنّ إحدى النعم والمواهب المقررة لأهل الجنّة والتي ذكرها القرآن في موارد متعدّدة هي أنواع الخمور والمشروبات الخاصة بأهل الجنّة، الخمر الذي لا يزيل عقل الإنسان بل يثير فيه روح النشاط والوجد والسرور، ونقرأ في هذه الآيات من سورة الدهر أن هناك ثلاث أنواع من الأشربة في الجنّة :
ألف ـ شراب الكافور (إنَّ الاَْبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس كانَ مِزِّجُها كافُوراً).
وهنا تتحدّث الآية عن شراب ممزوج بعطر الكافور وهو المادة التي تضاف إلى الماء في تغسيل الميت ولها خاصية مضادّة للتعفن، ولكنها تستخدم في لغة العرب بمعنى أوسع، فتطلق على كلّ شيء معطر ذي رائحة طيبة، وعليه فالمراد من شراب الكافور هو الشراب المعطّر الذي يثير لدى أهل الجنّة لذّة كبيرة عند تناوله.
ب ـ شراب الزنجبيل (وَيُسْقُوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبيلاً ).
الزنجبيل أيضاً يستعمل في معناه المتداول والمعروف وكذلك بمعنى عطور خاصّة، ولكن هنا ورد بالمعنى الثاني حيث يتناول أهل الجنّة شراباً ممزوجاً بعطر الزنجبيل.
ج ـ الشراب الطهور (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً).
النوع الثالث من أنواع الأشربة التي يتناولها أهل الجنّة هو الشراب الطهور حيث يسقيهم الله تعالى هذا الشراب في الجنّة.
هذه التعبيرات المتنوعة في مفردة الشراب تستحق الدقّة والتأمل، فعندما يتحدّث عن شراب الكافور يعبر عنه بجملة «يشربون» أي أن أهل الجنّة يتناولون هذا الشراب بأيديهم، أما في مورد شراب الزنجبيل وردت العبارة بجملة «يسقون» أي أن خدم الجنّة يقدّمون هذا الشراب لهؤلاء المؤمنين، وبالنسبة إلى الشراب الطهور ورد التعبير بـ «سقاهم ربّهم» أي أن الله تعالى هو الذي يسقيهم هذا الشراب الطاهر في الجنّة.
1 . الإسلام لا يمانع من التزيّن، إلاّ أنه منع من الإسراف في استخدام الزينة، بل إن القرآن الكريم دعا إلى استخدام الزينة عند التوجّه إلى المساجد وحثّ على لبس الثياب النظيفة وورد استحباب العطر وأمثال ذلك.
ماذا يعني الشراب الطهور ؟
ورد في رواية أن أهل الجنّة عندما يشربون هذا الشراب فإنه :
«يُطَهِّرُهُمْ مِنْ كُلِّ شَيْء سَوَى اللهِ»(1).
ويقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حديث آخر عن آثار هذا الشراب الطهور في نفوس أهل الجنّة أنه :
«فَيُطَهِّرُ اللهُ بِهَا قُلُوبَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ».(2)
إنّ الحسد يُعد أحد الرذائل الأخلاقية التي يبتلى بها البشر في حركة الحياة الدنيا، فأحياناً يمتلك الإنسان جميع النعم الدنيوية والإمكانات المعيشية في هذه الحياة ولكنه مع ذلك لا يتحمل أن يرى الآخرين يمتلكون أيضاً مثل هذه الإمكانات والنعم ويعيشون براحة وسعادة، فالحسد بمثابة السجن الذي يسلب من الحاسد طعم الراحة والإستقرار ويورده في وادي الضلالة والشقاء، وعلى أيّة حال فإنّ أحد المعطيات المهمّة للشراب الطهور هي إزالة هذه الرذيلة من واقع الإنسان وتطهير قلبه من هذه الصفة الأخلاقية الذميمة.
سؤال : إنّ الآيات الشريفة محل البحث قد ذكرت نِعم ومواهب مختلفة وتطرّقت إلى ذكر التفاصيل والجزئيات لبعض هذه النِعم بصورة دقيقة ولكنّها لم تذكر أحد النِعم المهمّة التي طالما ذكرها القرآن الكريم لأهل الجنّة، وهي النعمة التي تخطر على بال كلّ إنسان، أي نعمة «حور العين» فلا نجد كلاماً حول هذه النعمة المهمة في هذه الآيات الشريفة، فما هو السبب في ذلك ؟
الجواب : يرى بعض المفسّرين(3) أنّ الآيات الشريفة أعلاه نزلت لتتحدث عن فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولم يذكر الله تعالى نعمة «حور العين» فيها احتراماً لفاطمة الزهراء، وهذا شاهد آخر في شأن نزول هذه الآيات وأنها نزلت في الإمام علي (عليه السلام) وأهل بيته، وإلاّ فلا مبرر لعدم ذكر الحور العين في عداد النعم والمواهب الإلهية في الجنّة.
والخلاصة أنّ هذه النِعم الإثني عشر الواردة ضمن أربعة عشر آية من هذه السورة خاصة بـ «الأبرار» الذين يقف على رأسهم الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).
1 . بحار الأنوار : ج 8 ، ص 113.
2 . بحار الأنوار : ج 8 ، ص 157.
3 . روح المعاني : ج 29، ص 158.
شبهات وردود
ومع الأسف فإنّ البعض طرح في ذيل هذه الآيات المتعلّقة بفضائل أهل البيت (عليهم السلام)وكذلك آيات الولاية والإمامة شبهات وعلامات استفهام لا نشاهد مثيلها لدى تفسيرهم لسائر آيات القرآن الكريم، وطبعاً فإنّ الغرض من طرح هذه الشبهات معلوم مسبقاً، لأنهم إذا قبلوا بأن هذه الآيات واردة في فضائل الإمام علي وسائر الأئمّة (عليهم السلام) فلابدّ أن يقولوا بإمامتهم وخلافتهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنه كما تقدّم سابقاً أن الإمامة لو كانت انتصابية من الله تعالى فإنه عزّوجلّ لا يختار أيّ شخص لهذا المقام سوى الأفضل والأعلم والأشجع، ولا يمكن أن يترك الأفضل ويختار المفضول فإنّ ذلك على خلاف مقتضى الحكمة الإلهية، وإذا كانت الإمامة انتخابية فإنّ العقلاء ينبغي أن يختاروا لهذا المقام الأفضل من بين الأفراد، ومع وجود الأفضل لا يصحّ أن يختاروا المفضول، ولكن هذه الحقيقة تتقاطع مع أهواء البعض ومسبوقاتهم الفكرية، ولذلك يتحركون في تفسيرهم لهذه الآيات من موقع التشكيك بهذه الفضائل أو السعي لتهميش هذه المناقب الواردة في هذه الآيات لئلاّ يتورّطوا بعذاب الوجدان وتأنيب الضمير، ومن هنا نستعرض بعض هذه الشبهات والذرائع التي تمسّكوا بها :
1 ـ سورة الإنسان مكّية
قالوا : إنّ سورة الدهر لم تنزل بالمدينة بل في مكّة، ومن المعلوم أن الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) قد ولدوا بعد الهجرة في السنة الثانية والثالثة من هجرة النبي إلى المدينة، وعليه فإنّ زمان نزول هذه السورة كان قد سبق ولادة هذين السيّدين بعدّة سنين، فما ذكر في شأن نزولها لا يتناسب مع كونها مكّية، ولذلك ذهب البعض إلى أن شأن نزول هذه الآيات كالتالي :
«جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله : سل واستفهم، فقال : يا رسول الله : فضلتم علينا بالألوان والصور والنبوّة، أفلا رأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنّة ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده انه ليُرى بياض الأسود في الجنّة من مسيرة ألف عام»(1) ثمّ نزلت عليه السورة «هل أتى»(2).
والخلاصة أن ما ذكر في سبب النزول السابق لا يتناسب مع كون السورة مكّية.
الجواب : أوّلاً : إنّ الكثير من المفسّرين والمحدّثين والمؤرّخين يرون أن سورة الدهر نزلت في المدينة، وقد صرّح البعض بهذا المعنى ولكن البعض الآخر لم يصرّحوا بذلك بل ذكروا أن شأن نزولها كان في علي وأهل بيته (عليهم السلام) وهذا يدلّ بالملازمة أن سورة الدهر مدنيّة.
وقد ذكر القاضي نورالله الشوشتري في المجلد الثالث من كتابه «احقاق الحقّ» الصفحة 157 فصاعداً أسماء هؤلاء العلماء الذين نشير إلى طائفة منهم :
1 ـ «الزمخشري» وهو من المفسّرين المعروفين لدى أهل السنّة ومن مشاهيرهم فقد صرّح في كتابه المعروف «الكشّاف» بأن سورة الإنسان مدنية(3).
2 ـ «الواحدي» وهو عالم آخر من مشاهير أهل السنّة حيث اختار هذا الرأي في «أسباب النزول»(4).
3 ـ «ابن الجوزي» هو الآخر من علماء أهل السنّة حيث يرى مدنية سورة الدهر(5).
4 ـ «الگنجي» حيث اختار هذه النظرية في كتابه «كفاية الطّالب»(6).
5 ـ «الطبري» حيث اختار هذه الرأي في «ذخائر العقبى»(7).
6 ـ «الآلوسي» يرى أيضاً بأن هذه السورة مدنية(8).
7 ـ «الفخر الرازي» الذي هو أشهر مفسّري أهل السنّة حيث اختار هذه النظرية أيض(9).
8 ـ «القرطبي» المفسّر المعروف حيث ذكر في تفسيره هذه العبارة :
ذكر الثّعلبي في تفسيره : وقال أهل التفسير انّها نزلت في علي وفاطمة وجارية لهما اسمها فضّة(10).
وقال أهل التفسير أنها نزلت في عليّ وفاطمة وجارية لهما اسمها فضة.
والخلاصة انه طبقاً لشهادة علماء الإسلام هؤلاء فإنّ سورة الدهر مدنية بلا شكّ.
ثانياً : ويستفاد من الآية الشريفة (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَيَتيماً وَاَسيراً) أن هذه السورة مدنية، لأن الأسير لم يكن له وجود في مكّة حينذاك بل وجد بعد هجرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والمسلمين إلى المدينة وتشريع حكم الجهاد وبعدما حدثت معارك وغزوات النبي (صلى الله عليه وآله)، وعليه فإنّ وجود كلمة «أسير» في هذه الآيات يدلُّ على أن هذه السورة مدنية.
وأمّا ما ذكر في شأن النزول من الغلام الحبشي فإنه لا يتناسب إطلاقاً مع آيات سورة الدهر، لأنّ شأن النزول هذا ليس له ارتباط بإطعام المسكين واليتيم والأسير، وعليه فإنه لا ينسجم مع آيات هذه السورة ولا ينبغي الإعتناء بما يخالف القرآن الكريم من شأن النزول.
1 . روح المعاني : ج 29، ص 165.
2 . تفسير نمونة : ج 25، ص 330.
3 . الكشّاف : ج 4، ص 169.
4 . أسباب النزول : ص 331.
5 . التذكرة : ص 332.
6 . كفاية الطّالب : ص 201.
7 . ذخائر العقبى : ص 102.
8 . روح المعاني : ج 29، ص 157.
9 . التفسير الكبير : ج 30، ص 244.
10 . تفسير القرطبي : ج 19، ص 19.
2 ـ التعارض بين الوجوب والإستحباب
وهنا يثار سؤال : هل يليق بالإمام علي (عليه السلام) أن يدفع طعامه وطعام أهل بيته الذين تجب نفقتهم عليه إلى السائل ؟ في حين أن الله تعالى يقول في الآية 219 من سورة البقرة ضمن الإجابة على السؤال الذي تقدّم به بعض المسلمين إلى النبي (صلى الله عليه وآله) عمّا يصحّ لهم إنفاقه، فقال :
(قُلِ الْعَفْوَ) أي ما زاد على الضروري واللازم في حياة الإنسان.
فإذا كانت آيات سورة الدهر نزلت في حقّ عليّ وأهل بيته (عليهم السلام) إذن فلماذا تبرع الإمام بالطعام الذي يحتاجونه إلى السائل ؟
الجواب : إنّ هذا الكلام يثير العجب واقعاً وخاصّةً فيما لو صدر من شخص يدّعي المعرفة والعلم، لأنّ مثل هذه المعاذير والحجج تشير إلى معالم الجهل وعدم الإطلاع، وتوضيح ذلك أن «الإنفاق» شيء و«الإيثار» شيء آخر، ومع الأسف أن من يطرح هذا الإشكال لا يدرك التفاوت بين الإنفاق والإيثار.
ونقرأ في الآية التاسعة من سورة الحشر في وصف الأنصار :
(وَيُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ).
إنّ بعض الأشخاص قد يصلون في مرتبة الكمال المعنوي إلى درجة ومقام «الإيثار»، فعلى رغم حاجتهم الشديدة ينفقون ما يحتاجونه على الآخرين.
وقد ورد في شأن نزول هذه الآية : «أن شخصاً أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكى إليه الجوع، فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منزله، فقالت له زوجته : ما عندنا إلاّ الماء، فقال رسول الله : من لهذا الرجل الليلة ؟ فتعهده رجل من الأنصار وصحبه إلى بيته ولم يكن لديه إلاّ القليل من الطعام لأطفاله، وطلب أن يؤتى بالطعام إلى ضيفه وأطفأ السراج، ثمّ قال لزوجته : نوّمي الصبية، ثمّ جلس الرجل وزوجته على سماط الطعام فتظاهروا بالأكل ولم يضعوا شيئاً في أفواههم، وظنّ الضيف أنهم يأكلون معه، فأكل حتّى شبع وناموا الليلة، فلما أصبحوا قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)فنظر إليهم وتبسّم (دون أن يتكلم)، فنزلت الآية أعلاه وأثنت على إيثارهم»(1).
وعلى هذا الأساس فإن من يطرح مثل هذه الشبهة فإنه لم يقرأ جميع آيات القرآن الكريم، وإلاّ فلا ينبغي الشكّ بأن مقام الإيثار أعلى مرتبة من مقام الإنفاق بحيث لا يناله إلاّ من اُوتي حظاً عظيماً من الإيمان والخلوص، ولذلك يعد الإيثار من الصفات الخاصّة بالمؤمنين الحقيقيين.
مضافاً إلى أن الإمام علي (عليه السلام) كما ورد في قصة سورة الدهر لم يقدم إلى السائل سوى طعامه فقط لا طعام جميع أفراد الاُسرة، ثمّ إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) قدّمت طعامها إلى السائل بكلّ اختيار ورغبة وهكذا صنع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهذا يدلُّ على غاية الإيثار الذي يذكره القرآن الكريم من موقع الثناء والمدح.
وأمّا في مورد قوله تعالى (قُلِ الْعَفْوَ) فهناك نظريتان في المراد منها، إحداهما أن المراد من «العفو» هو الشيء الزائد عن حاجة الإنسان(2)، ولكن الإحتمال الثاني هو أن يكون «اَلْعَفْوُ هُوَ الطَّيِّبُ مِنَ الْمالِ» ولذلك لابدّ من التصدّق على الفقير والمسكين من هذا النوع من الأموال(3) لا كلّ ما زاد عن حاجة الإنسان واستغنى عنه في حياته فإنّه يقوم بالتصدّق به إلى الفقراء، لأنه في هذه الصورة سوف لا يصل إلى حقيقة البر والإحسان في قوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ)(4).
وعليه فإنّ قوله (قُلِ الْعَفْوَ) يحتمل قوياً أن يراد به التوصية ببذل أفضل ما بأيدي الإنسان من أموال ووسائل إلى الفقراء لا أنه يتصدّق بما لا يحتاج إليه، وهذا هو معنى الإيثار الذي أشارت إليه آيات سورة الدهر.
وبالإلتفات إلى ما تقدّم آنفاً فإننا لا نجد تنافياً بين آية «قُلِ الْعَفْوَ» وبين شأن نزول آيات سورة الدهر، بل وأكثر من ذلك فإنها منسجمة معها ومؤيدة لها.
1 . التفسير الامثل : ذيل الآية مورد البحث.
2 . الكشّاف : ج 1، ص 262.
3 . ورد الإحتمال الأوّل والثاني واحتمالات اُخرى أيضاً في التفسير الامثل : ج 2، ذيل الآية 219 من سورة البقرة.
4 . سورة آل عمران : الآية 92.
3 ـ آيات سورة الدهر عامة أو خاصّة ؟
سؤال : هل أن آيات سورة الدهر التي وردت في وصف «الأبرار» وما ذكر من أنواع المثوبات والجزاء في الجنّة لهؤلاء تختص بالإمام علي (عليه السلام) وزوجه وابنيه، أو هي عامة وشاملة لجميع الأشخاص الذين يتصفون بصفة «الأبرار» ؟ وإذا كان الإحتمال الثاني هو المتعيّن(1) إذن فلماذا نحصر الآيات الشريفة بأهل بيت النبوّة ؟
الجواب : أوّلاً : إنّ الشواهد والقرائن الموجودة في الآيات الشريفة لا يمكن تطبيقها على جميع الأبرار، بل تنطبق على أبرار معينين، مثلاً يستفاد من هذه الآيات أن الأبرار المقصودين فيها هم الذين نذروا لله تعالى وعملوا بذلك النذر وتحركوا من موقع الإيثار العظيم في إنفاقهم على المسكين واليتيم والأسير، وعليه فإنّ الآيات محل البحث لا تستوعب الأبرار الذين لم يتصفوا بهذه الصفات كالنذر وأشباهه.
ثانياً : على فرض أن الآيات المذكورة عامّة وشاملة لجميع الأبرار ولكن بدون شك أنها شاملة لشأن نزولها أيضاً بل إنّ الإمام عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)من أبرز مصاديق الأبرار قطعاً.
والخلاصة إنّ آيات سورة الدهر تعد من مناقب أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم ومن معالم أحقيتهم لمقام الإمامة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
1 . وهو مختار الفخر الرازي في التفسير الكبير : ج 30، ص 244.
توصيات الآية
1 ـ أهميّة إسداء المعونة إلى المحتاجين
إنّ المحور الأساس الذي تدور حوله الآيات الثمانية عشر في هذه السورة والذي استوجب كلّ هذه المثوبات العظيمة هو مسألة إسداء يد العون إلى المحتاجين والمحرومين، وهذا يدلُّ بوضوح على أهميّة هذه المسألة في دائرة المفاهيم القرآنية وأن الله تعالى يولي أهمية خاصّة إلى هذا الموضوع، فكلُّ من أراد الدخول تحت مظلّة عناية الله ورحمته الواسعة يجب أن يهتم بقضاء حوائج المحتاجين وإشباع جوعة الجائعين ورفع حرمان المحرومين، ولو انه ارتفع في مدارج الكمال أكثر من ذلك وتحرّك من موقع الإيثار إلى المحتاجين فلا شكّ أنّ عناية الله ولطفه ورحمته ستشمل هذا الإنسان، ومن أجل توضيح هذا الموضوع وبيان أهمية مساعدة المحرومين والمحتاجين نذكر روايتين في هذا المجال :
1 ـ يقول الإمام علي (عليه السلام) في كتابه ووصيته إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) :
وَاعْلَمْ أَنَّ اَمَامَكَ عَقَبَةً كَؤُوداً، اَلْمُخِفُّ فِيهَا اَحْسَنُ حَالاً مِنَ الْمُثْقِلِ، وَالْمُبْطِىءُ عَلَيْهَا اَقْبَحُ حَالاً مِنَ الْمُسْرِعِ، وَاَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لاَ مَحَالَةَ اِمَّا عَلَى جَنَّة أَوْ عَلَى نَار، فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْل نُزُولِكَ، وَوَطِّىءِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ، فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ، وَلاَ إلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ(1).
وهكذا نرى أن أفضل وسيلة لعبور هذا المضيق الخطر والعقبة الكؤود وأفضل زاد لسفر القيامة والورود في صحراء المحشر هو مساعدة الفقراء والمحتاجين والإحسان إليهم، فهذا العمل في الحقيقة يشبه ما إذا دفعنا ما نحتاجه في صحراء المحشر إلى هؤلاء الفقراء والمساكين في الدنيا ليحملوه عنا ثمّ يعيدونه إلينا في ذلك اليوم العسير، فهل هناك أفضل من هذه المعاملة المربحة ؟
2 ـ وينقل المحدّث الكليني وهو من كبار علماء الشيعة حديثاً في الكافي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال :
ثَلاَثٌ مَنْ اَتَى اللهَ بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ اَوْجَبَ اللهُ لَهُ الْجَنَّةِ; اَلاِْنْفاقُ مِنْ اِقْتَار(2)، وَالْبِشْرُ لِجَمِيعِ الْعَالَمِ(3)، وَالاِْنْصَافُ مِنْ نَفْسِهِ.(4)
وهكذا ندرك أهمية أن يرى الإنسان حقّه وحقوق الآخرين بعين واحدة وينصف الناس من نفسه، ولهذا ورد في رواية اُخرى قوله (عليه السلام) :
اِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ الَّذِي يُحِبُّ لاَِخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيُكِرْهُ لَهُ مَا يُكْرِهُ لِنَفْسِهِ.(5)
ـ
1 . نهج البلاغة : الرسالة 31.
2 . ورد في بعض الروايات أنه «إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة» (وسائل الشيعة : ج 6، ص 259).
3 . وفي رواية : «صنائع المعروف وحسن البشر يكسبان المحبّة ويدخلان الجنّة» (الكافي : ج 2، باب حسن البشر، ح 5.
4 . الكافي : ج 2، ص 103، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن البشر، ح 2.
5 . بحار الأنوار : ج 27، ص 89 .
2 ـ المعيار في العمل ليس كميّته
والشيء الآخر الذي يمكن أن نستوحيه من آيات سورة الدهر هي أن الإسلام يرى أن المعيار الصحيح للأعمال يكمن في كيفية العمل لا كميته ومقداره، لأن جميع ما أنفقه هؤلاء الأولياء في هذه الاُسرة الطاهرة لا يتجاوز عدّة كيلوغرامات من الشعير، ولكن بما أن هذا العمل كان متوائماً مع الأخلاص وكان بدافع رضا الله تعالى فقط فإنّ هذا الدافع هو الذي رفع قدر ذلك العمل وترتبت عليه تلك المثوبات العظيمة التي وردت في هذه السورة، فعنصر «الإخلاص» يحقّق معجزة في تغيير ماهيّة العمل، فأحياناً يوصل قيمة العمل إلى ألف ضعف وأحياناً اُخرى إلى مليون ضعف وثالثة إلى مليارد ضعف، وقد يصل بالعمل أحياناً إلى ما يستوعب في قيمته جميع عبادات الجن والانس إلى يوم القيامة(1)، وعلامة مثل هذا الأخلاص هي أن الإنسان الذي يتحرك في عمله من موقع الإخلاص لا يرى سوى الله تعالى في عمله هذا ولا يتوقع أجراً من أحد غيره بل لا يتوقع الشكر عليه، وقد يصل الإنسان بدرجة من الإخلاص أن يتساوى عنده الشكر مع الإهانة فلا يفرح بالشكر ولا يتألم من السبّ والإهانة في مقابل هذا العمل، فهنيئاً لمن يعيش هذا المقام وهذه الروحية المخلصة.
3 ـ إنعكاس آيات سورة الدهر في الأشعار
1 . مثلاً ورد في ضربة علي يوم الخندق عندما قتل عمرو بن ود العامري أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)قال : «لضربة عليّ خير من عبادة الثقلين»، وجاء في رواية اُخرى : «لضربة علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل اُمتي إلى يوم القيامة». (بحار الأنوار : ج 39، ص 2).
2 . وكان يحبّ أهل البيت (عليهم السلام) حبّاً جماً، وقد سرت هذه المحبّة منه إلى أتباعه إلى درجة أن المذهب الشافعي يعدّ من أقرب المذاهب إلى مذهبنا نحن الشيعة، بخلاف المذاهب السنّية الاُخرى، كالوهابية، بل إن هؤلاء لا يلتقون مع أيّ من المذاهب السنّية الاُخرى ويتهمون الجميع بالشرك والبدعة ويتحركون معهم من موقع العداوة والنزاع الدائم.